سجلت سندات لبنان الدولارية أسواء أداء لها على الإطلاق، خلال تعاملات الأربعاء، بدفع من تصريحات مسؤولين لبنانيين عن اتجاه الحكومة لإعادة هيكلة الديون المستحقة.
وفي ظل تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية التي يمر بها لبنان، والجدل الدائر حول سبل الخروج منها، يواجه البلد المثقل بالديون استحقاقات دين بالعملة الصعبة بإجمالي 2.5 مليار دولار هذا العام، منها 1.2 مليار دولار تستحق في التاسع من آذار/مارس المقبل.
وفي أول تصريح لمسؤول كبير بشأن سبل معالجة الأزمة، قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، إن إعادة هيكلة الديون هي "الحل الأمثل" لاستحقاقات سندات "اليوروبوند"، ما تسبب في تراجع سندات لبنان الدولارية إلى مستويات قياسية منخفضة 17 سنتا.
وعقب لقاء جمعه برئيس الوزراء حسن دياب، دعا رئيس جمعية المصارف سليم صفير، الحكومة اللبنانية بالبدء في إجراء محادثات مع حاملي السندات خاصة الصناديق الاستثمارية في الخارج الذين أظهروا حتى الآن جهوزية للتفاوض على هذا الأساس.
"رغبة الأحزاب"
وقال مصدر سياسي رفيع، لرويترز، إن "الأحزاب الرئيسية المساندة لحكومة دياب تعارض سداد الدين المستحق بالعملة الصعبة بما في ذلك سندات التاسع من آذار/مارس، ويرغبون بدلا من ذلك في مفاوضات للاتفاق على إعادة جدولة، لكن العملية تمضي ببطء شديد"، بحسب تعبيره.
وكانت جمعية المصارف قالت الأسبوع الماضي إن إعادة هيكلة الدين تتطلب وقتا وإن الفترة الوجيزة قبل التاسع من آذار/مارس لا تسمح بالاستعداد ولا "التعامل بكفاءة".
اقرأ ايضا: هل يستطيع صندوق النقد الدولي سد "الثقب الأسود" في لبنان؟
وكشف مصدر آخر لرويترز، أن لبنان سيدعو ثماني شركات لإسداء المشورة المالية له بينما يدرس جميع الخيارات بشأن الدين السيادي.
وأعلن صندوق النقد، الثلاثاء، أن فريقا من خبراء الصندوق سيزور لبنان من 20 إلى 23 شباط/فبراير لتقديم مشورة فنية، في ظل مخاوف من لجوء الحكومة لطلب مساعدة مالية من الصندوق بشروط تعجز البلاد عن تحملها.
ومن جانبها، اتهمت صحيفة الأخبار اللبنانية، المقربة من حزب الله، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وجمعية المصارف، بتبني حملة للتهويل من لجوء الحكومة إلى إعادة هيكلة الدين.
"ضغوط المصارف"
وبحسب الصحيفة، فإن وفد جمعية المصارف مارس ضغوطا على رئيس الحكومة في لقاء جمعهما الأربعاء وحذره من تداعيات إعادة هيكلة الديون.
وتستند جمعية المصارف في ضغوطها على الحكومة على أن التوقف عن الدفع سيؤدي إلى إفلاس المصارف وامتناع مصارف المراسلة عن فتح الاعتمادات لها، وسيغلق أبواب التدفقات الخارجية أمام لبنان الذي يحتاج إليها بشكل ملح.
ونقلت الصحيفة عن مصادر، لم تسمها، أن دياب لم يستجب لهذه الضغوط، وأبلغ وفد جمعية المصارف أن القرار النهائي بشأن التوقف عن الدفع وإعادة الهيكلة يبقى مرهونا بانتهاء الخطة الإنقاذية التي يعدها فريق من الخبراء المتخصصين، وستكون مدعومة بتقييم صندوق النقد الدولي لاستدامة الدين العام.
اقرأ أيضا: لبنان يخفض الفائدة.. ويواصل البحث عن مخرج لأزمة سداد الديون
وقالت الصحيفة، إن "رياض سلامة والمصارف بدأوا يمارسون لعبة المضاربة على سندات اليوروبوندز وبيعها للأجانب"، مشيرة إلى أن "مصرف لبنان يحمل القسم الأكبر من سندات اليوروبوندز التي تستحق في 2033 و2034 التي بدأ تداولها، فجأة، في الأسواق الدولية، بأسعار متدنية جدا".
واستطردت: "عروض بيع السندات كانت مسعّرة بنحو 25 دولارا و26 دولارا، علما بأن سعر إصدار السند يبلغ 100 دولار"، لافتة إلى أن عددا من المصارف اللبنانية وشركة «أوبتيموم أنفست»، المعروفة بتنفيذ عمليات تجارة السندات لحساب مصرف لبنان، هي التي تبيع هذه السندات، رغم أن من يحملها هو مصرف لبنان منذ إصدارها في أيار/مايو 2018، ما أثار ريبة حول ما يحصل، بحسب الصحيفة.
ما الذي يحصل في سوق السندات؟
كشفت مصادر، للصحيفة اللبنانية، أن توجه الحكومة بالتوقف عن السداد وإعادة هيكلة الدين، يعني أن السندات التي يحمل مصرف لبنان لن تكون لها منفعة قريبة على سيولته، خاصة أن عملية إعادة الهيكلة ستأخذ وقتا طويلا، ولن يكون المصرف قادرا على تسييل هذه السندات في هذه الفترة، في وقت هو بحاجة إلى السيولة.
وتابعت: "لذا لجأ سلامة، كعادته، إلى عمليات غير اعتيادية في السوق مثل الهندسات المالية، وأجرى هندسات على السندات مع المصارف يقوم بموجبها مصرف لبنان بدفع فوائد شهادات الإيداع للمصارف بالدولار، شرط ألا يتم تحويل هذه الأموال إلى الخارج، وأن تستعملها المصارف لشراء سندات اليوروبوندز من فئة استحقاقي 2033 و2034. وبما أن عمليات شراء السندات وبيعها تتم عبر «يوروكلير»، أي في أوروبا، فهناك صعوبة في معرفة هوية البائع والشاري في العمليات المنفذة فعليا والتي تبقى مخفية. وهذا الأمر يعني أن مصرف لبنان سيتمكن من تسييل سندات ولو بثمن بخس، وهو ما يعكس حاجته الماسة إلى مزيد من السيولة".
اقرأ أيضا: مصرف لبنان المركزي يحقق في تهريب أموال للخارج
ودعا التيار الوطني الحر، إلى البدء في اعتصام مفتوح، اليوم الخميس، أمام مبنى مصرف لبنان تحت شعار "حقنا نعرف مين حوّل... حقنا نردّن" للمطالبة بكشف حقائق ملف الأموال المهربة والمحولة إلى الخارج، ونشر أسماء المتورطين.
وعلق عضو كتلة "اللقاء الديمقراطي" بمجلس النواب، بلال عبدالله، على دعوة التيار الوطني الحر للاعتصام أمام مصرف لبنان قائلا: "أخر بدع الشعبوية السياسية في لبنان، أن يتظاهر تيار العهد، محاباة لانتفاضة الشارع، ضد المصرف المركزي ومنظومة المصارف".
وتساءل النائب، في تغريدة نشرها عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي: "ماذا كان يناقش من سياسات مالية ونقدية، في الاجتماعات والخلوات التي كانت تعقد مرارا في قصر بعبدا. هل للتوقيت علاقة بوصول بعثة صندوق النقد الدولي؟".
وقال في تغريدة أخرى عن هبوط السندات: "سندات اليوروبوند هبطت إلى 35 سنتا، ما يعني أنه باستطاعة مصرف لبنان أن يشتري 1.2 مليار دولار دين بـ 420 مليون دولار"، متسائلا: "هل يمكن أن يشكل هذا الأمر، مدخلا للتفاوض مع المصارف اللبنانية لإعادة هيكلة الدين؟ وهل ندفع أموالا للخارج في هذه الحالة؟
مصرف لبنان المركزي يحقق في تهريب أموال للخارج
هذا موعد وصول بعثة صندوق النقد الدولي إلى لبنان
هل يستطيع صندوق النقد الدولي سد "الثقب الأسود" في لبنان؟