تلقت السعودية خمس صدمات موجعة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2020، شكلت تهديدا قويا للركائز الأساسية التي يعتمد عليها اقتصاد المملكة، وسط تساؤلات عن مدى قدرة الرياض على امتصاص هذه الصدمات.
وأثار انهيار أسعار النفط، مخاوف السعوديين من تكرار أزمة الأسعار التي بدأت في تموز/يوليو 2014، ووصلت إلى مستويات متدنية بلغت 30 دولارا للبرميل في نهاية 2015، و27 دولارا مطلع 2016، مقابل 112 دولار للبرميل الواحد في نهاية حزيران/ يونيو 2014.
وكان أحد الأسباب الرئيسية لأزمة انهيار أسعار النفط هو غياب التوافق بين كبار المنتجين لضبط السوق، ما أدى إلى زيادة قياسية في المعروض، بلغت في 2016 نحو 5 ملايين برميل يوميا، فائضة عن حاجة المستهلكين، قبل التوصل إلى اتفاق تاريخي بين أوبك" بقيادة السعودية، ومنتجين مستقلين تقودهم روسيا، في نهاية 2016، على تنفيذ خفض إنتاج للخام بنحو 1.8 مليون برميل، اعتبارا من مطلع 2017.
"تفكك أوبك+"
لكن هذا الاتفاق التاريخي الذي استمر لثلاث سنوات بين أوبك وروسيا تحول، الجمعة، إلى اختلاف مجددا بعد رفض موسكو دعم تخفيضات نفطية أعمق للتعامل مع تفشي فيروس كورونا ورد أوبك بإلغاء جميع القيود على إنتاجها.
وقال بوب مكنالي مؤسس رابيدان إنرجي جروب: "رفض روسيا دعم تخفيضات الإمداد الطارئة سيقوض على نحو فعال وخطير قدرة أوبك+ على لعب دور المنتج الذي يضبط استقرار أسعار النفط".
وأضاف، وفقا لرويترز: "سيمزق على نحو خطير التقارب الروسي السعودي المالي والسياسي الناشئ. النتيجة ستكون زيادة في تقلب أسعار النفط والتقلبات الجيوسياسية".
ويوم السبت، قلصت أرامكو سعر البيع الرسمي لشحنات نيسان/ أبريل من جميع خاماتها إلى شتى الوجهات، بعد انهيار اتفاق خفض الإنتاج النفطي، والذي دفع أسعار الخام للانخفاض بشدة في الأسواق العالمية.
وأعلنت "أرامكو" خفض أسعار النفط الخام المتجه إلى آسيا (شحنة نيسان/إبريل) بمقدار 4 دولارات إلى 6 دولارات للبرميل، وخفض النفط الخام المتجه إلى الولايات المتحدة خلال نفس الفترة بمقدار 7 دولارات للبرميل.
كما خفضت عملاق النفط السعودي، الأسعار إلى شمال غرب أوروبا وإلى منطقة البحر المتوسط بما يتراوح بين 6 دولارات و8 دولارات للبرميل.
ونقلت وكالة بلومبيرغ الأمريكية على لسان العضو المنتدب لمنطقة الشرق الأوسط في شركة FGE الاستشارية للنفط، إيمان ناصري، قولها إن "السعودية الآن تخوض حرب أسعار شاملة".
وأكد كبير الاقتصاديين في بنك الإمارات دبي الوطني، تيم فوكس، بحسب الوكالة الأمريكية، أن قرار السعودية ينطوي على مخاطر عالية.
اقرأ أيضا: "أرامكو" تخسر نحو 300 مليار من قيمتها في يومين
وافتتحت أسعار النفط، تعاملات الإثنين، على تراجع حاد، وهبط سعر خام برنت عند مستوى 32.5 دولارا للبرميل، بعد تكبده خسائر بنسبة 28.5 بالمئة، فيما انخفض الخام الأمريكي الخفيف إلى مستوى 28.77 دولارا، بنسبة خسائر تجاوزت الـ30 بالمئة.
وقالت وزارة المالية الروسية، الاثنين، إن البلاد يمكنها التكيف مع أسعار للنفط بين 25 دولارا و30 دولارا للبرميل لفترة من ست إلى عشر سنوات قادمة، وذلك بعد تهاوي الأسعار بأكبر وتيرة يومية منذ 1991.
"انهيار الأسهم"
وتكبدت البورصة السعودية خسائر قاسية بلغت خلال الجلستين الماضيتين فقط 15.4 بالمئة، ونحو 25 بالمئة منذ بداية العام الحالي مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
ومنيت الأسهم السعودية بخسائر فادحة خلال تداولات الأحد، وهبط المؤشر الرئيسي للبورصة بنسبة 8.32 بالمئة، وهي أعلى وتيرة هبوط يومية منذ العام 2008 إبان الأزمة المالية العالمية.
وواصل المؤشر السعودي خسائره القاسية في بداية تداولات الإثنين، متراجعا أكثر من 9 بالمئة، قبل أن يقلص خسائره وينهي جلسة التداولات على تراجع بنسبة 7.8 بالمئة، مسجلا أدنى إغلاق منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2016.
اقرأ أيضا: البورصة السعودية تواصل نزيف الخسائر.. وسهم أرامكو يتهاوى
وهوت أسهم أرامكو السعودية 10 بالمئة مع بداية تعاملات، الاثنين، وجرى تداول سهم عملاق النفط السعودي عند 27 ريالا (7.20 دولارات)، بما يقل 15.6 بالمئة عن سعر الطرح العام الأولي البالغ 32 ريالا، الذي أسفر عن تقييم الشركة في كانون الأول/ ديسمبر عند 1.7 تريليون دولار، في أكبر طرح لأسهم في العالم.
وبذلك، تصل القيمة السوقية لعملاق النفط السعودي حاليا 1.4 تريليون دولار أي أنها خسرت قرابة الـ 300 مليار دولار، وهي أكبر خسارة يومية تلحق بالشركة منذ طرح أسهمها للتداول.
وخسرت البورصة السعودية، 739 مليار ريال (197 مليار دولار) من قيمتها السوقية خلال جلسة الأحد، بالتزامن مع تسريبات بشأن اعتقال أمراء، إلى جانب انهيار اتفاق أوبك+ بعد رفض روسيا مقترحا سعوديا بتعميق خفض إنتاج النفط.
وكانت القيمة السوقية للبورصة السعودية في تداولات الخميس، بلغت 8318.2 مليار ريال (2218.1 مليار دولار)، إلا أن قيمة البورصة السوقية انخفضت إلى 7579.3 مليار ريال (2021.1 مليار دولار) حسب إغلاق جلسة الأحد، وفقا للأناضول.
"تعليق العمرة"
وفي ضربة ثانية لأحد الركائز الأساسية للاقتصاد السعودي، أجبر الانتشار السريع لفيروس كورونا السلطات السعودية على تعليق أداء العمرة للسعوديين والمقيمين، ووقف إصدار التأشيرات الخاصة بها للأجانب، كما حظرت زيارة الخليجيين لمكة والمدينة، ومنعت دخول السياح القادمين من 25 دولة على الأقل ظهر فيها الفيروس.
ويمثل موسم العمرة، وخاصة في أشهر رجب وشعبان ورمضان، وكذلك موسم الحج، مصدرا تاريخيا وهاما من مصادر إيرادات الاقتصاد السعودي، وتعول عليه المملكة في تنشيط قطاع السياحة.
اقرأ أيضا: ذعر "كورونا" يضرب أسواق مصر والخليج.. بماذا ينصح المحللون؟
ووفقا لقناة العربية السعودية، تمثل إيرادات الحج والعمرة نحو 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للسعودية. وكانت المملكة، وفقا لأهداف رؤية 2030، تستهدف زيادة تلك الإيرادات من نحو 40 مليار ريال سنويا إلى 50 مليار ريال سنويا.
وبحسب الإحصاءات الرسمية، بلغ عدد المعتمرين أكثر من 7.5 مليون معتمر حتى الموسم الماضي، وبلغ عدد الحجاج أكثر من 1.9 مليون حاج، ويعمل في السعودية 757 شركة ومؤسسة في العمرة، وأكثر من 700 شركة تعمل في الحج، بينها 131 شركة في جدة وحدها و125 شركة في مكة المكرمة و101 شركة في الرياض و50 شركة في المدينة المنورة.
خفض الفائدة
وبعد قرار البنك المركزي الأمريكي خفض سعر الفائدة القياسي بمقدار 50 نقطة أساس، على خلفية الانتشار السريع لفيروس كورونا، خفض البنك المركزي السعودي، الثلاثاء، أسعار الفائدة الرئيسية بنفس القدر.
وقالت مؤسسة النقد العربي السعودي في موقعها الإلكتروني، إنها خفضت معدل اتفاقيات إعادة الشراء (الريبو)، الذي يستخدم لإقراض الأموال للبنوك، إلى 1.75 بالمئة. وخفضت أيضا معدل اتفاقيات الشراء العكسي (الريبو العكسي)، الذي تودع به البنوك التجارية الأموال لدى البنك المركزي، إلى 1.25 بالمئة.
ويرى رئيس قسم أبحاث السوق والتدريب لدى أمانة كابيتال، وليد الحلو، أن الاحتياطي الفيدرالي أقدم على خطأ كبيرا بخفض الفائدة، مؤكدا أن خفض الفائدة في هذا التوقيت لن يكون بمثابة إجراء تحفيزي أكثر من كونه نشر حالة من الذعر في الأسواق.
وأضاف في مقابلة مع فضائية سي إن بي سي عربية: "السلطات النقدية الأمريكية تجني الآن ثمار هذا القرار الخطأ في شكل هبوط حاد لتعاملات الأسهم".
وتوقع المستشار الاقتصادي محمد العريان عدم نجاح عمليات خفض الفائدة في إنهاء تقلبات الأسواق الناجمة عن انتشار كورونا، مؤكدا أن آفاق النمو الاقتصادي العالمي آخذة في التدهور.
وقال خلال حديثه لفضائية "فوكس نيوز"، إن خفض معدل الفائدة وحده لن يدفع الناس إلى السفر أكثر أو الشعور بالراحة لتناول الطعام في المطاعم. هناك أشياء يمكن للحكومة أن تقوم بها من أجل المساعدة في مواجهة الأثر الاقتصادي السلبي للفيروس".
اقرأ أيضا: 5 دول خليجية تخفض سعر الفائدة للمرة الثالثة في 8 أشهر
خسائر الشركات
وفي السياق ذاته، شكلت نتائج أعمال الشركات السعودية المدرجة في سوق الأسهم "تداول" خسائر مليارية خلال العام 2019.
وأمهلت هيئة السوق المالية السعودية، الشركات المدرجة في البورصة حتى نهاية شهر آذار/مارس المقبل، للإفصاح عن نتائج أعمالها السنوية للعام 2019.
ورغم أن شركة النفط السعودية "أرامكو" (عملاق النفط السعودي) لم تعلن حتى الآن عن نتائج أعمالها، إلا أن النتائج المالية لمعظم الشركات سجلت خسائر أكثر من توقعات المحللين وخاصة العاملة في قطاع الطاقة.
ورصدت "عربي21" نتائج أعمال 14 شركة تكبدت خسائر مليارية خلال العام 2019، وفي مقدمتها عملاق البتروكيماويات "سابك" بخسائر بلغت 5.630 مليارات ريال، ونسبة تراجع وصلت إلى 73.84 بالمئة.
وسجلت "سابك" أول خسارة فصلية منذ أكثر من 10 سنوات خلال الربع الأخير من العام الماضي، بخسائر بلغت نحو 720 مليون ريال، وهو ما أرجعه الرئيس التنفيذي للشركة، يوسف البنيان إلى تراجع المبيعات نتيجة لانحسار الطلب العالمي وارتفاع أسعار مواد اللقيم وتراجع أسعار المنتجات البتروكيماوية.
اقرأ أيضا: على خلفية انهيار أسعار النفط.. هبوط حاد في بورصات الخليج
تضافر الأزمات
وأكد الخبير الاقتصادي أنور القاسم، أن الأزمات الاقتصادية المتلاحقة تشكل مصدر تهديد كبير للاقتصاد السعودي، مؤكدا أن انتشار فيروس كورونا وانهيار تحالف أوبك طالت الأعمدة الرئيسية للميزانية السعودية أبرزها إيرادات النفط ومواسم العمرة والحج.
وقال القاسم، في حديث خاص لـ "عربي21"، إن وضع الاقتصاد الخليجي بشكل عام غير مطمئن، لافتا إلى وجود العديد من العوامل السلبية التي تضافرت للنيل من اقتصادات دول الخليج بشكل عام وفي مقدمتها السعودية تليها الإمارات.
وأضاف: "الميزانية السعودية تعتمد بشكل كبير جدا على أسعار النفط التي فقدت نحو 30 بالمئة من قيمته، خلال يومين، وهو ما يعني أن هذه النسبة القاسية سيكون لها أثر سلبي كبير على مجمل الميزانية السعودية".
وحول قدرة السعودية على امتصاص هذه الصدمات الاقتصادية المتتالية، قال الخبير الاقتصادي إن ذلك سيتوقف على ما ستؤول إليه نتائج انتشار فيروس كورونا.
وتابع: "إذا تم التوصل عالميا إلى لقاح أو دواء لوقف انتشار هذا المرض والقضاء عليه، فإن الخسائر ستتراجع"، متوقعا في الوقت ذاته أن تؤثر تلك المشاكل الاقتصادية على تحقيق رؤية المملكة 2030 التي تستهدف تنويع الاقتصاد.
وأكد القاسم أن بقاء فيروس كورونا وتزايد معدلات انتشاره سيعمق جراح الاقتصاد السعودي والخليجي والعالمي.
البورصة السعودية تواصل نزيف الخسائر.. وسهم أرامكو يتهاوى
سهم "أرامكو" يخسر أكثر من 9 بالمئة بعد انهيار اتفاق أوبك+
ما سر فشل السعودية في إقناع روسيا بخفض إنتاج النفط؟