نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا أعده كل من أندرو إنغلاند وأنجيل رافال وسايمون كير، يقولون فيه إن مقامرة السعودية في حرب أسعار النفط تمثل تهديدا لخطط التحديث التي يعمل عليها ولي العهد محمد بن سلمان.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن القرار لتخفيض سعر النفط الخام في الحرب مع روسيا قد يضرب موارد النفط، لافتا إلى أنه بعد انهيار المحادثات بين أوبك وروسيا، الأسبوع الماضي، بعدما فشلت الأطراف في الموافقة على تخفيض إنتاج النفط ودفع أسعار النفط، قال وزير النفط السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، إن بلاده ستترك الأسواق "في حالة من الانتظار" حول الخطوة المقبلة.
ويستدرك الكتّاب بأن بلاده لم تنتظر، ففي خلال 24 ساعة قررت الرياض، وبطريقة درامية، القيام بحرب أسعار بشكل خفض أسعار النفط بطريقة لم تشهدها الأسواق منذ أربعة أعوام.
وتفيد الصحيفة بأن الدول الأعضاء في أوبك اعتبرت أن التحرك السعودي هو جزء من لعبة قوة خطيرة من أكبر مصدر للنفط في العالم، التي قضت الأعوام الثلاثة في تعاون مع روسيا من أجل خفض مستويات الإنتاج والحفاظ على أسعار النفط في مستوى معين، مشيرة إلى أنه بعدما رفضت روسيا طلب السعودية القيام بعملية خفض عميقة لإنتاج النفط، فإن الرياض قررت اتخاذ القرار، وهددت بإغراق الأسواق النفطية بمزيد من النفط وبأسعار مخفضة.
ويبين التقرير أنه مع مخاطر فيروس كورونا، ودفعه الاقتصاد العالمي نحو الركود، فإن حسابات السعودية كانت هي أن فشل روسيا في مواصلة اللعبة يعني أن عليها زيادة حصتها من الإنتاج والحصول على حصة كبيرة من السوق.
ويرى الكتّاب أن هذا القرار يعد مقامرة كبيرة، وسيترك أثره على اقتصاد السعودية الذي يعتمد على النفط، مشيرين إلى أنه في الوقت الذي عول فيه المسؤولون على نمو القطاع غير النفطي والإشارات عن حدوث تقدم في مراهنة محمد بن سلمان على التحديث، إلا أن أموال البترودولار تعد مهمة لنشاطات المملكة الاقتصادية.
وتجد الصحيفة أنه بتراجع سعر النفط الخام الآن إلى 36 دولارا للبرميل، فإن الاقتصاديين يتوقعون الآن تخفيض الحكومة النفقات، وتأجيل المشاريع الكبيرة، وزيادة مستوى الاقتراض، وتوقع عجز كبير في الميزانية.
وينقل التقرير عن محلل مقيم في السعودية، قوله: "يقول البعض: علينا استعراض عضلاتنا مع روسيا فنحن أكبر منتج، وأعتقد أن هذه لعبة خطيرة، وسيكون هناك ثمن كبير على السعودية وبقية الدول المنتجة للنفط"، وأضاف: "لم يكونوا ليختاروا وقتا أسوأ من هذا".
وينوه الكتّاب إلى أن المستثمرين السعوديين أظهروا عدم ارتياحهم بعدما خسر مؤشر تداول 15% من قيمته خلال اليومين الماضيين، وتم تعليق التداول في أسهم "أرامكو" السعودية يوم الاثنين، بعد انخفاض قيمة السهم بنسبة 10%، مشيرين إلى أن أسعار أسهم الشركة انخفضت إلى أدنى من السعر المعروض يوم الأحد، وبعد ثلاثة أشهر من طرح الشركة العام، الذي قدم على أنه نصر تاريخي لمحمد بن سلمان.
وتذكر الصحيفة أن الشعور بعدم الوضوح في السعودية جاء بالتزامن مع حملة القمع واعتقال الأمراء، التي تزامنت مع اجتماع أرامكو زائد في العاصمة النمساوية، فينا، مشيرة إلى أنها عملية نظر إليها على أنها محاولة من ولي العهد لتحييد المنافسين له.
ويورد التقرير نقلا عن مدير شركة في السعودية، قوله: "يشعر (محمد بن سلمان) بالضغط على الجبهات كلها"، فيما قال شخصان على معرفة بالوضع السعودي، إن وزارات الحكومة تلقت أوامر بتخفيض النفقات، مشيرا إلى أن المستشارين حاولوا يوم الاثنين الحصول على آراء المصرفيين، في محاولة منهم لمناقشة الخيارات المتوفرة للحكومة.
ويقول الكتّاب إن الكثير من السعوديين سيرون في الأزمة تذكيرا بانهيار أسعار النفط في عام 2014، ففي ظل وزير النفط علي النعيمي، قررت السعودية تبني سياسة إنتاج نفط كبيرة؛ أملا في تعويض التراجع في أسعار النفط.
وتشير الصحيفة إلى أن هذه السياسة فشلت، فدخل الاقتصاد السعودي مرحلة ركود، فمن زيادة في الميزانية إلى عجز بقيمة 95 مليار دولار عام 2015، وتم إيقاف مئات المشاريع، ولم تدفع الحكومة عشرات المليارات من الدولارات المستحقة عليها للشركات والمتعهدين، لافتة إلى أن آثار تلك الفترة لا تزال واضحة على التجارة في السعودية اليوم.
ويلفت التقرير إلى أن الرياض توصلت في عام 2016 إلى اتفاق مع روسيا لدعم أسعار النفط الخام، وتخفيض الإنتاج فيما عرف بتحالف أوبك زائد، وتبنى الأمير عبد العزيز، الذي حل محل خالد الفالح العام الماضي، نهجا قويا في علاقة المملكة مع روسيا، أكثر من ذلك الذي تبناه سلفه.
ويقول الكتّاب إن كونه الأخ غير شقيق لولي العهد، فإن الأمير عبد العزيز اعتقد أن روسيا لم تف بشروط الاتفاق وتخفيض عميق للإنتاج، ولهذا أراد تأكيد سلطة السعودية في تحالف أوبك زائد، لكن شخصا على معرفة بسياسة الطاقة السعودية، قال إن المملكة حاولت تحقيق إجماع بين منتجي النفط رغم مواقف بعض الوفود في أوبك، بأن السعودية عملت على تنفير روسيا.
وتنقل الصحيفة عن هذا الشخص، قوله: "في الواقع لا يمكن للسعودية وحدها عمل هذا، ولا حتى أوبك"، مشيرة إلى أنه أجاب عندما سئل عن قرار السعودية تخفيض سعر البترول المصدر، قائلا: "ما هو الحل المتوفر؟".
وينوه التقرير إلى أن لدى السعودية حواجز مالية على المدى القصير باحتياطي أجنبي بقيمة 502 مليار دولار، إلا أن المحللين يرون أن استمرار انخفاض أسعار النفط قد يجبر المملكة على أخذ أموال من توفيرها.
ويورد الكتّاب نقلا عن المحللة الاقتصادية في بنك أبو ظبي التجاري، مونيكا مالك، قولها إن السعودية تحتاج إلى 60 مليار دولار للتمويل في هذا العام، وفي الوقت ذاته هناك مخاطر من تضاعف العجز في الميزانية إلى 100 مليار دولار لو ظلت مستويات النفط على حالها، ولم تغير الحكومة من معدلات الإنفاق، وأضافت: "لو استمرت حرب الأسعار، فإن على السعودية تعديل النفقات للحد من العجز في الميزانية، وهو ما سيكون مؤلما للقطاع غير النفطي.. هذا في وقت يحتاج فيه الاقتصاد للنمو وخلق وظائف".
وبحسب الصحيفة، فإن مستويات الدين السعودي تظل منخفضة، وتصل إلى 25% من الناتج العام، إلا أن كلفة الاقتراض ستزيد بسبب تراجع أسعار النفط، مشيرة إلى قول مصرفي بارز: "سيكون ذلك مؤلما، وهناك فرص لزيادة النفقات من استراتيجية التنويع"، في إشارة إلى خطط محمد بن سلمان لتنويع الاقتصاد السعودي.
ويجد التقرير أنه في حال استمرت أسعار النفط على مستواها الحالي، فإن الرياض قد تلجأ لأخذ مال من احتياطها بدرجة ينخفض فيها الاحتياط إلى 300 مليار دولار، وهو ما سيضع ضغوطا على قيمة الريال مقابل الدولار.
وينقل الكتّاب عن الخبير في شؤون الخليج في مدرسة لندن للاقتصاد، ستيفان هيرتوغ، قوله: "لو كانت صدمة قصيرة للأسعار وحصل تعاف وانتهت صدمة فيروس كورونا مع نهاية العام فلن يخسروا سوى 100 مليار في نهاية العام.. لو طالت الأزمة واستمر الوضع لعامين أو ثلاثة أعوام، فإنهم في وضع خطير، وسيواجهون في مرحلة ما أزمة في العملة".
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالقول إن الرياض تأمل بأن تغير روسيا موقفها، لكن الأخيرة لديها احتياطي أكبر وعملة حرة معومة واقتصاد متنوع.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
NYT: هل هناك علاقة بين حرب النفط واعتقال الأمراء؟
بلومبيرغ: بوتين قرر التخلي عن ابن سلمان وبدء حرب مع أمريكا
ديلي بيست: كيف يتحول حليفا ترامب بالشرق للديكتاتورية؟