يبدو أن العراق على موعد مع أزمة جديدة
خانقة، تضاف إلى جملة أزمات يعاني منها في الوقت الحالي، وذلك بعدما قررت الولايات
المتحدة منحه، الخميس، آخر مهلة -مدتها شهر واحد- من الاستثناءات لاستيراد الطاقة
من إيران التي تواجه عقوبات أمريكية مشددة.
وكانت واشنطن، قد قررت في شباط/فبراير
الماضي، السماح لبغداد بمواصلة استيراد الغاز والكهرباء من إيران. لكن مدة الإعفاء
تقلصت من 90 و120 يوما، إلى 45 يوما، والآن إلى 30 فقط حتى نهاية أبريل/ نيسان
المقبل، وفق مسؤولين عراقيين.
ولعل المهلة الأخيرة من الاستثناءات سيكون لها بعدان، الأول سياسي والآخر اقتصادي، إذ أن توقيت الاستثناء الأخير جاء في
ظروف قاسية ومعقدة يشهدها العراق على الصعيدين، ولاسيما مع أزمة تشكيل الحكومة،
وانهيار أسعار النفط، وزيادة الطلب على الخدمات، فضلا عن وباء كرونا العالمي.
البعد السياسي
وعلى الصعيد السياسي، رأى الدكتور
إحسان الشمري رئيس "مركز التفكير السياسي" أن "الولايات المتحدة
عندما منحت العراق استثناءات اشترطت على حكومة عادل عبدالمهدي، إيجاد بدائل عن
إيران لاستيراد الطاقة خلال مدة عام، لكن الأخير يدرك جيدا أنه لا يستطيع المضي
بهذا المشروع، وربما هذا وضعه وسياسته في دائرة الاستفهام الأمريكية".
وأعرب الشمري عن اعتقاده في حديث
لـ"عربي21" أن "المهلة الأمريكية الأخيرة لها بعد سياسي، وفيها
رسالة باتجاهات عدة، أولها أن على رئيس الحكومة المقبل سواء كان عدنان الزرفي أو
غيره، ألا يتعاطى بمرونة في استيراد الطاقة من إيران، وأن يحدد خياراته بإيجاد
منافذ جديدة".
اقرأ أيضا: واشنطن تبني قاعدة عسكرية جديدة في العراق لـ"درء خطر إيران"
الأمر الآخر، بحسب الشمري، فإنه يبدو
أن هناك تحولا في الإستراتيجية الأمريكية، خصوصا أنها تريد قطع الطريق على إيران
من اعتبار العراق رئة اقتصادية ومصدرا للتمويل، وبالتالي حددت مدة الشهر.
وأردف: "الأمر الثالث، هو رسالة
قد تكون إلى الطبقة السياسية، ولا سيما القريبة من إيران، مفادها بأن الجميع عليه
العودة إلى دائرة التوازنات، فهو أفضل من أن يمضي العراق تحت رعاية إيرانية، لأن
واشنطن تضغط باتجاه تغيير المعادلة التي انبثقت عنها حكومة عبد المهدي، لأنها ليست
عراقية".
وبرأي الشمري، أنه "إذا استمرت
حكومة عبد المهدي خلال مدة الشهر أو منحت الثقة إلى المكلف الزرفي، فبكل الأحوال
سيشمل العراق بالعقوبات، أي أنه حتى لو وجدت حكومة جديدة ولم يلتزم العراق بهذه
القرار، فالعقوبات ماضية".
وأشار المحلل السياسي العراقي إلى أن
"واحدة من التحديات أمام رئيس الحكومة الجديد، هو موضوع العقوبات ومسألة
التعاطي معها في المستقل إذا ما وقع العراق تحت طائلتها".
البعد الاقتصادي
أما على الصعيد الاقتصادي، وما يمكن أن
تتسبب به انتهاء مهلة استثناء الشهر التي منحتها الولايات المتحدة للعراق، فقد أكد
الخبير الاقتصادي صالح الهماشي أن "العراق مشكلته في الحكومات المتعاقبة،
لأن سياستهم تعتمد على ردّات الفعل لمعالجة الأزمات".
وقال الهماشي في حديث
لـ"عربي21" إن "الحكومات العراقية، كانت تعتقد أن علاقتها
بالولايات المتحدة ستستمر بشكل جيد وتبقى الإعفاءات، لكن ما حصل مؤخرا هو أن هذه
العلاقات ساءت جدا بسبب الأحداث السياسية والأمنية التي شهدها البلد، والتصعيد من
الجماعات المسلحة".
وتابع: "لذلك العراق مقبل على
أزمة اقتصادية كبيرة جدا، وليس أمامه خيارات متاحة، لأن خمس أزمات أخرى تعصف به،
منها انخفاض أسعار النفط، الطلب المتزايد على الخدمات داخل البلد، الأزمة السياسية
حول تشكيل الحكومة، فضلا عن أزمة كورونا العالمية، كلها تأثر عليه بشكل
كبير".
اقرأ أيضا: الزرفي يستكمل مشاوراته ويوضح سياسته الخارجية المقبلة للعراق
وأشار إلى أن ارتباط العراق مع
الولايات المتحدة لا يتعلق فقط بموضوع الطاقة، وإنما واشنطن رفعت من عام الدعم عن
العراق، بمعنى أن منظمات دولية كبيرة كانت تقرض البلد وتقدم له المساعدات.
وأوضح أن ذلك تسبب بانخفاض الائتمان
العراقي لدى صندوق النقد الدولي إلى فئة "بي" وربما ينخفض إلى
"سي" ويعني ذلك أن هناك مخاطرة في إقراض العراق وتترتب عليه فوائد
كبيرة، ولن يجد مؤسسات أو دول مقرضة، لذلك سيواجه أزمة كبيرة. أعتقد القادم أسوأ
لأن البلد في وضع صعب جدا.
الخيارات المتاحة
وبخصوص بدائل الطاقة المتاحة للعراق،
قال الخبير الاقتصادي إن "توفير التيار الكهربائي الحكومي سيشهد تراجعا كبيرا
يستمر لفترة طويلة، وذلك سيزيد من الاعتماد على المولدات الأهلية للمواطنين".
وأكد الهماشي أن "العراق استنزف
جميع موارده ولم يبن خططا مستقبلية لمواجهة الأزمات المحتملة، وهذه الأزمة
الاقتصادية الذي يمر بها البلد مع انتشار الوباء، لا اعتقد أمام الحكومة حلولا
لمواجهتها".
وتوقع أن "يلجأ العراق إلى
المملكة العربية السعودية أو تركيا لتوفير الطاقة الكهربائية، لكن هذين البلدين
يشهدان أزمة في الوقت الحالي، ولا اعتقد أنهما سيجهزان البلد بكامل احتياجاته من
الطاقة".
وكان مسؤول عراقي (لم يذكر اسمه) يعمل
في مكتب رئيس الجمهورية قد صرح للوكالة الفرنسية، الخميس، إن هذا التمديد سيكون
"الأخير" الممنوح لبغداد الذي يقف على حافة أزمة اقتصادية مع انخفاض
أسعار النفط، ما قد يؤدي إلى خسارة 65 في المئة من عائداته النفطية التي تشكل 90
في المئة من ميزانية الدولة.
ونقلت عن مسؤول عراقي وصفته بأنه
"كبير"، قوله: منذ شباط/ فبراير "لم تف بغداد بأي شرط" ونتيجة
لذلك كان ينبغي إلغاء الاستثناء، لكن منح مهلة نهائية أميركية يأتي بسبب
"الظروف الحالية"، أي تكليف عدنان الزرفي والذي لا تريد واشنطن أن تحرجه
بعدم التمديد، خصوصا في ظل عدم تماهيه مع الأحزاب الشيعية.
وفي حال لم يتم تمديد الاستثناء،
فيتوجب على العراق وقف استيراد الغاز والكهرباء من طهران، أو الاستمرار بالتعامل
مع طهران ومواجهة احتمال التعرض لعقوبات أمريكية.
الزرفي "يخترق" جدار رافضيه بحوارات تشكيل حكومة العراق
ثلاثة مرشحين بدلاء.. قوى عراقية تتحرك لإلغاء تكليف الزرفي
الخلاف السياسي يمتد لسلطة القضاء بالعراق بعد تكليف الزرفي