أصدر المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، بيانا ختاميا في دورته الطارئة الثلاثين، تحت عنوان: (المستجدات الفقهية لنازلة فيروس كورونا كوفيد 19)، وتناول فيه عددا من القضايا المتعلقة بفيروس كورونا، والأحكام التي يسأل عنها المسلمون ولها علاقة به، وقد تناول البيان عددا من الفتاوى الفقهية المهمة، ومن بين هذه الفتاوى: حكم صلاة الجمعة في البيوت في ظل وباء كورونا.
وقع في جل ما رفضه من أصحاب الفتوى
فبعد أن أعلن وباء كورونا وباءًا عالميا، وقد صدرت فتاوى المشايخ والهيئات العلمية بعدم الذهاب للمساجد لصلاة الجمعة والجماعات، وبالفعل قامت سلطات في عدة أماكن بإغلاق المساجد حفاظا على صحة الناس من انتشار الوباء بينهم. وقد أصدر بعض المشايخ فتوى تجيز لمن يريد صلاة الجمعة، أن يصليها في بيته مع أبنائه، إذا توافر معه عدد من تصح به صلاة الجماعة، ثلاثة أفراد فما فوق.
ولكن بيان المجلس الأوروبي للإفتاء انتهى إلى عدم جواز صلاة الجمعة في البيوت، مستدلين على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولا الصحابة، ولم يصلوها إلا بهيئة معينة، وهي اجتماع الناس في المسجد، بخطيب، وبشروط محددة.
وأن من يجيز يستدل برأي المذهب الحنفي في ذلك، والأحناف يشترطون شروطا لصلاة الجمعة، لا تتحقق في آدائها في البيت، ومثل هذا الرأي يعد تلفيقا بين المذاهب، ينتهي بصورة تلفيقية مرفوضة عند علماء الأصول، وأن صلاتها في البيوت قول محدث، ولم يحدث على مدار تاريخ الأمة.
هذا هو مجمل ما قاله بيان المجلس الأوروبي للإفتاء في الموضوع، وبغض النظر عن رجحان رأي من أفتى بصلاة الجمعة في البيت، أو عدم رجحانه، لكن الملاحظ على بيان المجلس الأوروبي أنه وقع في جل ما رفضه من أصحاب الفتوى.
من أجاز صلاة الجمعة في البيت بشروط صلاة الجماعة، لم يقصد بذلك الاستمرار في آدائها بهذا الشكل، بل قصد في فترة الوباء، وتواجد الناس في البيوت لمدة قد تطول، وعند انتهاء المحنة يعود الناس إلى ما كانوا عليه
فمن أجاز صلاة الجمعة في البيت في وقت الأوبئة، وإغلاق المساجد، قصد بذلك الحفاظ على روح الشعيرة، وتعلق النفوس بالجمعة، واعتمد في هذا الرأي على أنه لا توجد أدلة قوية صحيحة في الشروط التي وضعها الفقهاء لصلاة الجمعة، من حيث العدد، والمكان، والسلطان، والمصر، وغيرها من الشروط.
والعجيب أن المجلس الأوروبي نفسه من قبل قد أجاز للمسلم المقيم في الغرب أن يشتري بيتا للسكنى بالقرض الربوي، مستدلا في ذلك بالمذهب الحنفي، ولم يستدل بكل ما قاله، بل أيضا بنفس المنهج لفق وجمع، ولا ندري هل المجلس ضد المذهبية، أم مع المذهبية، ومتى يستفيد من أقوال المذاهب، ومتى يرفضها، وما معيار الاقتباس منها، وما معيار الرفض؟ هذا أمر غير واضح، ولو رحنا نذكر نماذج لذلك لطال المقال.
أما مسألة أن صلاة الجمعة في البيوت، مسألة مستحدثة، ولم تحدث من قبل، فهو نفس ما يقال عن المجلس الأوروبي والمراكز الإسلامية كلها، فلم يكن في عهد الصحابة والتابعين وغيرهم، أن وجد مسلمون بمجتمع كامل يمارس شعائره ودينه كما هو الآن في أوروبا، وهو ما اضطرهم إلى إنشاء المجلس الأوروبي، فليس كل حالة مستحدثة ترفض، ما دامت لا تصطدم بنص شرعي، وبخاصة في كيفية آداء العبادة، وليس في صلبها، وليس في أمر ورد فيه أمر نبوي من الرسول صلى الله عليه وسلم برفضه، أو ينص عليه تحديدا، وهو ما يقال في مسألة عدد من تصح بهم صلاة الجمعة، والمكان كذلك.
ولو رحنا ندقق في شروط الفقهاء في مكان صلاة الجمعة والعدد، فسيضطر المجلس الأوروبي للإفتاء غدا أن يفتي بإغلاق عدد من المصليات والمساجد التي في أوروبا، وهي مساجد صغيرة جدا، لا تنطبق عليها شروط الفقهاء.
وهذه المشكلة كان قد أثارها من قبل الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله، وقد نفى صحة صلاة الجمعة في المصليات التي أسفل العمارات أو المباني، ووقتها رد عليه الشيخ عبد الله المشد رئيس لجنة الفتوى، بأن رأيه ليس صحيحا فقها.
حكم لا قياس له
الأمر المهم هنا: أن وباء كورونا بتوابعه، جاء بقضايا جديدة ليس لها سابقة من قبل، فمحاولة قياس هذه القضايا على غيرها ليس من الحكمة والصواب الفقهي، لأنه لا يوجد طاعون أو وباء من قبل تم فيه هذا الحظر على الناس بهذا الشكل، ووباء عالمي بهذه الحالة هي حالة جديدة في كثير من قضاياها وتفاصيلها، فمحاولة النسج على فتاوى وآراء لعلماء وفقهاء سابقين فهو تكلف، وتشدد في غير موضعه.
إن من أجاز صلاة الجمعة في البيت بشروط صلاة الجماعة، لم يقصد بذلك الاستمرار في آدائها بهذا الشكل، بل قصد في فترة الوباء، وتواجد الناس في البيوت لمدة قد تطول، وعند انتهاء المحنة يعود الناس إلى ما كانوا عليه، وهو أمر طارئ وليس أصلا، وكنت أتوقع من المجلس الأوروبي للإفتاء أن يقدر ذلك في بيانه، حيث إن أحكامه أصلا هي للمسلم الذي يقيم في بلاد غير مسلمة، فهو فقه قائم على الضرورة، وقائم على الاضطرار، وقائم على الاستثناء في كثير من قضاياه، وهو ما نراه في كثير من فتاوى المجلس السابقة، والتي كانت تستشهد بفقه الضرورة، بداية من الإقامة في بلاد غير المسلمين، حتى شراء البيوت بالربا في الغرب.
وكنت أتمنى من بيان المجلس ألا يحكم على هذا الرأي الذي يجيز صلاة الجمعة في البيت بأنه محدث، لأنهم بذلك قد وقعوا في نفس ما كان يرميهم به مخالفوهم من قبل، عندما رفض بعض المشايخ المعاصرين مصطلح: فقه الأقليات، وأنه محدث، وليس له وجود في الفقه الإسلامي، فضلا عن بقية الفتاوى التي كانت تصدر عن المجلس وكان يحكم عليها بنفس الحكم بأنه محدث، وأنه بدعة، وأنه يحل المحرمات للمسلمين في بلاد الغرب بدعوى الضرورة والحاجة.
يرى بعض أهل العلم الذين قرأوا بيان المجلس: أن بعض القضايا الواردة في البيان تحتاج لمزيد من البحث والإنضاج، وليس في العلم كبير، وأعضاء المجلس كلهم أهل علم وفضل، وأهل استجابة للنصح، وهدف الجميع: هو الحقيقة العلمية، وتقبل الآراء بصدر رحب، فالمجلس ومن يعارضه كلهم أهل حرص على الإسلام والمسلمين، وغايتهم الوصول للحق، واتباعه.
Essamt74@hotmail.com
قصة كورونا مع الصراع الأمريكي-الإيراني
كورونا ودولة السيسي.. وحلول ممكنة
الناجون من كورونا.. وهم ملء الفراغ