مضت أربع سنوات من التحضير لتقديم أول عمل تاريخي
مصري، بعد غياب لافت لهذا النوع من الإنتاج الدرامي، عبر إطلالة المسلسل الرمضاني "سيف
الله".
يحكي المسلسل قصة الصحابي والقائد العسكري الإسلامي
صاحب البطولات والفتوحات خالد بن الوليد، والمأخوذة عن "عبقرية خالد" للأديب
المصري الراحل عباس محمود العقاد.
"سيف الله"، الذي يقوم ببطولته الفنان
عمرو يوسف، واجه عقبات عدة، قبل ظهوره للنور، منها اعتراضات الإعلامي إبراهيم عيسى،
والبرلماني محمد أبوحامد، والشاعر جمال بخيت، ودعوات ثلاثتهم لمنع تصوير المسلسل لأسباب
مختلفة، وهي اعتراضات سبقتها أحاديث مثيرة للجدل من إبراهيم عيسى، بحق الصحابي الجليل.
ومع انطلاق تصوير المسلسل نهاية العام 2019، بالمملكة
الأردنية، توقف التصوير في شباط/ فبراير الماضي، لأسباب إنتاجية واعتراضات من البطل
على قلة الإمكانيات وضعف الإنتاج.
اقرأ أيضا: أجور الفنانين وانتقالات اللاعبين بزمن كورونا تستفز المصريين
طالت تلك الأزمة عمان، حيث تناثرت الشائعات حول عدم
تقديم الدعم للمسلسل، وهو ما نفته حينها الهيئة الملكية الأردنية للأفلام.
شخصية بطل المسلسل أثارت الجدل أيضا، والتي ترشح
لها الممثلين: ياسر جلال، وأحمد السقا، وخالد النبوي، وهاني سلامة، ومصطفى شعبان.
لكن دور "البطولة" أُسند في النهاية لعمرو
يوسف. ويضم "سيف الله" 130 ممثلا منهم: يوسف شعبان، وسوسن بدر، ومحسن محيي الدين. وكتب السيناريو له إسلام حافظ، وأخرجه رؤوف عبدالعزيز، ومن إنتاج شركة
"سينرجي" للمنتج تامر مرسي.
ولم يتم
الإعلان عن برومو المسلسل حتى كتابة هذه السطور، فيما تتكتم "سينرجي" على
الخط الدرامي الرئيسي فيه، ولم يظهر منه إلا البوستر الدعائي بصورة عمرو يوسف، وعبارة
"خالد بن الوليد القائد الذي لم يهزم".
وطرحت العودة لإنتاج هذا النوع من المسلسلات بعد
انقطاع لسنوات في عهد السيسي، تساؤلات حول الأهداف السياسية وراءها، خاصة في ظل زخم
الأعمال التاريخية التركية.
"رؤية صناع المسلسل"
وفي إجابته، ثمن الناقد الفني طارق الشناوي، عودة
مصر لإنتاج المسلسلات التاريخية لما لها من أهمية كبيرة، مضيفا بحديثه لـ"عربي21"،
أنه "برغم أن (سيف الله)، لاقى اعتراضات لمنع تصويره إلا أنها آراء ليس لها أساس
من الصحة".
اقرأ أيضا: جدل حول مسلسل سعودي وجه "إهانة لأهالي الجنوب"
وأكد أنه "علينا أن ننتظر حتى نرى كيف تقدم
الشاشة الصغيرة (سيف الله)، خاصة وأنها ليست المرة الأولى التي تشهد فيها السينما والتليفزيون
أعمالا عن ابن الوليد، تلك الشخصية التي ما زال لديها قدر كبير من الجاذبية".
وأوضح الناقد المصري، أن الفيصل فيما إذا كان لمصر
أهداف سياسية من هذا الإنتاج بعد سنوات من توقفها عن المسلسلات التاريخية، ومدى إمكانية
مقارنة "سيف الله" إنتاجيا بـ"ممالك النار"، و"أرطغرل"
و"خالد بن الوليد" السوري، هو "الرؤية واستطاعة صناع العمل تقديم صورة
الشخصية".
"الهدف السياسي وارد"
وفي رده، أشار رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لقصور
الثقافة الأسبق سعد عبدالرحمن، إلى ما تعرض له المسلسل من مشاكل إنتاجية.
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف عبد
الرحمن: "وجود أهداف سياسية مقصودة من وراء إنتاج أعمال درامية معينة هو أمر وارد،
ليس لدينا فقط، بل في دول العالم كله".
وأكد أنه "لا يمكن التأكد من ذلك إلا بعد مشاهدة
العمل بالكامل وتحليله".
"معركة بلا طائل"
ومن وجهة نظر المخرج المصري علي أبو هميلة: فإن "العمل
التاريخي مهم، ولا تتوقف مشاهدته على سنوات محددة، فهو باق سواء كان هناك هدف سياسي
منه أم لا".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أشار إلى
"ظهور الإنتاج السوري والتركي للأعمال التاريخية الضخمة قبل سنوات"، مؤكدا
أنه "ليس مهما هنا البحث وراء الهدف من إنتاج مسلسل ما في لحظة ما".
واعتبر المدير عام بقطاع القنوات المتخصصة بالهيئة
الوطنية للإعلام، أن ذلك يعد "بحثا قصير النظر"، لافتا إلى أن "فكرة
وجود مسلسل عن الصحابة والقادة الذين ساهموا ببناء الدولة الإسلامية الراشدة وما بعدها
من تاريخ لحكام مصر وسوريا والجزيرة أمر مهم".
وأكد أنه لا ينظر إلى ما تمارسه الدول سواء مصر
أو تركيا من صراع متبادل بتسخير الدراما التاريخية لأهدافهم السياسية، لكن الأهم
هو "صناعة مسلسل عن أي شخصية أثرت التاريخ".
وللمعترضين على "سيف الله"، قال المخرج
المصري: "لدينا معركة دائرة وتظهر كل فترة هدفها الإلهاء بطرح تساؤلات مثل: هل
هذا احتلال إسلامي لمصر؟ وهل العرب غزاة أم فاتحين؟ وهل نحن عرب أم فراعنة؟".
ويعتقد أبوهميلة، أن "الاعتراضات التي قادها
الإعلامي إبراهيم عيسى، والشاعر جمال بخيت غير مقبولة"، مؤكدا: "أنا مع أي
إنتاج عربي وعالمي لمثل هذه الشخصيات"، ومذكرا بدور فيلمي "الرسالة"
و"عمر المختار" وأثرهما الباقي رغم أنهما إنتاج غير عربي أو إسلامي.
وأكد أن "هذا صراع يكشف حالة الفراغ بالعالم
العربي، الذي تشتت وهزم هزائم منكرة، حيث لا توجد أفكار حول مستقبل الأمة ولا تداعيات
استمرار الحكام المستبدين: والنتيجة أننا نتحدث بأشياء لا طائل منها، وعلينا ألا ننجر
لمعارك تستهلك الوقت".
وبين أنه "حتى لو صدقت فكرة الصراع وأن صناعة
المسلسل للرد على آخر، رغم أنني ضد الفكرة، لكن في النهاية رأس النظام عبدالفتاح السيسي لن يبقى ولكن مسلسل كـ(سيف الله)
سيبقى".
وبسؤاله عن إمكانية مقارنة (سيف الله) بإنتاج مثل
(أرطغرل) أو (ممالك النار) اللذين يقف خلف إنتاجهما دول كتركيا والإمارات، أجاب المخرج
المصري: "لدينا الآن إمكانيات على مستوى الإخراج والمونتاج والجرافيك والتكنولوجيا
الحديثة تجعلنا قادرين على إنتاج عمل جيد، ويمكنها التغطية على قصور الإمكانيات"،
مضيفا: "لا نستطيع الحكم على المسلسل الآن، ولا يمكن مقارنته بأي عمل آخر".
"مواجهة الدراما التركية"
وفي تصوره قال الكاتب الصحفي حسام الوكيل، إن
"إقدام (سينرجي) المملوكة للمخابرات على تصوير مسلسل ديني لشخصية عسكرية هو لهدف
سياسي بالأساس، وهو مواجهة الدراما التركية التي تتحدث عن القادة العسكريين والفاتحين
الأتراك مثل (أرطغرل) و(عثمان) وغيرهما".
اقرأ أيضا: كيف تواجه فضائيات المعارضة المصرية بتركيا وباء كورونا؟
الوكيل، توقع بحديثه لـ"عربي21"، أن يكون
"اختيارهم لشخصية الصحابي خالد بن الوليد، بهدف توظيفها دراميا لخدمة الصورة الذهنية
للسعودية".
وأضاف: "بالطبع اعتمادهم على كتاب (عبقرية خالد)،
للعقاد، سيضفي قوة للمسلسل وعمقا في الطرح، ولكن أتوقع أن تكون هناك إضافات تمثل تحريفا للسرد
التاريخي لتحقيق الأهداف السياسية الأساسية لإنتاج المسلسل، وسيتم تبرير ذلك بأنه ضرورة
للسياق الدرامي".
وأكد الصحفي المصري، أن "ما تقوم به (سينرجي)
لا يخضع بشكل مباشر لقواعد المنافسة التجارية لسوق الدراما، ولكنها تخدم أجندة سياسية
وأمنية، وتعمل على ترسيخ صور ذهنية محددة مطلوبة من النظام العسكري، وتعمل على السيطرة
والتحكم في الفكر والسلوك والشكل للمشاهد العربي بشكل عام".