اعتاد الحاج أبو خليل في كل عام أن يجمع بناته السبعة على مائدة منزله قبيل حلول شهر رمضان، أسوة بجميع العائلات الفلسطينية في مدينة نابلس، والتي تتخذ من شهر شعبان الهجري فرصة لصلة الرحم.
ولكن في هذا العام اكتفت العائلات بتبادل التهاني عبر
الاتصالات الصوتية والمصورة، مع إبداء الحزن على عدم القدرة على الاتصال الشخصي، بسبب
الأوضاع الاستثنائية التي تعيشها الضفة المحتلة بعد انتشار فيروس كورونا.
ولا يجد الفلسطينيون متنفسا خلال هذه الأزمة الحالية
سوى مواقع التواصل الاجتماعي، التي تعبر عن رغبتهم وأمنياتهم بذهاب الوباء، والعودة
إلى الحياة الطبيعية، رغم تخفيف القيود التي أعلنتها الحكومة الفلسطينية قبيل شهر رمضان.
أما الحاج أبو خليل المصري في نابلس فيجلس مع زوجته،
منتظرين أي خبر حول عودة الحياة الطبيعية، لرؤية أبنائهما المتزوجين، والذين كانت
"الشعبونية" تجمعهم سويا كل عام.
اقرأ أيضا: تقدير إسرائيلي يرصد التوتر الأمني مع الفلسطينيين مع حلول رمضان
ويقول المصري لـ"عربي21" إن "بناته السبعة
متزوجات في قرى بعيدة عن المدينة، ولا يستطعن الاجتماع سوية في منزله إلا في المناسبات،
وأن الاجتماع في شهر شعبان كان مناسبة جميلة تتمكن خلالها كل بناته من التواجد مع أطفالهن
وأزواجهن في منزل العائلة وتناول الطعام والحديث عن حياتهم العائلية".
ويضيف: "هذا هو الجو المثالي بالنسبة لنا؛ أن يجتمع
الكل في منزلي وأن نتناول الطعام سوية استعدادا لاستقبال شهر رمضان؛ ولكن الظروف الحالية
حالت دون ذلك ومنعت التواصل بيننا إلا عن طريق المكالمات الهاتفية".
ويبين المصري أن "الشعبونية تقليد قديم في المدينة
تعود لسنوات طويلة؛ حيث اشتهر أهالي نابلس بها بين المدن الفلسطينية وأصبحت ترتبط بهم
اسما وتفصيلا، حيث يعتبرها الأهالي تطبيقا لسنة الرسول عليه السلام في صلة الرحم قبل
حلول رمضان الذي يجمع كل العائلات".
ويشير الحاج السبعيني إلى أن "الشعبونية كان يعايشها
طفلا حين يجمع والده جميع بناته المتزوجات وشقيقاته ووالدته على مائدة واحدة ويكرمهن
وعائلاتهن، حيث يبعث ذلك السرور في أنفسهن ويمحو أي شعور بالتباعد بسبب مشاغل الحياة".
ويتابع: "لم نتوقع أبدا أن يكون هذا العام مختلفا،
فالتباعد الاجتماعي الآن واجب علينا لحماية عائلتنا ومن نحب، ورغم أننا نشعر بالضيق
والحزن لعدم الاجتماع سوية إلا أننا نحترم الإجراءات المتبعة حتى نساهم في قرب زوال
الوباء".
ويتحدث أبو خليل مع زوجته في مكالمة مصورة عبر الأجهزة
الذكية مع ابنتهما، التي تسكن قرية سالم شرق نابلس؛ وذلك في تعويض جزئي عن عدم القدرة
على الزيارات، وخلال تبادل أطراف الحديث يحاولون متابعة أخبار بعضهم مع الأمنيات بعودة
الحياة إلى طبيعتها.
أجواء مفتقدة
وتضم ولائم شعبان في المدينة أصنافا عدة من الوجبات بحسب
الموسم المصاحب لها؛ فإن كان الموسم شتاء تتزين الموائد بوجبة "اللخنة الخضراء"
وهي أوراق تشبه أوراق العنب في شكلها ويتم حشوها بالأرز؛ وإن كان شعبان في الصيف فيكون
"الدوالي" الذي هو ورق العنب حاضرا، بينما تسود المائدة وجبات فلسطينية بحتة
في كثير من الأحيان مثل "المقلوبة" و"المسخن" و"المنسف".
وتقول السيدة أم عنان الخياط لـ"عربي21" إنها
"تستغرق وقتا قبل شهر شعبان لتفكر في محتويات المائدة حين تجمع بناتها وقريباتها"،
مبينة أن "الشعبونية لا تعني تناول الطعام فقط، وإنما هي تجديد روح التواصل وصلة
الرحم والاجتماع لساعات طويلة وتجاذب أطراف الحديث".
وتضيف: "عادة تقوم بعض بناتي بالقدوم باكرا لمساعدتي
في تجهيز الطعام، وأحيانا بعض نساء العائلة فنجلس ونحضّر ونتسامر سوية ونجهز المائدة
في أجواء ممتعة نشتاق إليها كل عام، وتبقى اللمة الجميلة هذه حتى ساعات متأخرة في الليل،
وكانت الشعبونية قديما تستمر لعدة أيام بلياليها في بيت الوالد أو الجد مع استضافة
المدعوين للنوم أيضا ولكن هذه العادة تقلصت إلى يوم واحد".
اقرأ أيضا: تلفزيون "فلسطيني" يبدأ دورة رمضانية غنية بالتراث (فيديو)
وتوضح الخياط أن "الحلويات لا بد أن تكون حاضرة
خلال الشعبونية؛ حيث تشتهر نابلس بمختلف أنواعها وخاصة الكنافة بالجبن والتي تميل بعض
العائلات لصناعتها في المنازل تعبيرا عن تقدير الضيوف واحترامهم بشكل خاص، وعادة ما
يكون إعدادها في المنازل على الحطب".
وحول الأوضاع الحالية ترى الخياط أن "كورونا"
سلب أجواء البهجة التي تسبق رمضان وحتى أجواء الشهر الفضيل؛ حيث يضطر الفلسطينيون للبقاء
في منازلهم ويمنع التزاور بينهم خوفا من انتشار الفيروس، ما خلق أجواء حزينة باردة
في شهري شعبان ورمضان.
وخلال حديثها لا تتوقف الحاجة أم عنان عن الدعاء بأن
يزول الوباء وأن يعيد الله البهجة إلى القلوب التي هي أصلا حزينة على مدار أعوام بسبب
الاحتلال وممارساته، فالآن ينتشر الفيروس بين الفلسطينيين ليزيد آلامهم رغم محاولاتهم
المستمرة لاقتناص الفرح.
ولا تقتصر أجواء شهر شعبان في المدينة على "الشعبونية"
بل إن هناك طقوسا عديدة مثل إيقاد الشعلة على أسطح المنازل إيذانا بحلول منتصف شهر
شعبان، بينما يبدأ الأطفال مع اقتراب شهر رمضان بالنزول إلى الأسواق ليلا وهم يحملون
الفوانيس المضاءة ويغنون الأغاني الرمضانية المتوارثة.
وتعتبر هذه الطقوس التقليدية مميزة لأجواء نابلس التي
يسميها البعض "دمشق الصغرى" من حيث الاهتمام بتفاصيل صغيرة في المناسبات
المختلفة وأجواء البلدة القديمة فيها خاصة في الأشهر الدينية، واشتهارها بأصناف طعام
وحلويات عديدة تجعل الفلسطينيين يتوجهون إليها من مختلف المدن لعيش هذه الأجواء.
"كورونا" تونس.. أي تأثيرات سيتركها على المواطنين برمضان
هذا البديل بتونس عن توقف زيارات رمضان بسبب "كورونا"
غزة تستقبل رمضان بحركة حذرة وفرحة منقوصة (شاهد)