أثار تراجع الشيخ السلفي المصري، أبو إسحاق الحويني عن بعض أخطائه التي وقع فيها في مرحلة سابقة من حياته، واعتذاره عنها، جدلا واسعا وساخنا على مواقع التواصل الاجتماعي بين معتذر له، ومشيد بجرأته في البوح بأخطائه على الملأ، وبين ذام له، متخذا من اعترافاته دليلا على فجاجة المنهج التي سار عليها من قبل.
وجاء
اعتراف الشيخ الحويني واعتذاره عن أخطائه السابقة في سياق درس ديني ألقاه في أحد
مساجد العاصمة القطرية، الدوحة حيث يقيم حاليا، وكان لافتا في حديث الحويني مدى حزنه
وأسفه على ما كان منه في بداياته من الحرص على حظ النفس، وطلب الشهرة بنشر كتبه
وتآليفه.
وخصص
الحويني جزءا من حديثه لتقديم نصائحه لطلبة العلم بأن لا يتعجلوا في النشر
والتأليف والتحقيق حتى ترسخ أقدامهم، وتنضج أفهامهم في تعلم العلم وفهمه، وأن
يقطعوا شهوة التصدر قبل التأهل، وأن يتواضعوا في مناقشاتهم لكلام أئمة العلم،
واجتهادات الفقهاء السابقين.
ووفقا
لمراقبين "فكما أن للشيخ الحويني محبين ومؤيدين، يدافعون عن كلامه، ويلتمسون
له العذر فيما قاله، بحكم حماسته في
بداياته، مع حرصه الشديد على نصح الشباب في كبره كي لا يقعوا فيما وقع فيه، فإن له
معارضين ومخالفين رأوا في اعترافاته واعتذاره عنها دليلا واضحا وصريحا على تجذر
الخلل في طريقته التي كان عليها، المحسوبة على الدعوة السلفية.
ويشير الباحث
الشرعي المصري، والنائب السلفي السابق، الدكتور علي ونيس إلى أن ما "دفع
الشيخ الحويني إلى التنبيه على الخطأ المنهجي الذي وقع فيه (ويقع كثيرون غيره فيه
إلى الآن) إدراكه لخطورة التصدر قبل التأهل، لما فيه من الضرر العظيم بالعلم والدين
وعموم المسلمين".
وأضاف: "كما أنّ فيه تدليسا على طلبة العلم المبتدئين، حيث يتم توجيههم إلى السير في
طريق يظن طالب العلم أنه مما يؤهله لمعرفة الشرع بصورة صحيحة، مع أن الأمر يكون
بخلاف ذلك".
وتابع في
تصريحات لـ "عربي21": "والشيخ الحويني نحسبه من العلماء المخلصين،
الذين يحبون كتاب ربهم، وسنة نبيهم، وقد أراد أن ينبه على هذا الخطأ، بعد كبر عمره
خشية أن يفوته ذلك قبل لقاء ربه، شفقة منه على طلبة العلم، وحرصا على تصحيح مسارهم
في طلب العلم".
لكن ونيس
نفى أن يكون ما صرح به الشيخ الحويني "انقلابا على المنهج السلفي برمته، ولا
يدل كلامه على تراجع المد السلفي بصورة كلية، بل هو تصحيح لبعض الأخطاء التي ينادي
بها كثير من طلبة العلم السلفيين منذ مدة طويلة، إلا أن أصواتهم لم تكن ظاهرة بسبب
طغيان التوجه الآخر، وهيبة أصحابه في أوساط التابعين لهم".
ولفت
الباحث، والنائب السلفي السابق، ونيس إلى أنه نبه مرارا في محاضراته ولقاءاته
التلفزيونية على مثل هذا، وكان لها أثر كبير عند كثير من طلبة العلم، لكنها لم تلق
انتشارا واسعا في أوساط السلفيين، ذاكرا أن "التيار السلفي لا يزال في درجة
من القوة تؤهله (إذا ما تم معالجة ما فيه من أخطاء منهجية) إلى التصدر والقيادة
لجميع المناهج الأخرى" على حد قوله.
من جهته رأى الكاتب الصحفي المصري، الباحث في الفكر الإسلامي وشؤون الحركات الإسلامية، وحيد عبد القادر، أن "تراجع الحويني واعتذاره يتسق مع المرحلة الأخيرة من العمر، كما وقع للشيخ محمد الغزالي في آخر حياته، حيث كان ينكر عليه بعضهم ما كتبه في شبابه، فأقر لهم بأن ما كتبه قديما كان يتسق مع طبيعته كشاب".
وأوضح
عبد القادر أن النسق العلمي السائد في المدارس السلفية "غالبا ما يكون الولاء
للشيخ فيه أكثر منه للفقه، وهذه أزمة
السلفية بوجه عام، فمدرسة الإسكندرية تختلف عن مدرسة القاهرة، ومدارس القاهرة
تتباين فيما بينها، بين أقصى اليمين للشيخ محمد عبد المقصود، وأقصى اليسار لأسامة
القوصي، وبينهما مدارس أخرى تتبع رأي مشايخها".
وواصل
حديثه لـ"عربي21" مشخصا آلية التفكير الموجه للمدارس السلفية بعمومها،
والشيخ الحويني أحد مشايخها، فهي "تبدأ بالأشد رأيا، وبعد خوض مساجلات ساخنة،
وربما صدامات مسلحة، في حالة الحركات الجهادية، تكتشف خطأ ما تبنته من آراء، كانت
تراها أصلا من الأصول، لكنها تكتشف بعد التجربة أنها لا تعدو أن تكون رأيا في
المسألة".
بدوره
اعتبر الباحث الشرعي، ورئيس مركز الإمام أبو عبد الله الشافعي في الأردن، الدكتور
سمير مراد تراجع الشيخ الحويني "مما يشكر عليه، خصوصا نصيحته لطلبة العلم
الذين وقعوا في تغرير التأليف والتصدر مع عدم الأهلية، ما أوصل الطلبة إلى حالة
متردية من ضحالة العلم المنهجي، الذي يؤهل صاحبه لنيل درجة القول هذا حلال وهذا
حرام".
وردا على
سؤال "عربي21" حول ما قاله
الحويني من أنه كان ينظر "إلى كل سنة بأنها واجب"، قال "هذا دليل النقص الكبير في مادة أصول
الفقه التي هي الفارق بين الفقيه والعامي، وتصدر أمثال الحويني وغيره أدّى إلى فقد
الطلبة مناهج الفقه بحجة اتباع الدليل، مع أن النظر إلى الدليل له زاويتان: الأهم
دلالته وفقهه، ثم صحته سندا إن كان سنة أو أثرا".
وتمنى
مراد في ختام حديثه أن تكون اعترافات الحويني واعتذاره "توبة له، وتنبيها للآخرين
كي لا يقعوا فيما وقع فيه"، مستبعدا وجود أية علاقة بين تراجع مد تيار السلفي
وبين اعترافات الشيخ الأخيرة، لأنه "ليس لأحد وصاية على المنهج السلفي،
والشيخ الحويني لا يمثل المنهج، وإنما يمثل نفسه". وفق عبارته.