بعد أن أدار ثلاث جولات انتخابية عامة خلال عام بهدف استمرار تسلّمه مقاليد الحكم في دولة الاحتلال، ها هو اليوم، يظهر وكأنه منقذ الدولة من أزمة «كورونا»، داعيا لمواجهة هذه الأزمة بتشكيل حكومة طوارئ بمشاركة «كاحول ـ لافان» «أزرق ـ أبيض» وأحزاب أخرى دون تضييع وقت وبسرعة، وكأنه بذلك يضحي من أجل إنقاذ إسرائيل من الوباء، وأنه الوحيد القادر على قيادة حكومة تقوم بعملية الإنقاذ هذه، ولم ينس نتنياهو وهو يدعو إلى هذه الحكومة، أن يؤكد عنصريته ضد المواطنين العرب عندما قال: «داعمو الإرهاب من القيادة المشتركة، لا مكان لهم في هذه الحكومة»!
إلا أن هذه الدعوة قوبلت بالسخرية من قبل العديد من المحللين السياسيين في إسرائيل، ذلك أن نتنياهو، في إطار تمثيلي مسرحي، قام وهو يدعو إلى هذه الحكومة، بمطالبة الحضور من الصحفيين بالابتعاد بعضهم عن بعض كي لا تنتقل عدوى محتملة، وأكثر من ذلك، فقد قام بمسح أنفه بمنديل أخرجه من جيبه ثم أعاده من جديد، دون أن يستخدم منديلا جديدا، كما توصي نصائح وزارة الصحة. بعض المحللين ردا على هذه الدعوة بقبولها، شريطة أن يدعم نتنياهو تضحيته هذه بالقبول بتشكيل غانتس هذه الحكومة، على أن يعين نتنياهو وزيرا لشؤون الــ«كورونا»!
وبينما تفتك الـ«كورونا» بالمزيد من الضحايا الإسرائيليين كل يوم، فإن نتنياهو أكثر من يجيد توسع هذا الوباء لمصلحة استمراره في رئاسة الحكومة مجددا، خاصة بعد جهود «أزرق ـ أبيض» لتشكيل حكومة ضيقة، ونجاحه ولو مؤقتا في حشد ما يكفي من المقاعد لنيل الثقة بتشكيل حكومة جديدة برئاسة غانتس بعد التوصية المحتملة، اليوم، أمام رئيس الدولة ريفلين بذلك، هذا الأخير، مازال متمسكا بحكومة وحدة وطنية برئاسة نتنياهو لإنقاذ الدولة من الأزمة المستعصية وعدم الذهاب إلى جولة انتخابية عامة رابعة.
اليوم، سيكون حاسما إزاء من سيكلف تشكيل الحكومة، وما زال الغموض يلف العديد من المواقف على الجبهة المعارضة لنتنياهو، سواء حول موقف «المشتركة» التي قالت حتى كتابة هذه السطور، إنها لم تتخذ موقفا محددا إزاء التوصية لـ«أزرق ـ أبيض»، وهي تعقد اجتماعا لهذا الغرض «الآن»، «أزرق ـ أبيض» يعاني من إشكالية وجود أعضاء متمردين لديه، خاصة هاندل وهاوزر، وهما ضد تشكيل حكومة بإسناد من «المشتركة» من الخارج، إلا أنهما لن يغادرا «أزرق ـ أبيض» إلى «الليكود»، كما أشارت بعض التحليلات، ذلك أنهما على خلاف مبدئي مع نتنياهو وقد تركا منصبيهما في مكتب رئاسة الحكومة بسبب هذا الخلاف، إلاّ أنهما قد لا يصوتان لصالح حكومة برئاسة غانتس في حال كانت هذه الحكومة بإسناد من الخارج من قبل القائمة المشتركة.
أما زعيم «إسرائيل بيتنا»، ليبرمان، فموقفه بات أكثر تذبذبا، فبعد أن وضع شروطا وافق عليها «أزرق ـ أبيض»، متجاهلا أي حديث حول دور القائمة المشتركة، بما كان يبشر بتسهيل مهمة غانتس بتشكيل حكومة ضيقة، إلا أنه عاد وأخذ يتحدث مجددا حول حكومة وحدة وطنية دون نتنياهو، ولعلّ توصية ليبرمان بهذا الشأن أمام رئيس الدولة، تعتبر الأهم على هذا الصعيد.
ويبقى هناك حل أخير لمنع نتنياهو من تشكيل حكومة جديدة، حتى لو كلفه رئيس الدولة ذلك، وسيتضح ذلك، غدا، عندما سيناقش الكنيست انتخاب رئيس جديد له بدلا من رئيسه «الليكودي» الحالي ادلشتاين، وهناك أصوات كافية لهذا التعديل، وفي حال النجاح في ذلك، هناك إمكانية كبيرة بالتقدم بمشروع قانون يقضي بعدم تكليف أي عضو كنيست تشكيل الحكومة، في حال كان يواجه محاكمات قضائية بتهم فساد، من المتوقع أن يبادر ادلشتاين بعدم إدراج انتخاب رئيس جديد للكنيست على جدول الأعمال، كما أشارت بعض أوساط «الليكود»، إلا أن ذلك من شأنه أن يخلق فوضى كبيرة لا يعرف أحد كيف ستكون نهايتها.
وبسبب الـ«كورونا»، هناك إمكانية باتت أكثر احتمالا، من ألا تتم محاكمة نتنياهو في السابع عشر من الشهر الجاري كما كان مقررا، ذلك أن هناك مساعي حكومية لإقفال المحاكم، ومن جديد، فإن الـ«كورونا» التي تفتك بالإسرائيليين، قد تكون هي الحل لصالح بقاء نتنياهو في الحكومة واحتمالات أكثر بتشكيله حكومة جديدة!
عن صحيفة "الأيام" الفلسطينية