بينما يخوض العالم معارك مع
فيروس كورونا، تذكروا العاملين في القطاع الصحي في "أخطر مكان في العالم".
بينما يخوض الأطباء والممرضون وغيرهم من
العاملين في قطاع الصحة حول العالم معارك بطولية ضد الوباء المتنامي الذي يسببه
فيروس كورونا، تذكروا أولئك الذين يقومون بذلك في مكان وصفه تحقيق صادر عن الأمم
المتحدة العام الماضي بأنه "واحد من أخطر الأماكن في العالم على حياة
العاملين في الرعاية الصحية": إنها المناطق الفلسطينية المحتلة.
استهداف المسعفين
في مثل هذا الشهر من العام
الماضي، خلصت هيئة تحقيق مفوضة من قبل الأمم المتحدة إلى وجود أسباب كافية
للاعتقاد بأن قناصي الجيش الإسرائيلي قتلوا عن عمد عاملين في قطاع الصحة وأطفالا وأشخاصا من ذوي الإعاقات وصحفيين في تظاهرات داخل غزة.
كان ثلاثة مسعفين من بين ما يزيد على 200 شخص
قتلوا على مدى عامين من استخدام إسرائيل للقوة ضد مظاهرات مسيرات العودة الكبرى.
بالإضافة إلى ذلك أصيب 845 مسعفا آخرين بجروح. لم يحاسب حتى الآن على ذلك.
إلا أن الهجمات التي يتعرض لها المسعفون
الفلسطينيون والعاملون الآخرون في قطاع الصحة ليست جديدة. ففي العدوان الإسرائيلي
المدمر على غزة في صيف عام 2014، فقد 23 من العاملين في القطاع الصحي حياتهم، بالإضافة إلى 556 طفلا. كما أصيب بأضرار أو دمر بشكل كامل في ذلك العدوان
سبعة عشر مستشفى وستة وخمسون مركزا للرعاية الطبية.
وبعد جولة أخرى من القتل والدمار، أجرت الأمم
المتحدة تحقيقا آخر، وكانت خلاصته مطابقة لما سبق، مفادها أن "كما هائلا من
المعلومات يشير إلى ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق
الإنسان الدولي، وهي انتهاكات يمكن أن ترقى إلى جرائم حرب".
حصانة مزمنة من العقاب
كشف بحث جديد قامت به منظمة
العون الطبي للفلسطينيين، التي يسعدني أن أكون راعيا فخريا لها،
بالاشتراك مع مركز الميزان لحقوق الإنسان ومنظمة محامين لحقوق الإنسان الفلسطيني
عن أن الحماية التي يضمنها القانون الدولي للمستشفيات والعاملين في القطاع الطبي
لا تحترم.
يبين تقريرهم، الذي صدر بعنوان "حصانة
مزمنة من العقاب، قطاع الصحة في غزة يتعرض مرارا وتكرارا للعدوان"، كيف منح
نظام العدالة العسكري الداخلي في إسرائيل حصانة من العقاب على الاعتداءات التي
وقعت عام 2014 على المستشفيات وطواقم الإسعاف، وكيف أخفق في محاكمة أحد ممن
ارتكبوا تلك الجرائم. ويشرح التقرير أن تلك الحصانة من العقاب كانت بمثابة المحفز
لتكرار الاعتداءات على العاملين في القطاع الصحي داخل غزة أثناء مسيرات العودة
الكبرى، التي كانت تجري أيضا في ظل حصانة تامة من العقاب.
أثناء اجتماع مجلس الأمن في فبراير / شباط من
هذا العام، صرحت سفيرة بريطانيا لدى الأمم المتحدة، كارين بيرس، بأن "المملكة
المتحدة تعتقد أن المحاسبة القانونية على الجرائم التي ترتكب أثناء الصراعات تشكل
رادعا وعقابا ومنهجا للدفاع عن حقوق الضحايا. ومن دون ذلك لا يمكن تحقيق لا مصالحة
بين المجتمعات، ولا ثقة في المؤسسات التي يفترض فيها تفعيل مبدأ سيادة القانون،
ولا احترام للنظام الدولي القائم على القواعد والأحكام."
ما ذكرته السفيرة هو عين الصواب، إلا أنه لا
يجوز السماح للوضع داخل المناطق الفلسطينية المحتلة بأن يتحول إلى استثناء أو إلى
نقطة عمياء بالنسبة للحكومة البريطانية. إذا كانت الأمم، ومنها بريطانيا، تعير اهتماما
للتعامل مع الاحتياجات الإنسانية واحترام القواعد الأساسية للقانون الدولي،
فإنه يتوجب علينا أن نكون على استعداد للتنديد بالانتهاكات السافرة للقانون الدولي
وبالحصانة من العقاب أينما وجدت.
إن الإخفاق في عمل ذلك من شأنه أن يجرئ دولا
أخرى على التصرف بهذا الشكل.
التحدي العالمي
لقد تم الكشف عن أن روسيا تقصف
بشكل متعمد المستشفيات في كافة أرجاء سوريا في الصراع الدائر هناك الآن، كما تم
بشكل متعمد استهداف العاملين في القطاع الصحي في اليمن مرارا وتكرارا. وكما أكد
ائتلاف حماية الصحة في الصراعات، فإن ذلك يعكس نمطا متكررا من العدوان
والحصانة من العقاب.
بينما يواجه العاملون في القطاع الصحي حول
العالم تحديا مشتركا يتمثل في مكافحة وباء فيروس كورونا، فهذا هو الوقت الذي ينبغي
فيه توجيه رسالة واضحة مفادها أن الاعتداء عليهم لن يتم التسامح معه في أي مكان.
لقد أوضحت الولايات المتحدة أنها تخلت عن
دورها الريادي عالميا في تفعيل مبادئ القانون الدولي حين يتعلق الأمر بإسرائيل
والفلسطينيين.
ولا أدل على ذلك من أن ما يسمى "خطة
السلام" التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ترسم رؤية تقوم
على ديمومة التحكم الإسرائيلي بحياة الفلسطينيين اليومية، وهي الحياة
التي لا وجود فيها لآلية يتمكن الفلسطينيون من خلالها من اللجوء
إلى العدالة الدولية حينما ترتكب الجرائم ضدهم.
ولذلك ينبغي على بريطانيا بالتعاون مع شركائها
الدوليين مضاعفة الجهود. آن لهم أن يتخذوا إجراء حقيقيا لدعم المحاسبة على
الاعتداءات التي يتعرض لها قطاع الرعاية الصحية وعلى غير ذلك من الانتهاكات
الخطيرة للقانون الدولي أينما وقعت، بما في ذلك داخل فلسطين.
إن الحصانة من العقاب جرثومة معدية، وما الصمت
عليها إلا تواطؤ معها. وإذا ما أخفقت بريطانيا وغيرها في التصرف، فإنني أخشى أننا
سنكون إزاء وضع يكون فيه السلام والعدل أيضا في وضع حرج جدا.
نقلا عن صحيفة "ميديل
إيست آي"
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)