يجلس حفتر على كومة خيبته، يراقب بهلع مشروعه وهو يتهاوى في أيام معدودات، على يد قوات حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا.
بصواريخ من الجو، وجنود من البر، تسير قوات
الوفاق إلى ترهونة، غرفة عمليات حفتر الكبرى ومعقل عدوانه على طرابلس.
عاصفة السلام اسم عملية قوات الوفاق، وقد هبّت
رياحها قبل أسبوعين، وتحولت إلى أسوأ كوابيس حفتر، فبعدما أسقطت نحو ست مدن على
الساحل الغربي وافتكتها، ها هي تشد الرحال إلى ترهونة عاصمة قوات حفتر بالغرب.
وبسيل من الضربات الجوية، تباغت الوفاق «أمير
الحرب» وأتباعه، وتشهر في وجوههم «الإنذار الأخير»، أن ألقوا أسلحتكم «ذلكم خير
لكم وأن من سلم نفسه طوعا فقد أمّنها».
مسلحون قابعون وراء ترساناتهم، تخاطبهم
الوفاق، بلغة السلم قبل الحرب، مناشير تسبق الصواريخ فوق مدينة ترهونة، في عملية
السلام التي أطلقتها الوفاق، وباللغة العربية والروسية، تمطر طائرات سلاح الجو
الليبي أتباع حفتر، داعية إلى استسلامهم طوعا بدلا من أن يحيط بهم الهلاك، وتأتيهم
قاذفاتها من حيث لا يعلمون.
ترك القتال وحقن دماء العزل آخر دعوات
«الوفاق» وأعقلها للحفاظ على المدنيين، رغم أن المعركة محسومة عسكريا وخسارة حفتر
وأوليائه باتت في مرمى شبه حتمي، ولا ريب فيها تقول الوقائع، لا سيما بعد استمرار
تقدم قوات الوفاق ومحاصرتهم لأكبر معاقل الحالم بطرابلس.
«لا تسمحوا للمسلحين بالتواجد بين المساكن، كل
مسلح هو هدف لقواتنا برا وجوا.. من ألقى سلاحه فهو في أمان.. المعركة حُسمت عسكريا..
لا نريد مزيدا من الدماء».. نداءات «الوفاق» أيضا وصلت أهالي ترهونة ممن ساند
حفتر، الذي أوهمهم بأنه الأعقل والأجدر بحكم ليبيا، وتحرير طرابلس من «الإرهاب»،
وفق أسطوانته المزعومة.
الدبابات والعربات العسكرية وقذائف الهاون
تُركت مهزومة وتخلى عنها أصحابها على الطرقات في ترهونة، أكثر من ذلك أسر ما يفوق
مائة عنصر مسلح كان همه أن يحيط بطرابلس، فأحاطت به.
لا تكاد تُحصى هزائم حفتر حتى تعقبها أخرى أشد
ثقلا، الإمدادات معطلة والحصار مفروض من قبل قوات «الوفاق»، التي اقتحمت طرق
إمداداتهم في بوابة «الويف» الواقعة بين منطقة العربان وترهونة.
الهدف ترهونة تصرّ «الوفاق»، والخطة العسكرية
صوبها مرسومة من قبل غرفة عملياتها العسكرية، وعاصفة السلام لم تكن بردا وسلاما
على حفتر ومن يوالي صفه، السماء جحيم والأرض عذاب وخيم، فالأجواء بأكملها غربا
باتت شبه خاضعة تماما لطيران الحكومة، والأرض تحكي وحدها عن انعطافة كبرى في سيرة
المعركة والانقلاب من وضعية الفريسة إلى الصياد.
عشرات الضربات استهدفت أفراد وآليات وتمركزات
مسلحي حفتر في المدينة المذكورة، وما قد يأتي بعدها ليس بأهون منها، فهي مجرد
«تمهيد» لمساندة تقدم قوات «عملية السلام» بعد أن سيطرت أيضا جزئيا على منطقتي
«الطويشة» و»مشروع الهضبة» الاستراتيجيتين.
حكومة الوفاق لا تريد مزيدا من الدماء، تصرح
تكرارا. أما قوات حفتر المعهودة بالتراجعات، فما زالت تواصل التعنت، متخف بعضها في
أحضان المدرعات الإماراتية، وبعضها الآخر يترصد هزيمته لا يعلم أنى تأتيه، من بين
يديه أم من خلفه، بعد أن تورط عمدا أو تبعا في استهداف عاصمة الليبيين طرابلس.
(العرب القطرية)