نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا، للكاتب فيكتور ماليت من العاصمة الفرنسية باريس، يتحدث فيه عن أثر وباء فيروس كورونا المستجد على العلاقات الطبقية في أوروبا.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الفيروس كشف عن عدم المساواة الاجتماعية، واعتماد الاقتصاديات الأوروبية على العمالة الرخيصة.
ويلفت ماليت إلى تغريدة نشرها الأسبوع الماضي الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على حسابه في "تويتر"، وأرفقها مع صورة بالأحمر والأبيض والأزرق، وقال: "شكرا لكم، شكرا لكم، شكرا لكم"، مشيرا إلى أنه لم يكن يثني على الفرق الطبية التي وصفها بـ"الأبطال بالزي الأبيض"، بل كان يكيل المديح لأصحاب المتاجر والبقالات والعاملين في نقل المواد الغذائية.
وتقول الصحيفة إن وباء فيروس كورونا كشف عن مدى اعتماد الحياة اليومية والاقتصاديات الحقيقية على الأيدي العاملة الرخيصة، سواء كانوا من الممرضين، أو المساعدين في المتاجر، أو سائقي الشاحنات والعمال في المزارع، أو عمال جمع النفايات.
وينقل التقرير عن إيفا، التي تعمل في مخبز في لوفاسيينز في غرب باريس، قولها: "لقد شعرت بالرعب من العمل في هذه الظروف"، وأضافت أنها رفضت طلبا من صاحب المخبز للعمل 60 ساعة في الأسبوع، بدلا من 42 ساعة؛ لأن لديها عائلة وأولادا تحتاج لرعايتهم، وتقول: "أرتدي قناعا لا يحميني، وأعمل ساعات إضافية بسبب نقص العمال.. لا خيار أمامي، لأنني لو رفضت فسأفقد عملي، وفي بعض الأيام أفكر في طلب إجازة مرضية".
ويورد الكاتب نقلا عن إدواردو، وهو عامل في البناء ويقوم بتحديث مكتب في وسط باريس، قوله إنه سيخاطر بالخروج من البيت والإصابة بالفيروس على أن يخسر وظيفته، ويضيف: "لا يوجد عدل في هذا الأمر؛ لأننا أكثر عرضة من بقية الوظائف التي يمكن إنجازها من البيت وعبر الهاتف، لكن لا خيار".
وتعلق الصحيفة قائلة إن تجارب كهذه كانت مصدر إلهام لقادة نقابات العمال والسياسيين من ذوي الميول اليسارية ليقارنوا بين من وصفوهم بالنخبة العاجزة التي تعمل من على بعد والعاملين في المجلات التجارية والمصانع.
ويجد التقرير أن هناك عاملين يمكن أن يساعدا في تعميق الشرخ الاجتماعي في بلد شهد منذ عام وأكثر تظاهرات مضادة للحكومة، قادها أصحاب الستر الصفراء، مشيرا إلى أن العامل الأول هو تدفق الأثرياء الباريسيين بسرعة إلى بيوتهم الريفية بعد الإعلان عن الإغلاق التام، ناقلين معهم الفيروس، ومثيرين نقمة الناس العاديين.
وينوه ماليت إلى أن العامل الثاني هو نقص الأقنعة الطبية والمطهرات، بشكل ترك عددا من الموظفين في المحلات التجارية وعناصر الشرطة وغيرهم دون حماية.
وتنقل الصحيفة عن كلوي مورين من مؤسسة جين جاروس، قولها إن الفيروس قد "فتح العيون.. وجود لامساواة اجتماعية ليس جديدا، لكنه تضخم وسط الأزمة الحالية"، وتضيف: "إنه يكشف عن حقيقة، وهي أن مجتمعنا يمنح موقعا متدنيا وثانويا لمن يقومون بعمل ضروري، فالناس الذي يشغلون الاقتصاد يتلقون رواتب متدنية ولا يحظون باحترام".
ويفيد التقرير بأن هذا الوضع لا يقتصر على فرنسا، التي قد يتعرض فيها العمال من أصحاب الأجور القليلة ويقومون بأعمال مهمة لمخاطر الإصابة بالفيروس، ففي إسبانيا اشتكت نقابات العمال من المخاطر التي يتعرض لها عمال البريد والعاملون في المتاجر.
ويورد الكاتب نقلا عن نائب رئيس الوزراء وزعيم حزب اليسار المتشدد بوديموس، بابلو إغلاسيوس، قوله: "الحرب لا تفرق بين المناطق، لكنها للأسف تفرق بين الطبقات".
وتستدرك الصحيفة بأن فرنسا وبعد أشهر من الاحتجاجات حول كل شيء، من ضريبة الطاقة النظيفة إلى إصلاح قانون التقاعد، تواجه خطر اندلاع نزاع طبقي ومواجهة بين أحزاب المعارضة والحكومة، في داخل الأزمة الحالية أو بعدها.
ويذكر التقرير أن صحيفة "ليبراسيون" اليسارية نشرت الأسبوع الماضي، افتتاحية من ست صفحات، تحت عنوان "فيروس كورونا: رهاب الأجور المتدنية"، وتساءلت قائلة: "هل نحن متأكدون من أن سلم المكانة والدخل في مجتمعاتنا يسهم في المنفعة الاجتماعية للذين يستفيدون؟".
ويفيد ماليت بأن من القضايا الخلافية هي محاولة ماكرون الحفاظ على الخدمات ومصانع إنتاج البضائع غير الضرورية عاملة ليتجنب حدوث كساد اقتصادي بعد التغلب على فيروس كورونا، مشيرا إلى أن هذا ما دفع ليلى الشايبي، من حزب اليسار المتطرف "فرنسا لا تركع" للتساؤل عما إن كان توصيل طلبات سوشي ضروري لحياة الشعب.
وتنقل الصحيفة عن عمار لاغا من الاتحاد المرتبط بالحزب الشيوعي "سي جي تي"، قوله: "ما هي قيمة حياة العامل بالنسبة لصندوق الدفع أو الحارس الأمني؟"، وذلك بعد سماعه عن وفاة عاملة صندوق الدفع في كرافور، عائشة أسدوناني، وهدد بأنه لو لم تقفل الحكومة الأقسام التي لا تبيع الطعام فإن النقابة ستقوم بإضراب، مع أنها أعلنت عن إضراب في شهر نيسان/ أبريل للعاملين المحليين في الحكومة.
ويشير التقرير إلى أن ماكرون ووزراء حكومته قاموا بالتخلي عن خطط الإصلاحات الاقتصادية والسيطرة على العجز في الميزانية، وقالوا إنهم سيعملون جهدهم للحفاظ على الوظائف والشركات، و"مهما كان الثمن"، لافتا إلى أن ماكرون دعا في مستشفى ميداني لمواجهة فيروس كورونا في مالهاوس، في شرق فرنسا، إلى الوحدة الوطنية ومواجهة الأخبار المزيفة والانقسامات والشكوك وكل من يريدون تحطيم البلد.
ويقول الكاتب إنه سواء كان هناك انقسام أم لا فإن موقع عمال المتاجر وغيرهم في المجتمع الفرنسي سيتغير بسبب هذه الأزمة، مشيرا إلى أن المتاجر عانت من تغيب عدد كبير من الموظفين، ولهذا عرضت علاوات بنسبة ثلثي الحد الأدنى من الراتب (ألف يورو) لكل شخص يأتي إلى العمل.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول مورين: "في الوقت الحالي تحاول الحكومة والمجتمع الفرنسي كله إرسال رسالة بأن هؤلاء الناس هم أبطال.. عندما تنتهي الأزمة هل سيتم نسيانهم؟".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
إيسكوير: كيف سيغير كورونا حياتنا وطريقة عملنا وعلاقاتنا؟
WP: لا عودة للعمل إلا بعد تطوير عقار وتصريحات ترامب طائشة
AP: كيف يكافح ترامب للتأقلم مع مهمة الرئيس أثناء الأزمات؟