نشر موقع "
المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية" تقريرا، سلط من خلاله الضوء
على الاتفاق الروسي التركي
بشأن
إدلب، والشكوك التي تحوم حول مدى فعاليته في حل الأزمة، ووقف موجات النزوح.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن توصل
الزعيمين بوتين وأردوغان إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار في إدلب جنب المنطقة
أسوأ سيناريو؛ فالفشل في التوصل إلى اتفاق في موسكو كان يعني تصعيدا إضافيا في
إدلب، مع احتمال حدوث مواجهة مباشرة بين الأتراك والروس، وتجدد موجات اللاجئين على
الحدود بين
سوريا وتركيا، ومنها إلى الحدود مع اليونان. وهذا الأمر سيتسبب في أزمة
خطيرة للغاية، سيكون لها عواقب وخيمة على أوروبا.
واعتبر الموقع أن الاعتقاد بأن هذا الاتفاق يعد نهائيا، حتى على
المدى المتوسط، يعدّ خطأ فادحا. وإذا كان هذا الاتفاق مماثلا للاتفاقات التي
سبقته، من خلال توفير وقف وقتي لتبادل إطلاق النار، فإنه لا يرمي إلى حل طويل
الأجل لأطول وأخطر أزمة في الشرق الأوسط الحديث.
ونبّه الموقع إلى أن القضية الأكثر أهمية التي يبدو أن الأطراف
المعنية غير قادرة على حلها هي التقسيم الفعلي للبلاد، الذي لا يريد أحد أن يذكره
(في بيان موسكو، تم تأكيد التزام الأطراف بالحفاظ على وحدة سوريا)، لكنه أصبح الآن
حقيقة متزايدة لا يمكن تجاهلها.
وأضاف الموقع أن التقسيم مدفوع برغبة
تركيا، وتصميمها على عدم
السماح لسوريا الشمالية بالعودة إلى ما كانت عليه في الماضي، أي قاعدة عملياتية
للهجمات الكردية، وذلك لأسباب عملية للغاية لها علاقة بمصير أكثر من ثلاثة ملايين
شخص، الذين فرّ معظمهم من مناطق أخرى احتلها النظام في السنتين الماضيتين، ونزحوا
إلى إدلب.
وأورد الموقع أن مجموعات كبيرة من السكان فرت بالفعل عدة مرات من
أماكن أخرى تشهد نزاعا وعلى استعداد للفرار مرة أخرى بدلا من المخاطرة بالسجن
والاضطهاد تحت سلطة الأسد. ومن جانبه، أوضح النظام السوري أنه لا يرغب في استعادة
ملايين المعارضين المحتملين، ولكن لا يزال يهدف إلى استعادة السيطرة على كامل
الأراضي السورية.
وفي الواقع، لا تترك هذه الرغبة لهؤلاء الناس سوى خيار الذهاب إلى
تركيا، التي استضافت 3.5 مليون سوري، وقررت عدم استضافة أعداد إضافية. هذا التناقض
هو أصل المشكلة التي لم يتمكن اتفاق أستانا الثلاثي من حلها، ومن المرجح أن يؤدي
بالفعل إلى استئناف جديد للعمليات القتالية في الأشهر المقبلة.
وأشار الموقع إلى أن اتفاق أستانا أضفى شرعية متفقا عليها بين
القوى الأجنبية على حل عسكري للصراع. من ناحية، حصلت
روسيا على مناطق خفض التصعيد
التي سمحت للأسد بتركيز قواته، واستعادة الجيوب التي تسيطر عليها المعارضة. من ناحية
أخرى، حصلت تركيا على ضوء أخضر من موسكو لتسوية الحسابات مع المسلحين الأكراد في
شمال سوريا. ولكن كل ما لم يتمكن هؤلاء الفاعلون الأجانب من حله، لا سيما المعضلة
الكبيرة لإدلب وملايين المشردين داخليا الذين لا يستطيعون العودة إلى الأسد، يقع
تأجيله بشكل منهجي بعد كل اتفاق.
وأوضح الموقع أن السبب في هذا التسويف المستمر بسيط للغاية. لحل
هذه العقدة المتعلقة بأكثر من ثلاثة ملايين مدني في إدلب وأكثر من خمسة ملايين
سوري فروا إلى الخارج، ولا يبدو أنهم على استعداد للعودة إلى سوريا في هذه الظروف،
يجب أن يفسح الحل العسكري المجال أمام عملية سياسية تهدف إلى إيجاد حل وسط
للتعايش بين مختلف شرائح المجتمع السوري. لكن لم يتحقق أي من هذا حتى الآن، كما
يتضح من الإخفاقات المستمرة لكل مبادرة قام بها مبعوثو الأمم المتحدة المتتالون.
وفي الحقيقة، تعدّ محادثات أستانا الإطار الوحيد لإدارة
الصراع، ومن الواضح أن الحل العسكري المتفق عليه بين الأطراف الأجنبية هو النهج
الوحيد المطروح على الطاولة. وهذا يعني أن كل عملية سياسية بين الممثلين السوريين،
مثل اللجنة الدستورية التي بدأت في جنيف في سنة 2019، ليست سوى تغطية تجميلية لما
تم تحديده بالفعل في ساحة المعركة أو في العواصم الأجنبية.
وأكد الموقع أنه ليس من قبيل الصدفة أن يذكر اتفاق الخميس بشكل
واضح النقاط المتفق عليها بين حكومتي روسيا وتركيا فقط، دون ذكر النظام السوري أو
الجهات الفاعلة المحلية الأخرى بأي شكل من الأشكال. هذا هو الأسلوب الذي اعتدنا
عليه، خاصة أن العواصم الأوروبية قررت بشكل أو بآخر ترك إدارة الصراع عند أبواب
البحر المتوسط إلى موسكو وأنقرة وطهران. وتجدر الإشارة إلى أنه بعد هذا الاتفاق
ستستأنف الأعمال القتالية قريبا وسيعود تهديد موجة جديدة من اللاجئين إلى تركيا،
ومن تركيا إلى أوروبا، تم تأجيله فقط.
وفي الختام، أشار الموقع إلى أن هناك ملايين الأشخاص المحاصرين في
بلدان لا ترغب في استضافتهم، وغالبا في ظروف يائسة. ويعود ذلك إلى خيار أوروبا،
التي تبدو غير قادرة هذه المرة أيضا على فهم أن مشكلة ملايين النازحين السوريين لا
تكمن في أنقرة، ولا على الحدود اليونانية، وإنما في سوريا، في أزمة بلا نهاية قررت
تجاهلها.