لا تمر مناسبة في فلسطين إلا وتكون الدبكة الشعبية حاضرة فيها، فهي كانت وما زالت جوهر التراث الشعبي الفلسطيني الخاص بالمناسبات والأفراح انطلاقا من فكرة الحفاظ على الهوية والأرض والحلم والذكريات.
وترتبط فكرة الدبكة الفلسطينية بأناشيد وأهازيج وطنية تحكي فكرة الحنين لفلسطين وارتباطا بما حل بشعبها من تهجير ونكبة وترحيل قسري، بينما تعود جذورها إلى أصول قديمة تمتد إلى أكثر من ألفي عام.
ويوضح الإداري في فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية أنس أبو عون بأن فكرة الدبكة ارتبطت قديما بأشكال المعونة التي كان متعارف عليها بين الناس، فمثلا كان الفلاحون يزرعون البذور معا ويدبكون فوق الأرض لاعتقادهم بأن هذا يعجل في قدوم المطر، وكانوا يتعاونون على بناء البيوت من الطين فيقومون بالدبكة لتثبيته وتزامنا مع ذلك يرددون الأهازيج والأغاني فتحولت رويدا رويدا إلى طقوس شعبية.
ويقول أبو عون لـ "عربي21" بأن فكرة الدبكة بقيت محفوظة عبر الأجيال إلى أن وصلت إلى قيمتها الحالية التي باتت من خلالها شكلا مميزا للتراث وطريقة للتعبير عن حياة الشعب الفلسطيني وتطلعاته.
ويتحدث أبو عون عن فرقة الفنون التي بدأت كفرقة دبكة وإنتاج موسيقي عام 1979 في مدينة البيرة ضمن سياق اجتماعي سياسي رافق مسألة الحفاظ على الهوية الوطنية وأشكال تجلياتها التي كانت جزءا منها.
ويوضح بأن الفرقة تعتبر أقدم فرقة شعبية فلسطينية تضم أكثر من 200 منطوع و120 راقصا وأنتجت أكثر من 15 عملا فنياً، كما تقسم إلى ثلاث مراحل عمرية هي براعم الفنون والفنون وعمالقة الفنون.
ويعتبر بأن الدبكة الفلسطينية هي فكرة عميقة للحفاظ على التراث الذي يورّث ولا نرثه كما تحدث الأديب الفلسطيني إدوارد سعيد، مبينا بأن التعامل في هذه الحالة مع التراث كأنه كائن حي يتطور مع الناس القادرين على إنتاج معارف جديدة، فالدبكة تطورت بتطور التوجيه الثقافي وهذا ما يجعل إقبالا كبيرا عليها واهتماما ليس فقط من الزاوية التراثية بل الاجتماعية والسياسية كذلك.
ويشير إلى أن الدبكة الفلسطينية لها تفاصيل كثيرة تتشارك بها مع دول لبنان والأردن وسوريا ولكن هناك اختلاف من ناحية الحركات، ولكن في كل أشكال الدبكة فإن الحركة الأساسية هي الضرب بالأرض والمشي والقفز ويبقى الاختلاف بالإيقاع وعدد الحركات.
ويوضح أبو عون بأن هناك أنواعا كثيرة للدبكة الفلسطينية التي ترتبط بالمناطق فمنها ما يتعلق بالجبل والساحل؛ وهي واحدة من أنواع الرقص الشعبي الذي منه الدحية والدحرجة وغيرها.
ويضيف: "أساس الدبكة هي أغنية دلعونا الشهيرة والتي كانت تتحدث عن أجواء المعونة للعائلات فيما بينها؛ ثم أصبحت الكثير من الأغاني تدخل على إيقاعها مثل ظريف الطول والميجنا وأغاني السحجة والدحية وغيرها".
وحول التحاقه بالفرقة عام 2006 أكد أبو عون بأن لها مكانا خاصا في قلبه منذ الصغر حين كان يتوجه مع عائلته لحضور العروض المختلفة فكبر حبها في نفسه حتى أصبح مديرا فنيا فيها بعد سنوات، بينما يجد أن عمله قريب من روح الدبكة والتراث الفلسطيني الذي ما زال حاضرا في قلوب الفلسطينيين رغم تقدم السنين.
وتشارك فرقة الفنون الشعبية في عروض مختلفة داخل فلسطين وخارجها؛ كما تمثل فلسطين في منصات دولية عدة منها "الإكسبو" ولها جمهورها الكبير الذي يجد في عروضها طريقا لفلسطين المحتلة.
أما اختلاف الآراء حولها فهو بحسب أبو عون إيجابي يصري تجربتها؛ فالفرقة تقدم شكلا جديدا جوهره التراث ولكن تنتجه بشكل مختلف في كل مرة كي تبعث التجديد فيه وتبقيه حيا بطرق عدة؛ ولكن البعض يرى بأن الحفاظ على التراث بشكله التقليدي هو الطريقة الأمثل لإبقائه حيا، ورغم اختلاف الآراء إلا أن الدبكة الشعبية تبقى هي الرافد الأساسي لفكرة الحفاظ على التراث وتطويره بما يلائم متغيرات الزمن.
وتلاقي الدبكة الشعبية حضورا كبيرا لها خارج فلسطين خاصة لدى الفلسطينيين اللاجئين الموزعين على دول العالم؛ فهم يجدون أنها ذكريات للوطن الذي لم يروه والصورة المتخيلة لديهم عن فلسطين، ومن أنواع الدبكة الطيارة والتغريدة والدراجة.
وتستعمل للدبكة في العرس الفلسطيني آلات موسيقية عدة تعتبر أساسا في التراث الفلسطيني منها المجوز واليرغول والطبلة والشبابة.
كما تستخدم للدبكة ألبسة شعبية تختلف باختلاف المنطقة ولكنها جميعا مستوحاة من رداء الريف التقليدي.
"الكنافة الفلسطينية" تحافظ على حضورها رغم الحداثة (شاهد)
لماذا يسعى الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة على جبل العرمة؟
فنان فلسطيني لـ"عربي21": هكذا أرسم بلادي وأدين الطغاة