لم تكن مناسبة الذكرى التاسعة لاندلاع الثورة السورية ضد نظام الأسد، التي تصادف هذه الأيام، مثل سابقاتها من المناسبات، فالثورة باعتراف أصحابها "ليست بخير" والمخاطر تحيط بما تبقى من مناطقها من كل حدب وصوب.
في منتصف آذار/ مارس 2011، كانت بداية الثورة من درعا في الجنوب السوري، لتتمدد خلال أشهر إلى غالبية مراكز المدن السورية، لكن قمع النظام السوري واستعانته بإيران بعد خروج المناطق تباعاً من سيطرته، ومن ثم استعانته بروسيا في خريف العام 2015، مع بلوغ انتصارات المعارضة ذروتها، بعد أن عجزت إيران عن دعمه عسكريا، أدى في نهاية المطاف إلى انحسار سيطرة المعارضة في مساحات محدودة في شمال غرب سوريا، في إدلب، وفي بقية المناطق التي شهدت عمليات عسكرية تركية.
في العام 2014، كان ظهور "تنظيم الدولة" ودخولها في صراع مع فصائل المعارضة، بمثابة فرصة ذهبية للنظام السورية، وللروس ولإيران، فالتنظيم الذي أعلن ظاهريا عن وقوفه ضد النظام السوري، لم يقاتل إلا المعارضة.
ونتيجة قتالها النظام السوري المدعوم بمليشيات تابعة لإيران، وقتالها تنظيم الدولة في آن، انحسرت مناطق المعارضة، وبدأت مناطقها تتقلص تدريجيا، وصولا إلى خسارتها مركز مدينة حلب في أواخر العام 2016.
اليوم لم يتبق للثوار إلا مناطق محدودة في إدلب وفي أرياف حلب الشمالية والشرقية، ما يثير تساؤلات عن استمرارية ومآلات الثورة السورية.
أوساط الثورة، لا زالت تعلن تأكيدها الثبات على مواقفها، ولا تفوت فرصة للتظاهر في المناطق المهددة من قبل النظام وروسيا.
الاستمرارية مرتبطة بأهداف الثورة
عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري المعارض، عبد المجيد بركات، اعتبر أن استمرارية الثورة السورية أمر مرتبط بعوامل وأسباب اندلاعها بالدرجة الأولى.
اقرأ أيضا: بعامها العاشر.. لاجئو الأردن ولبنان: الثورة السورية حية بقلوبنا
وقال لـ"عربي21"، إن عوامل داخلية أدت إلى اندلاع الثورة السورية، مرتبطة بسلوكيات النظام السوري، وبالوضع الاقتصادي والاجتماعي والعام.
وأضاف بركات، لا زال النظام يتعامل بالعقلية الأمنية العسكرية القمعية في المناطق التي سيطر عليها مؤخرا، وهذا ما يعطي الثورة زخما متواصلا لعام بعد عام، وذلك حتى تحقق الأهداف التي قامت لأجلها.
وحسب السياسي السوري، فإن الشعب السوري قارع نظاما تدعمه دول عظمى، رغم الإجرام، حيث استمر في ثورته ومطالبته بالحرية، وهذا ما يؤكد أن لا عودة عن الثورة، حتى تحقق أهدافها، وذلك على الرغم من تراجع الدعم السياسي والعسكري والمادي للمعارضة السورية السياسية والعسكرية والمدنية.
أصدقاء الشعب السوري
وفي هذا الصدد عبر بركات عن استياء المعارضة من أداء الأطراف التي كانت تسمي نفسها صديقة للشعب السوري، وقال: إن كثيرا من الدول مارست سلوكيات متناقضة تجاه الثورة، ما أدى إلى نتائج سلبية في أداء المعارضة السياسي والعسكري.
وأوضح أن الخلافات بين الدول الإقليمية، وتحديدا بين دول عربية وتركيا والاتحاد الأوروبي، أدت في نهاية المطاف إلى انتقال بعضها لتحقيق مصالحها الضيقة من خلال الثورة السورية، وهذا ما أدى إلى إطالة عمر الثورة السورية.
وتابع بركات: "لم نلمس موقفا دوليا صارما يطالب بإسقاط النظام على الصعيد العملياتي، وإنما كانت كل المطالبات شكلية وغير جادة".
ولا يعني ما سبق أن النظام السوري انتصر على الثورة السورية، بدلالة استمراريتها رغم عجزها عن تحقيق الأهداف التي خرجت من أجلها، وقال: "كسوريين أسقطنا شرعية النظام منذ اليوم الأول".
المحلل السياسي أسامة بشير، اعتبر أن استمرارية الثورة السورية تسعة أعوام، رغم دعم القوى العظمى للنظام السوري، وصمت المجتمع الدولي عن الجرائم، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الثورة السورية من أعظم الثورات التي عرفتها البشرية جمعاء.
وأضاف لـ"عربي21" أن الشعب الثوري أظهر قوة منقطعة النظير، ولا زال الثوار يتظاهرون ويرفعون شعارات الحرية والعيش الكريم
الثورة ليست جغرافية
وقال بشير، إن الشعب الذي قدم التضحيات الكبيرة، والذي دفع مئات الآلاف من الشهداء، لا زال يفضل السكن في خيمة، على العيش مجددا تحت سلطة النظام السوري، وهذا ما يدفعنا إلى القول بأن الثورة ليست جغرافية.
اقرأ أيضا: ما الرسائل وراء زيارة وفد أمريكي لإدلب لأول مرة منذ 2011؟
وتابع قوله: "الثورة ليست مرتبطة بالسيطرة على مدينة أو خسارتها، بل هي فكر لا زال مستمرا، بدلالة التظاهرات التي لا تكاد تتوقف رغم الظروف الإنسانية الصعبة".
وقال إن كانت الثورة تبدو ظاهريا على أنها بموقف صعب، فإن موقف النظام السوري هو الأصعب، وهو الذي يعاني اقتصاديا وعسكريا.
الأطراف الفاعلة
الباحث والمحلل السياسي، طلال الجاسم قال في حديثه لـ"عربي21" إن من الواضح أن اللاعبين المحليين السوريين، باتوا أكثر ارتباطا باللاعبين الدوليين.
وشارحا الموقف الدولي، أضاف الجاسم "الولايات المتحدة تريد الانسحاب من سوريا شريطة أن لا يكون هذا الخروج لصالح إيران، أما روسيا المفوضة من المجتمع الدولي والأطراف الفاعلة بإدارة الصراع السوري فقط، وليس بالحل، ولذلك هم يتحكمون بالصراع لضمان عدم خروجه عن المسار المخطط له".
وقال: "الحل لم يعد داخل سوريا، وإنما مرتبط بأجندات دولية، والتركي يخوض صراعا وحيدا دون حلفاء لحفظ مصالحه الاستراتيجية، وإبعاد الخطر عن داخله، وليس له حضور كبير في فرض كل ما يريد".
وحسب الجاسم، فإن إيران التي دفعت الكثير للبقاء في سوريا، تدرك أن البقاء في سوريا بات مكلفا أكثر، وخصوصا أن الضربات الإسرائيلية لم تتوقف، في حين أنهم يفقدون أوراقهم بشكل يومي، ما يجعل الوضع الإيراني، هو الأصعب بين الأطراف الفاعلة.
أما الدور العربي والأوروبي، فيراه الجاسم محصورا بمرحلة إعادة الإعمار دون النظر إلى الطرف المنتصر، وقال: "ستتم إعادة إعمار بعض المرافق الضرورية لسوريا لكن بوتيرة بطيئة جدا، بتمويل ودعم غير علني".
وأنهى بقوله: "باتت سوريا ملعبا دوليا، وساحة للصراع العسكري والاستخباراتي، دون أي وازع أخلاقي، وفي غياب أي توافق دولي على الحل، ومن الواضح أن استمرار الصراع السوري فيه مصلحة لكل الأطراف، وكل الأطراف متفقة على تخفيض حدته، بحيث لا يخرج الصراع عن الوضع المضبوط".
الحل في دمشق
وفي السياق ذاته، اعتبر أسامة بشير أن تركيا أكدت أنها الطرف الوحيد الداعم للثورة السورية، وهي التي تربطها مصالح مشتركة مع المعارضة السورية, وتابع "الوضع في الشمال السوري لن يبقى على حاله، أي التهدئة المؤقتة، والحل سيكون في دمشق، وليس في إدلب".
وقال: "ننتظر أن يبدأ الحل السياسي العام والكامل، للأزمة السورية، ومن الواضح أن ما تريده روسيا من إعادة الشرعية النظام أمر صعب المنال".
وأشار بشير إلى بوادر موقف أمريكي جديد: "وقال من الواضح أن تركيا حصلت على دعم أمريكي للتحرك العسكري في إدلب، وهذا ما يدفعنا للقول بأن أمريكا لن تسمح للروس بتحقيق نصر مهما كلف الأمر".
وتابع قوله: "لن تتراجع تركيا المدعومة أمريكيا وأوروبيا في إدلب، وهي لن تزج بكل هذه القوات العسكرية للتراجع أبدا، بل تحضيرا لما هو أبعد من إدلب".
وبالبناء على المعطيات السابقة، بدا بشير جازما بأن الحل السياسي في سوريا بات قريبا، وقال: "لقد فشل رهان النظام العسكري على إخماد الثورة السورية، والصراع العسكري لا زال مستمرا، وهذا ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى فرض الحل السياسي على الجميع".
أهالي إدلب يخشون العودة إلى بيوتهم رغم "وقف إطلاق النار"
النظام يسيطر على جبل "شحشبو" في حماة.. هذه أهميته
هذه أهمية جبل الزاوية بإدلب.. هل ينجح النظام بالسيطرة عليه؟