ملفات وتقارير

التايمز: فيروس كورونا أيقظ الصراع الطبقي الخفي في العالم

هل فيروس كورونا عادل بين الفقراء والأغنياء؟ - جيتي

نشرت صحيفة "التايمز" البريطانية، مقالا للكاتب، بن ماكنتير، حول الصراع الطبقي في بريطانيا والعالم، وكيف يمر الفقراء والأغنياء بتجربة مختلفة تماما عند الإصابة بفيروس كورونا.

ويقول الكاتب إنه على مستوى العالم هناك اعتقاد بأن من نشر الفيروس هم سواح أثرياء ولكن أثر المرض كان أكبر على أصحاب الدخل المحدود، ولذلك فإن الأشخاص من الطبقات الدنيا يعانون أكثر بينما الأثرياء يجتازون المحنة، وأن من يكافح المرض في الصفوف الأولى هم الأقل أجورا في المجتمع.

وباختصار، فإن الفئات المحرومة اقتصاديا والأقليات يقومون بأخطر الأعمال ويصابون بالمرض ويموتون أسرع من الأثرياء والبيض وذوي الامتيازات.

دارين بلاند، مستشار تكنولوجيا المعلومات من منطقة شرق ساسيكس، يعتبر أول مريض بالفيروس ويعتقد أنه أصيب بالعدوى في بلدة نمساوية تعرف بلقب "ابيزا جبال الألب"، وهو المكان الذي عادة ما يرتاده المشاهير والنجوم بمن فيهم باريس هيلتون، وروبي وليامز. 

وأصيب المئات من المتزلجين على الثلج بالفيروس في هذه البلدة وعادوا إلى بلدانهم.

 

وللاطلاع على كامل الإحصائيات الأخيرة لفيروس كورونا عبر صفحتنا الخاصة اضغط هنا

 

وبنفس الطريقة أصيب بالفيروس عدد ممن يعتبرون من النخبة في المكسيك، والذين تجمعوا بالمئات في جبال كولورادو في منتجع التزلج الفاخر "فيل" الذي كان حاضنة لكوفيد-19 حيث أصيب بالمرض ما لا يقل عن 50 منهم، أبرزهم الثري المكسيسي خوسي تكيلا.

أما في أستراليا فقد لامت الصحف السياح الأثرياء لعودتهم بالمرض من الخارج حيث انتشر المرض في أثرى مناطق أستراليا، بحسب تقرير في صحيفة "ميل أون لاين".

وقالت الصحيفة إن المرض انتشر "بعد أن أتى الأثرياء بالفيروس على متن رحلات الطيران من الدرجة الأولى وعلى رحلات السفن الفاخرة من رحلة تزلج في أسبين". 

ولم يكن لدى المتزلجين فكرة بأنهم أصيبوا أو أنهم قد ينشرون المرض، ناهيك عن أي فكرة أن المرض سيجتاح العالم. ولكن هناك اعتقاد في مناطق مختلفة من العالم بأن المفرطين في الثراء أفرطوا أيضا في نقل المرض. 

وبالطبع ركز الإعلام على الأثرياء والمشاهير الذين أصيبوا بالمرض: الأمير تشارلز، وبوريس جونسون، وتوم هانكس، وإدريس إلبا، وسوفي ترودو، زوجة رئيس الوزراء الكندي وغيرهم، لكنه لم يقل الكثير عن نقل الأثرياء للمرض.

وقالت وول ستريت جورنال في تقرير لها: "لقد أثارت حالات المشاهير توترا طبقيا وغذت المفاهيم بأن كوفيد -19 هو مشكلة الأثرياء، وخاصة في البلدان ذات المستويات العالية من عدم المساواة الاقتصادية".

وفي أورغواي والأرجنتين يطلق على المرض طاعون المتكبرين، وفي أفريقيا تبين أن بعض المسؤولين الحكوميين أصيبوا بالفيروس بعد قضاء إجازات في أوروبا وهو ما لا يستطيع فعله الكثير من الأفارقة.

وكتبت نسرين مالك في صحيفة الغارديان: "عاد الأثرياء الذين يسافرون في أنحاء العالم من إجازاتهم ورحلات عملهم يحملون الفيروس، وكذلك السياح".

وورد في منشور على تويتر يقال إن من كتبه طبيب هندي: "مرض ينشره الأثرياء بينما يسافرون في أنحاء العالم سيقتل الآن ملايين الفقراء". 

وفي الريف البريطاني تتزايد اللافتات التي تطالب ملاك البيوت الثانية بالبقاء بعيدا عن الريف، وهذا موقف معقول لأن المرض لا يزال منتشرا في المدن ولكن هذا الموقف هو تعبير عن الانقسام التاريخي بين المدينة والريف، وشكل جديد للأسطورة التاريخية التي تقول إن "موتى المدينة يلوثون الريف الجميل".

من جهة أخرى، نشر الملياردير، ديفيد غيفين، صورة ليخته البالغ ثمنه 590 مليون دولار وعلق على الصورة: "الغروب الليلة الماضية.. في العزل بجزر غرينادين لتجنب الفيروس.. آمل أن الجميع في أمان".

وانتقدت عائلة بيكهام بسبب صورة سيلفي نشروها في منطقة كوتسولدس، في الريف، وعلق عضو بلدية محلي: "التبجح بنشر صور قصرك الريفي والقول بأنكم تستمتعون بوقتكم هو نوع من المماحكة".

وفي فرنسا قارنت الروائية الفرنسية ليلى السليماني نفسها بالأميرة النائمة في مذكرات يومية تنشرها في صحيفة من بيتها الريفي، ونتيجة لذلك تم تشبيهها بماري أنطوانيت كونها "بعيدة تماما عن الخوف والمعاناة التي يعيشها الناس". 

 

اقرأ أيضا: ترويج لمخاوف ضد مسلمي بريطانيا بسبب كورونا.. وردود غاضبة

وقد يستخدم المؤرخون لاحقا المقطع المصور الذي نشرته غال غادوت الذي جمعت فيه مشاهير يغنون أغنية (Imagine) من بيوتهم الفاخرة كدليل على الفصام الاجتماعي.

وتوجه حوالي خمس سكان باريس إلى الريف بعد إعلان الإغلاق، وتوافد سكان ساوثامبتون على لونغ أيلاند بأمريكا، بعد وصول الفيروس، وبعض الأثرياء الروس بنوا لأنفسهم عيادات خاصة، وسارعوا لشراء أجهزة طبية غير متوفرة للآخرين.

بعض الأثرياء جدا مثل المدير التنفيذي لتويتر، جاك دورسي ومدير مايكروسوفت، بيل غيتس، قاموا بالإنفاق من أموالهم لمكافحة الفيروس ولكن الأكثرية لم يفعلوا، وكما أشارت إميلي ميتليس على "نيوز نايت" الأسبوع الماضي: "هذا المرض لا يجعل الغني والفقير يعانون بنفس المقدار، فالعاملون على الخطوط الأمامية والمعرضون يوميا للفيروس هم الأقل أجورا".

وأبرزت هذه الأزمة بشكل واضح الفوارق الاقتصادية والاجتماعية في العالم، فأمراض السكر والقلب والأزمة والبدانة – وكلها ظروف تؤدي إلى الوفاة من الفيروس– سائدة في المجتمعات الفقيرة.

وكانت دراسة أجراها معهد الدراسات المالية وجدت أن احتمال حاجة الناس الذين يعيشون في المناطق الأكثر فقرا في المملكة المتحدة للعلاج في المستشفى أكبر بمرة ونصف تقريبا من الذين يعيشون في الأماكن الأكثر ثراء.

على صعيد السياسات الدولية، وجد المحاربون السبرانيون الروس في الأزمة الصحية فرصة للاستغلال بموجات جديدة من المعلومات الكاذبة. وقال تقرير صادر عن مؤسسة الخدمات الخارجية الأوروبية والتي تتابع العمليات الروسية بأن روبوتات يسيطر عليها الكرملين تبث على منصات التواصل الاجتماعي مزيجا من نظريات المؤامرة والأخبار الكاذبة وتحاول استغلال التوترات العنصرية والإثنية والطبقية لبث الفرقة.

وفي بعض البلدان أبرز المرض أن الفروقات الطبقية تدعمها العنصرية. حيث أظهرت دراسة حديثة بأن 35% من المرضى في حالة حرجة من الفيروس في انجلترا وويلز وايرلندا الشمالية هم من السود والآسيويين والأقليات الإثنية الأخرى، بالرغم من أنهم يشكلون 14% من المجتمع.

وفي أمريكا يصيب فيروس كورونا بشكل غير متساو الأمريكان الأفارقة ويقتلهم في الجنوب حيث يعيش السود غالبا في حالة من الفقر والأمراض المزمنة.  ففي لويزيانا مثلا يشكل السود 33% من السكان ولكن يشكلون 70% من وفيات كورونا.

ولطالما لازمت الجوائح الطبقية والانقسامات، وغذت الاحتكاكات، فنظر إلى مرض الكوليرا في القرن التاسع عشر على أنه مرض الفقراء، وكان يصيب الفقراء الذين يعيشون في ظروف مكتظة، لكن الطبقة المتوسطة نجت منه، وأدت نظريات المؤامرة حول الكوليرا إلى أعمال شغب قامت بها الطبقة العاملة. 

ومثل الفيروس، فإن الصراعات الطبقية تكمن في مجرى دم المجتمع وتنفجر دون توقع وأحيانا بعنف، ولا يمكن الشفاء منها ولكن يمكن علاجها: "بالتسامح والسخاء والتقدير لأن بعض قطاعات المجتمع ستعاني أكثر من غيرها".

وقالت مادونا في فيديو غال غادوت المثير للاشمئزاز بحسب الكاتب، بينما كانت تستحم في حمام من الحليب وعليه بتلات الورود إن ما هو جميل حول كوفيد-19 هو أنه جعلنا جميعا متساويين بأشكال مختلفة".

ويختم الكاتب: "لا لم يفعل، قد لا يميز الفيروس بيننا لكن الناس يفعلون".