لأول مرة منذ وصول عبد المجيد تبون للرئاسة في الجزائر، ظهرت تصريحات لمسؤولين حكوميين تتحدث بنبرة حادة عن الحراك الشعبي، وارتباط بعض عناصره بـ"جهات أجنبية"، وتُبدي تذمرا من "الاحتلال المبالغ فيه للشارع".
وتزامنت تلك التصريحات، مع موجة اعتقالات جديدة، طالت صحفيين وبعض نشطاء الحراك الشعبي، بينهم سمير بلعربي الذي عاد للسجن بعد نحو شهر فقط من خروجه بريئا من التهم التي سبق توجيهها له.
وفي حديثه الذي أثار جدلا واسعا، قال وزير الداخلية كمال بلجود، إن "هناك جهات أجنبية، تدعم عناصر معروفة لديها نوايا واضحة تسعى من خلالها لتهديم البلاد والرجوع بها إلى السنوات الماضية وإدخالها في مشاكل".
وأبرز الوزير، أن "هذه العناصر تخرج بمعية المتظاهرين يومي الثلاثاء والجمعة وتسعى إلى التصعيد"، على الرغم من أنه لا يوجد مبرر لذلك، بحسب رأيه، ما دام الرئيس تبون قد التزم بتحقيق جميع مطالب الحراك.
وذكر بلجود دولا قال إنها تسعى لإحداث الفوضى في الجزائر، على رأسها إسرائيل ودولتان عربية وأوربية لم يذكرهما بالاسم، داعيا الجزائريين إلى اليقظة وتفويت الفرصة على "المتربصين بالجزائر".
اقرأ أيضا: وزير داخلية الجزائر: إسرائيل ودولة عربية تدعمان عناصر بالحراك
وبلغة أقل حدّة لكنها تصب في نفس السياق، دعا الوزير الأول عبد العزيز جراد، إلى تخفيف النزعة المطلبية والاحتلال المبالغ فيه للطريق العام الذي لا يزيد سوى في تأزيم الوضع الحالي، بحسبه، دون تقديم حلول ملموسة لمختلف المشاكل التي يواجهها المواطنون والمواطنات.
أدلة لدى السلطة
وفي اعتقاد البرلماني السابق، عدة فلاحي، فإن "مسؤولا في الدولة، بحجم وزير الداخلية، عندما يتحدث عن وجود اختراق، فالأكيد، أن لديه أدلة حصل عليها من المصالح الأمنية والاستخباراتية".
لكن مع إيمانه بضرورة تطهير الحراك من "المتطرفين والدخلاء"، قال فلاحي في حديثه مع "عربي21" إن وزير الداخلية مطالب بأن يقدم توضيحات أكثر لكلامه، لأن التغيير الحقيقي والعميق الذي يتحدث عنه المسؤولون لم يتحقق بعد.
واللافت أن هذه التصريحات، تأتي عقب ارتفاع وتيرة مظاهرات الحراك الشعبي في الأيام الأخيرة، إذ أضاف النشطاء يوم السبت للخروج الأسبوعي الذي كان متركزا في يومي الجمعة والثلاثاء.
ويقول بعض النشطاء الذين تحدثت إليهم "عربي21"، إن الخروج يوم السبت جاء بطريقة عفوية، بسبب تزامن سنوية الحراك الشعبي مع هذا اليوم قبل 3 أسابيع، ما جعل المتظاهرين يتواعدون على الاستمرار بالخروج، لكن تصريحات مسؤولي السلطة تشير إلى وجود نية مدبرة للتصعيد.
ومن الواضح، أن السلطات ترفض توسع دائرة الاحتجاج، إذ سعت لإحباط كل محاولات الخروج يوم السبت، ولجأت إلى اعتقال عدد من نشطاء الحراك المؤثرين يوم السبت الماضي.
وتعاني قوات الشرطة التي ترافق مظاهرات الجمعة والثلاثاء، من حالة إرهاق كبيرة، بفعل إصرار الجزائريين على مواصلة الحراك الشعبي رغم مرور 55 أسبوعا على انطلاقه.
احتقان بين الشرطة والمتظاهرين
وظهرت في الفترة الأخيرة، انتقادات واسعة لعناصر الشرطة الذين يتهمهم النشطاء باستعمال القمع، غير أن مسؤولي الجهاز نفوا في بيان لهم وجود أي خروج عن الأطر القانونية في التعامل مع المتظاهرين.
اقرأ أيضا: مسيرات جزائرية بالذكرى الأولى لانطلاق الحراك الشعبي (شاهد)
ودفعت حالة الاحتقان بين الشرطة والمتظاهرين، بعض النشطاء إلى إطلاق نداءات للحراك الشعبي بـ"عقلنة" بعض الشعارات التي تهاجم عناصر الأمن، تجنبا للاستفزاز وحفاظا على سلمية الحراك.
وفي تحليل الصحفي المختص في الشأن السياسي بالإذاعة الجزائرية، مروان الوناس، فإنه لا توجد أدلة وإثباتات، تشير إلى أن جهة ما تعمل على إطلاق هتافات متطرفة ومسيئة وقاسية خاصة ضد رجال الأمن.
وأوضح الوناس في تصريح لـ"عربي21"، أن هناك في رأيه نقطتين تقفان وراء التصعيد في الشعارات وعنفها أحيانا، هما "أولا غلاظة التعامل الأمني ضد الحراك الشعبي الذي بدأ قبل الانتخابات الرئاسية وتصاعد بشكل كبير قبل أن يهدأ ظرفيا ويعود خلال الأيام الأخيرة في شكل تعنيف وضرب واعتقال ومحاكمات ومتابعات في حق نشطاء ومتظاهرين...
وثانيا، أن أغلب الهتافات والأهازيج يشكلها الألتراس وجماهير كرة القدم في الملاعب الذين يشكلون كتلة صلبة في الحراك،وهؤلاء حتى قبل الحراك معروفون بعلاقتهم المتوترة مع الشرطة والعلاقة بين الطرفين قائمة على العنف بنوعيه وكثيرا ما تقع اشتباكات بين الطرفين".
وأضاف الوناس، إلى أنه في غياب قيادة أو نخب مؤثرة بشكل مباشر على اتجاهات الحراك، فإن الشعارات تخضع في بعض الأحيان للعفوية والعشوائية رغم أن هناك هتافات أخرى سياسية ناضجة وقوية ومعبرة وتحمل وتلخص مطالب الحراك الشعبي.
وتابع الصحفي: "السلمية هي قوة الحراك وهي وقود استمراره، لذلك فلابد من عقلنة بعض الأهازيج والشعارات الغاضبة ضمانا لاستمرار الحراك وتفويتا لحملة تشويهه وممارسة العنف ضده من قبل السلطة التي وجدت في هذه الشعارات التصعيدية فرصة لزيادة حدة التعامل الأمني".
مخاوف استعمال القمع
غير أن التحول في لغة المسؤولين الحكوميين الجزائريين، بعد فترة من حديث الرئيس نفسه عن التهدئة وعدم الضيق من الحراك الشعبي، أثار مخاوف من إمكانية لجوء السلطة إلى محاولة وقف المظاهرات، وإيجاد مبررات فقط لسلوكها.
وبرأي الباحث في الشؤون السياسية، زين العابدين غبولي، فإن السلطات الجزائرية استنادا لسلوكاتها السابقة، قد تلجأ إلى استعمال القوة العمومية لإيقاف الحراك وهو ما تمهد له التصريحات الأخيرة التي أعطت "أرضية قانونية" لذلك، بحجة "حماية الأمن العام" و"السيادة".
وأعطى غبولي في حديثه مع "عربي21"، قراءته للمتوقع من الأحداث قائلا: "منذ الاستقلال، تعاملت السلطة في الجزائر مع أي حركة احتجاجية بأسلوبين، الأول هو محاولة شراء السلم الاجتماعي بطرق عديدة كما حدث بعد الربيع العربي سنة 2011. والثاني، هو محاولات القمع والتخويف واستعمال المنطق الأمني للتعامل مع حركات سياسية أو سوسيواقتصادية".
ويستدرك بالقول إن السلطة اليوم، تبدو غير قادرة على شراء السلم الاجتماعي لاعتبارات عديدة أهمها الأزمة الاقتصادية التي يقبل البلد عليها، كما أنها لم تنجح كذلك، في محاولات الحد من الحراك، عبر أساليب غلق العاصمة، والاعتقالات والخطاب التخويفي والمؤامراتي.
مخابرات العراق تصعّد ضد موالين لإيران.. ما حقيقة الاعتقالات؟
هل يحاكم بوتفليقة بالجزائر على طريقة مبارك في مصر؟
من الثورة لحالة منظمة.. هل ينجح حراك الجزائر بعامه الثاني؟