تتعدى الآثار السلبية والإيجابية في نفس الوقت
لفيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) على
الاقتصاد المصري، حيث استفادت مصر من تداعيات انتشار الفيروس التي قللت الطلب
الصيني الضخم على النفط والغاز الطبيعي، مما أدى لانخفاض أسعارهما، حيث تستورد مصر ثلث استهلاكها النفطي إلى جانب شراء إنتاج الشركات الأجنبية العاملة بها، كما تشتري مصر جانبا كبيرا من الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي من الشركات الأجنبية العاملة فيها.
أيضا انخفضت أسعار الشحن لبعض المنتجات كالحبوب والحديد والفحم والألومنيوم، كذلك انخفضت أسعار بعض أنواع الزيوت النباتية في الأسواق المصرية نتيجة انخفاضها عالميا، كزيت النخيل وزيت الصويا، وانخفاض أسعار بعض أنواع المعادن كالنيكل والقصدير دوليا خلال شهر كانون الأول/ يناير، كما استفادت مصانع الكمامات الطبية المصرية من الفيروس بزيادة إنتاجها ورفع أسعارها.
لكن سؤالا آخر يطرح نفسه: هل وصلت تلك الآثار الإيجابية لعموم المواطنين المصريين؟ تختلف الإجابة من سلعة إلى أخرى، فسعر البترول مهما انخفض دوليا لا ينتقل أثره مباشرة إلى المواطن المصري، حيث تقوم لجنة حكومية بتحديد الأسعار للمنتجات البترولية كل ثلاثة أشهر، ونفس الأمر بالنسبة لأسعار استخدامات الغاز الطبيعي، سواء في الشركات أو في المنازل أو بالسيارات، أي أن معظم آثار فيروس
كورونا الإيجابية لم تصل للمواطن العادي بعد.
حتى السلع التي يتم توزيعها على البطاقات التمونية ومنها الزيوت النباتية، يتم تحديد أسعارها من قبل وزارة التموين ولم تشهد أسعارها انخفاضا خلال شهري أزمة كورونا.
اضطراب أوضاع التجارة والصناعة
لكنه على الجانب الآخر كانت هناك آثار سلبية تمثلت في اضطراب أوضاع الكثير من الشركات الصناعية، التي تعتمد على المنتجات الصينية كمواد خام وسلع وسيطة، وأبرزها صناعة الملابس والنسيج والأدوية والمستلزمات الطبية والجلود ودبغ الجلود والدهانات والسلع الهندسية والالكترونية والأثاث وغيرها.
كما تأثرت السياحة المصرية بغياب السياح الصينيين، إلى جانب انخفاض نسبة السياح القادمين من اليابان بنسبة 15 في المئة. كما خسرت شركة مصر للطيران إيرادات الرحلات التي توقفت أو انخفض معدلها، والتي كانت تصل إلى 15 رحلة أسبوعية إلى أربع مقاصد صينية، حيث أنها تدفع قيمة تأجير طائرات مستأجرة سواء تم استخدامها أم لم يتم.
وللتعرف على مدى التأثير السلبي على قطاعات الصناعة والتجارة والزراعة المصرية نتيجة تداعيات الفيروس، يتطلب الأمر التعرف على العلاقات التجارية بين مصر والصين، حيث تمثل الصين منذ عدة سنوات وبشكل متواصل الشريك التجارى الأول لمصر، حيث استحوذت على نسبة تزيد عن 11 في المئة من مجمل التجارة المصرية في عام 2018.
كما كان نصيبها من الواردات السلعية من الصين أكثر من 14 في المئة من مجمل الواردات المصرية، نظرا للرخص النسبى لأسعار تلك السلع رغم دفع جمارك عليها، بينما ترتبط مصر مع عدة تجمعات اقتصادية مثل الإتحاد الأوربى بإتفاقيات تمنح سلعها حق دخول مصر بلا جمارك.
وتعددت سلع الواردات المصرية من الصين عام 2018 والبالغة 11.4 مليار دولار، لتستحوذ الآلات والأجهزة الكهربية وأجزاؤها على نسبة 29.5 في المئة من الإجمالي، والمراجل والآلات والأجهزة الآلية وأجزاؤها 13 في المئة، والحديد ومصنوعاته 8 في المئة، والشعيرات التركيبية أو الاصطناعية 7 في المئة، واللدائن ومصنوعاتها 5 في المئة، والسيارات والجرارات والدراجات وأجزاؤها 4 في المئة، والألياف التركيبية أو الاصطناعية 4 في المئة، والمنتجات الكيماوية العضوية 3 في المئة، والملابس 2 في المئة، والقطن 2 في المئة، والأقمشة 1.5 في المئة، وأجهزة البصريات والسينما 1.5 في المئة، والنسيج والمطرزات 1 في المئة، والمنتجات الكيماوية المتنوعة 1 في المئة، والأثاث 1 في المئة، والأحذية وأجزاؤها 1 في المئة، ولعب الأطفال والأدوات الرياضية 1 في المئة، ومنتجات الخزف 1 في المئة والزجاج ومنتجاته 1 في المئة، والخشب ومصنوعاته 1 في المئة، والخلاصات للدباغة 1 في المئة، والورق ومصنوعاته 1 في المئة، والألومنيوم ومصنوعاته 1 في المئة، والمعادن العادية 1 في المئة.
التحول لأسواق بديلة يحتاج 6 شهور
ويشير ما سبق إلى تعدد نوعيات الواردات الصينية مما أدى لاضطراب بالحركة التجارية في أسواق تلك السلع خشية نقص الإمداد فيها، مما دفع البعض لتخزينها خشية استمرار مشكلة الفيروس وتداعياتها لوقت أطول، وأملا في رفع سعر سعرها حينذاك. والبعض حرك السعر بالفعل، لكن حالة الركود الموجودة في الأسواق حالت دون انتشار رفع الأسعار، إلى جانب وجود قدر من المخزون منها، ووجود بضائع محجوزة في الجمارك لعدم استكمال أوراق الإفراج عنها لأسباب إدارية صينية.
فتجار الهواتف المحمولة على سبيل المثال؛ الذين تأثروا بنقص الهواتف المحمولة الصينية وإكسسورات التلفونات المحمولة قاموا برفع أسعارها، فحتى الشركة المصرية الوحيدة التي قامت بتصنيع أول محمول مصري تستورد 55 في المئة من مكونات الإنتاج من الصين.
وبدأ الكثيرون، خاصة في الصناعات التي تعتمد على مكون صيني في السعي للاستيراد من بلدان أخرى، لكن هذا الأمر يصدم بعاملين أولهما ارتفاع السعر في الأسواق البديلة بالمقارنة بالأسعار الصينية الأرخص، مما يعني رفع التكلفة والسعر بعد ذلك، وانخفاض تنافسية تلك السلع.
الأمر الثاني أن الإستيراد من جهات أخرى يحتاج لموافقة هيئة الرقابة على الواردات على الاستيراد من تلك المصانع البديلة، وهو أمر تتلكأ فيه الإجراءات الحكومية سعيا لخفض الواردات، مما يعني الحاجة إلى ستة شهور على الأقل للاستيراد من أسواق بديلة. يضاف إلى ذلك أن هناك واردات مصرية من دول أوربية كانت تقوم بتصنيعها في الصين، مما أدى لتأثر كميات توافرها فيها.
تخفيض الطلب على العملات الأجنبية
وفي العام الماضي، وحسب آخر بيانات متاحة من جهاز الإحصاء الرسمي، بلغت قيمة الواردات المصرية من الصين 10.9 مليار دول خلال الأحد عشر شهرا الأولى من العام، بنمو 4.5 في المئة عن نفس الفترة من العام الأسبق، بينما بلغت قيمة الصادرات المصرية للصين في نفس الفترة 514.5 مليون دولار فقط، بنسبة تراجع 47 في المئة عن نفس الفترة من العام الأسبق، وهكذا تمثل نسبة الصادرات المصرية للصين إلى الواردات منها أقل من 5 في المئة.
مما يعني وجود عجز تجاري مصري ضخم مع الصين بلغ 10.4 مليار دولار، ويمثل حوالي ربع قيمة العجز الإجمالي في الميزان التجاري المصري في تلك الفترة، والبالغ 44 مليار دولار، وهو العجز التجاري المستمر والكبير لمصر مع الصين منذ سنوات.
ولهذا يمكن القول إنه إذا كان متوسط قيمة الواردات المصرية الشهرية من الصين في العام الماضي 993.5 مليون دولار، فإن توقف حركة الموانئ الصينية وصعوبات الشحن قد أدى لانخفاض قيمة الواردات المصرية خلال أول شهرين من العام الحالي، كما تسبب ذلك في خفض نفقات خدمات النقل المصرية المدفوعة خلال الشهرين إلى جانب قلة سفر المصريين، سواء رجال أعمال أو غيرهم، للصين خلال الشهرين.
كل تلك العوامل قد قللت من التمويل المصرفي للتعامل مع الصين، مما خفف الضغط على الطلب على العملات الأجنبية، ولعل هذا من أسباب استمرار البنك المركزي المصري في إجراءاته الإدارية بخفض قيمة الدولار أمام الجنيه المصري بصورة متسارعة خلال أول شهرين من العام الحالي.
كما سيؤدي ذلك لخفض العجز التجاري المصري الإجمالي نسبيا، مما يتيح المجال للمسؤولين المصريين الزعم باستطاعتهم النجاح في خفض العجز التجاري كنتيجة للإصلاحات الاقتصادية التي تمت!