أكد رئيس الوزراء المغربي سعد الدين العثماني أن موقف بلاده من القضية الفلسطينية ثابت وواضح، وهو موقف يدعم حقوق الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
وأضاف العثماني في حوار شامل مع رئيس تحرير "عربي21" أن المغرب منفتح على العلاقات والتحالفات مع جميع دول العالم بما يحقق مصالحه الوطنية، وفي مقدمتها "الوحدة الترابية وقضية الصحراء".
وأشار العثماني إلى أن النتائج التي حققها المغرب بعد إصلاحات عام 2011 تؤكد صحة المسار الذي اتخذه الملك محمد السادس، وسط منطقة ملتهبة سياسيا وأمنيا.
وأكد أن المغرب خطا خطوات جيدة في مجال حقوق الإنسان، وإن كان يحتاج لحل مزيد من الإشكالات والملاحظات في هذا الإطار، منوها إلى أن بلاده تجيب على ملاحظات تقارير المنظمات الحقوقية العالمية، وإن كان بعضها مبالغا فيه، بحسب قوله.
وتوقع رئيس الوزراء المغربي ورئيس حزب العدالة والتنمية أن يحقق حزبه نتائج طيبة في الانتخابات القادمة، ولم ينف أن يكون هذا بسبب ضعف المنافسين وضعف الحياة السياسية بشكل عام، ولكنه أكد أن الحزب حقق إنجازات جيدة أثناء قيادته للائتلاف الحكومي لثمان سنوات.
وأكد العثماني أن حزب العدالة والتنمية موحد وأعماله تسير بشكل جيد، وأن الحزب يحتمل ويشجع الاختلافات والحوار داخل أطره، وأنه لا ينزعج من تعقيبات رئيس الوزراء السابق عبد الإله بن كيران على عمل الحكومة أو أداء الحزب، مشيرا إلى أن "الطرق سالكة بينه وبين ابن كيران".
وفيما يأتي نص الحوار الشامل لـ "عربي21" مع رئيس الوزراء المغربي سعد الدين العثماني، والذي تناول الأوضاع الداخلية، والعلاقات الخارجية، وأوضاع حزب العدالة والتنمية:
ما موقفكم من "صفقة القرن" التي تم الإعلان عنها قبل أيام؟
إن تعامل المغرب، ملكا وحكومة وشعبا مع القضية الفلسطينية تؤطره ثوابت واضحة، من حيث دعم الشعب الفلسطيني دعما كاملا حتى ينال حقوقه، وفي مقدمتها إنشاء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ورفض كل محاولات تهويد القدس والاعتداء على الحرم القدسي والمسجد الأقصى، وبناء على ذلك رفض كل الحلول التي تحيد عن هذه الثوابت.
هل للمغرب أن يلعب دورا في الدعوة لقمة عربية مثلا واتخاذ أي إجراء عملي عربي للرد على هذه الصفقة؟
أعتقد أن جامعة الدول العربية في آخر اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، اتخذت موقفا واضحا برفض "صفقة القرن"، وأكدت على الثوابت الفلسطينية ودعم الشعب الفلسطيني، وبالتالي فنحن الآن في مرحلة متقدمة من الموقف من "صفقة القرن"، ويضاف له موقف منظمة التعاون الإسلامي في اجتماعها الأخير أيضا، على المستوى الوزاري، إذ أيدت نفس الموقف.
وأظن أن التعبير المشترك عربيا وإسلاميا مُتقدم اليوم في رفض "صفقة القرن"، وفي التأكيد على ثوابت النضال الفلسطيني ودعم الشعب الفلسطيني، ولا أرى أن هناك حاجة لاجتماعات خاصة. ويجب تصريف هذا الموقف عمليا. وفي ما يخص المغرب فإننا نعرف أن الشعب المغربي وعلى مدى قرون -وليس فقط بعد الاحتلال الأخير لفلسطين خلال أربعينيات القرن الماضي- كان دائما داعما للشعب الفلسطيني ولحريته، ودائما ما كان يهُب للدفاع عن الأقصى والقدس.
هل يمكن لحزبكم أن يلعب بعض الأدوار في مظاهر الاحتجاج أم أن وجودكم بالحكومة قد يُلزمكم ببعض الإكراهات التي قد تحول دون ذلك؟
لقد أعلنت شخصيا بوصفي الأمين العام لحزب العدالة والتنمية منذ الإعلان عن هذه الصفقة أن الحزب سيشارك في جميع الفعاليات الشعبية التي تُعبر عن الموقف المغربي لدعم الشعب الفلسطيني ورفض "صفقة القرن" أو غيرها من التعابير؛ فنحن منخرطون في جميع الفعاليات الشعبية في هذا المجال.
بالانتقال إلى الشأن المغربي، كيف تقيمون تجربتكم بالمشاركة في الحكم بعد ثماني سنوات؟ وماذا استفاد الحزب وماذا خسر من تلك المشاركة؟
دعني أولا أؤكد نقطة مبدئية، وهي أن ما يُحققه المغرب اليوم من إنجازات -بدءا بالاستقرار والأمن الذي ينعم به في وسط مضطرب يغلي على عدد من المستويات شعبيا وسياسيا وأمنيا- هي إنجازات ونجاحات ساهم فيها مجموع المكونات بالمغرب، بقيادة جلالة الملك محمد السادس شخصيا الذي يقوم بأدوار مهمة في هذا الاتجاه، وإسهام عدد من مكونات النخبة السياسية، ومنها أحزاب سياسية متعددة، وأيضا المجتمع المدني وفعاليات شعبية كثيرة، ساهموا جميعهم في أن يصل المغرب إلى ما وصل إليه اليوم.
ولحزب العدالة والتنمية شرف الإسهام بأن يضع يده في يد عدد من الشرفاء في بلدنا من أجل دعم استقراره ونهضته، ومواجهة التحديات والإشكالات المختلفة التي نعيشها، منها تحديات ذات طابع سياسي واقتصادي واجتماعي وشعبي، وحل هذه الإشكالات ومواجهتها لا يمكن أن يتم إلا بمنطق التعاون.
ثانيا: حزب العدالة والتنمية يرى باستمرار أن أي مساهمة له، لا يمكن أن تقوم إلا وفق هذا المنطق، ووفق الشراكة مع الآخرين للوصول إلى الأهداف التي نريدها جميعا.
ثالثا: نعتقد أن حصيلة تدبير حزب العدالة والتنمية للحكومة مع حلفائه وشركائه، حصيلة مشرفة ومحترمة، فبالنسبة للولاية الحكومية السابقة برئاسة الأستاذ عبد الإله بنكيران فقد قال الشعب كلمته، وقيّم تلك الحصيلة وحكم عليها في انتخابات أكتوبر 2016 ومنح حزبنا المرتبة الأولى بـ 126 مقعدا في البرلمان، وقبل ذلك في سنة 2015 منح الثقة للحزب في الانتخابات المحلية، البلدية والقروية، ومنحه تسيير كبريات المدن المغربية.
أما بالنسبة لحصيلة الحكومة الحالية، فقد سبق أن قدمت بشكل مفصل حصيلة منتصف الولاية أمام نواب الأمة بالبرلمان، وباختصار فقد بينت بالمعطيات والوقائع الملموسة والأرقام، أن الحكومة استطاعت تحقيق مجموعة من البرامج التي وعدت بها في برنامجها الحكومي، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو الحكامة أو محاربة الفساد أو الإصلاح الإداري، وهناك العديد من المؤشرات التي تدل على العمل المهم الذي قمنا به.
لكن البعض يرى أن هذه الشراكة تُنتج حكومات ضعيفة وغير متجانسة، كيف ترى ذلك؟
ربما يكون هذا الرأي صحيحا نظريا، لكن المغرب اختار التعددية السياسية منذ الاستقلال، ودرج على تكوين حكومات ائتلافية بمشاركة نخب واسعة في مسلسل الإصلاح. وقد تبرز أحيانا نزاعات ربما تكون شديدة وشرسة بين أحزاب التحالف الحكومي، وهذا مُتفهم، لأنها أحزاب سياسية مختلفة، وقد كنّا ستة أحزاب في النسخة الأولى من هذه الحكومة، وبعد تعديلها صرنا خمسة أحزاب، مما يجعل مهمة تشكيل وتدبير حكومة من هذا العدد أمرا غير سهل، ولكني مقتنع رغم ذلك بوجود انسجام معقول ومقبول بين الفريق الحكومي لتحقيق أهداف البرنامج الحكومي.
إن تحالفنا مبني على أساس البرنامج الحكومي، وقد نختلف خارجه في أمور كثيرة، وقد يبرز هذا الاختلاف، وقد نتناقش ويرد بعضنا على بعض بأساليب أحيانا تكون فيها مبالغة. لكن المهم، أني كرئيس حكومة أحرص على انسجام الجميع في إطار العمل الحكومي، فهو الأساس لتحقيق الأهداف التي حددناها في البرنامج الحكومي الذي نالت على أساسه الحكومة ثقة البرلمان.
وبخصوص ما حققه حزب العدالة والتنمية، فإننا نعتقد أنه إذا ما حافظت بلادنا على استقرارها، وحققنا الأهداف المنشودة بمزيد من التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإدماج أوسع للشرائح الاجتماعية، فقد حققنا هدفنا، ونحن سعيدون بأن نسهم في نهضة بلدنا خلال هذه المرحلة الصعبة إقليميا ودوليا. وأرى أن هذا شيء إيجابي.
وبطبيعة الحال الحزب استفاد من مسؤولية التدبير من حيث مراكمة تجاربه، باكتساب أطره الخبرة والقدرة على تدبير الشأن العام، وكما تعلمون فحزبنا يرأس الكثير من البلديات الكبرى، بالإضافة لقيادة التحالف الحكومي، ولدينا تجربة مهمة سننفع بها بلدنا، وسيكون حزب العدالة والتنمية في المستقبل من الأحزاب التي تضم عداد من الكفاءات والأطر القادرة على التدبير والتسيير والمساهمة في الإنجاز، وهذا ربح لبلادنا قبل أن يكون ربحا لحزبنا.
بخصوص الحكومات الائتلافية وقوانين الانتخابات، هل تعتقد أن هناك إمكانية لإنتاج قانون انتخابي أكثر تقدمية بحيث ينتج حكومات من حزب واحد أو حزبين؟
بكل صراحة، لم نبدأ بعد رسميا النقاش في هذا الموضوع بين الأحزاب السياسية المعنية، وليس لدينا داخل حزب العدالة والتنمية حتى الآن تصور واضح في هذا المجال. وبخصوص النظام الانتخابي الحالي فقد وُضعت أساسياته سنة 2002 مع بعض التعديلات التي أدخلت عليه بعد ذلك، حيث وُضع بخلفية أو فكرة الحد من تشتت البرلمان من جهة، وفي الوقت نفسه عدم إقصاء القوى السياسية والتمهيد لاحتكار المشهد من قبل أحزاب محدودة من جهة ثانية. وبالتالي فهو نظام انتخابي وسط، لا يبلقن ويشتت الخريطة الانتخابية، وفي الوقت نفسه لا يسمح لحزب واحد أو اثنين باحتكار المشهد الانتخابي.
وشخصيا لست متحمسا لتشكيل حكومة من حزب واحد، لأني أعتقد أن الشراكة دائما مفيدة ومهمة جدا، وقد تكون أهم من الاقتصار على نظام انتخابي يؤدي لحزب واحد، لأن لدى المغرب تقاليد عريقة، ومنذ الاستقلال، في التعددية السياسية والحزبية. وأظن أن تجربة المغرب الآن تميل أكثر نحو تعميق أسس الشراكة بين الأطراف السياسية المتعددة.
الأحداث التي جرت في المنطقة العربية عام 2011 أفرزت نموذجا مختلفا في المغرب عن باقي الدول العربية الأخرى، حيث تم تعديل الدستور الذي نص على تشكيل حكومات برلمانية، لكن هذه الحكومات تعمل تحت قيادة الملكية.. كيف تقيم هذا النموذج وعلاقة الحكومة مع القصر؟ وأين يفيد هذا عمل الحكومة؟ وأين يعطلها؟
من واقع التجربة يمكنني القول إن هذا النموذج صالح لبلد مثل المغرب، حيث الملكية مُتجذرة تاريخيا وشعبيا وقيميا، والملك فيها ليس حاكما فقط بل رمز أيضا وضامن لوحدة البلد واستقراره. وقد برهنت الملكية في المغرب على أنها أيضا قائدة للإصلاح.
وما ذكرتموه من أسلوب تعامل جلالة الملك محمد السادس مع الاحتجاجات عام 2011 وحركة " 20 فبراير"، على عكس قادة دول آخرين، دليل على ما قلناه، إذ تعامل مع الأمر بالتفاعل الإيجابي وبنظرة مستقبلية واستشرافية، وباقتراح الحلول لتجاوز الخلافات داخل المجتمع.
وفي هذا السياق، طرح خطاب جلالة الملك يوم 9 آذار/ مارس 2011 التاريخي تعديل الدستور، واقتراح آليات لمكافحة الفساد، والبدء في تطبيق الجهوية المتقدمة وإصلاحات أخرى هدأت الشارع وفتحت آفاقا للإصلاح. فهذا نموذج لدور الملكية في تاريخ المغرب المعاصر، نموذج مغربي مغربي خالص، صاغه المغاربة بأنفسهم، ولا مجال هنا لنستنسخ أي نموذج في العالم.
وهذا لا يمنع بطبيعة الحال من أن نناقش تطوير تأويلنا للدستور نحو أفق أكثر ديمقراطية، كما لا يمنع من اقتراح تعديل بعض المقتضيات الدستورية إذا تيسرت الشروط والظروف والتوافق، لأن الأولى أن يكون التعديل الدستوري متوافقا عليه، حتى لا يكون مُنتجا لصراعات داخل المجتمع.
إذا أنتم تنظرون لها بإيجابية، وليس كما يراها البعض بأنها تغييرات عطلت حدوث إصلاح؟
أبدا. الدليل هو الواقع؛ فالدول التي لم تُدخل ما يكفي من الإصلاحات عاشت مشاكل سياسية وأمنية قاسية، ونحن نرى بعض الدول والشعوب كيف تعيش اليوم، فالنتائج دليل على المقدمات، والثمرات دليل على أن الاختيار فيه حظ كبير من المعقولية والصلاح، ونحن نرى ونشاهد ونعايش هذا باستمرار. لكن التوق إلى مزيد من الإصلاح شيء طبيعي وضروري.
بعد سنوات من هذه التغييرات وإجراء إصلاحات.. كيف تنظرون إلى واقع الحريات في المغرب، خاصة أن هناك بعض التقارير التي تشير لوجود إشكالات في سجل المغرب الحقوقي؟ وهل أنتم راضون عن هذا الواضع؟
لا شك أن المغرب خطا خطوات على المستوى الحقوقي قبل دستور 2011، وخطا خطوات كبيرة بعده، إذ اختفت كثير من الاختلالات التي عشناها في تاريخ المغرب المعاصر وتم القطع معها مثل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من قبيل الاختطاف والتعذيب والتقييد المطلق لعدد من الحريات، وأصبحت بالنسبة للمغرب من الماضي، نظرا للضمانات الدستورية والقانونية والمؤسساتية والتدابير المرتبطة بمنعها ومعاقبة مرتكبيها والوقاية منها.
لقد تقوت اليوم لدينا حرية التجمع والتظاهر، وحرية تشكيل الجمعيات، ولدينا - والحمد لله- تقدم مُقدر وجيد وإيجابي، إذ تؤكد المؤشرات العامة أن إعمال الحقوق المدنية والسياسية في بلادنا يتطور باستمرار نحو الأحسن، بالحرص على تطبيق مقتضيات الدستور والقوانين التنظيمية والقوانين ذات الصلة كتعزيز آليات الديمقراطية التشاركية والتشاور العمومي والحق في المشاركة في تدبير الشؤون العامة.
بطبيعة الحال لا يمكن أن ندعي بأنه لم يعد هناك أية إشكالات في مجال حقوق الإنسان، فما حققناه لا يمنع من وجود انتقادات لممارستنا لهذه الحقوق، ووجود إشكالات وتجاوزات، لكنها ليست من قبيل الانتهاكات الممنهجة. فهي تجاوزات معزولة أو محدودة، من واجبنا أن نعمل على معالجتها، لأنها تطرح تحديات على مستوى ضمان فعالية منظومة الحماية الوطنية، وتظهر بعض الخصاص على مستوى تملك ثقافة حقوق الإنسان لدى بعض القائمين على إنفاذ القانون، وعدم الالتزام بالضوابط القانونية بالنسبة لبعض المواطنين.
وفي هذا السياق، وضعنا الخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان، ساهم في وضعها جميع المتدخلين، السلطات الرسمية بطبيعة الحال، والوزارات وجهات أمنية والسلطات القضائية، وكذلك جمعيات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان.
وأخرجنا هذه الخطة، بأهداف وبرامج واضحة في مختلف المجالات المرتبطة بحقوق الإنسان، لم تقتصر فقط على حقوق الإنسان السياسية والمدنية، بل ضمت أيضا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وحقوق بعض الفئات التي تحتاج لرعاية خاصة. وقد صادقنا على هذه الخطة، وبدأت تدخل كثير من بنودها حيز التنفيذ.
وأما ما ذكرته بشأن ما تشير إليه بعض المنظمات الدولية من انتقادات فبعضها موجود ومحدود، وبعضها فيه مبالغات وينقصه التدقيق والحجة، لأنه مبني على ما ينشر هنا أو هناك. والحكومة تصدر تقارير بين الفينة والأخرى لتوضيح رأيها وموقفها من هذه التقارير، التي هي عموما تقارير إيجابية، وتشير لعدد من الإشكالات التي اتفقنا على ضرورة التعاون لمعالجتها.
موقعكم وموقفكم كحزب من قضية الحريات.. هل لازال كما كان قبل مشاركتكم في الحكم؟
هو نفس الموقف، لم يتغير على أي مستوى من مستويات الحريات المدنية والسياسية، الفردية والجماعية، والمواقف لاتزال شاهدة.
بالانتقال إلى موضوع التنمية، أظهر حراك الريف وبعض الاحتجاجات الأخرى، أنه لا يزال هناك سوء في توزيع التنمية والوصول إلى المناطق المهمشة.. فكيف تنظرون إلى واقع التنمية في البلاد؟
متفق معك، لا تزال هناك إشكالات في توزيع ثمار التنمية، وهناك مناطق، وخصوصا المناطق النائية، لم تستفد بالقدر الكافي من ثمار التنمية على مدار العقود الأخيرة، ولم يحدث ذلك اليوم فقط، ولذلك وُضعت عدد من البرامج التي تحاول أن تعطي لهذه المناطق امتيازا، أو كما نقول تمييزا إيجابيا، بل هناك برامج خاصة، لهذه المناطق مثل برنامج أعطى جلالة الملك انطلاقته منذ بضعة سنوات، وبدأ فعليا عام 2017، وهو برنامج تقليص الفوارق المجالية، مبني على دراسة بشأن المناطق التي تعرف مؤشرات تنمية ضعيفة، وهذا البرنامج يمتد على مدى 7 سنوات، إلى غاية عام 2023، وفي كل عام يُطبق منه جزء.
وهناك برامج أخرى، مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبرامج الدعم الاجتماعي وغيرها، تعطي عناية أكثر للعالم القروي، والمناطق الجبلية، والمناطق البعيدة، وأخيرا تم إطلاق وتوقيع أمام جلالة الملك عدد من الاتفاقيات في تمويل المقاولات الشابة، وتمويل الشباب لإنشاء مقاولاتهم، وأُعطي فيها امتياز للمناطق القروية.
فهناك وعي بوجود هذا الإشكالية عمليا، وهناك محاولات لمعالجتها، وكثير من هذه البرامج تنجح وبعضها يتعثر أو يتأخر، ونعمل على معالجة ذلك.
لدينا موقف واضح قلناه مرارا، وهو أن الاحتجاجات الاجتماعية مُرحب بها، في إطار القانون ووفق ضوابطه، لأنها تدق ناقوس الخطر وتفرض علينا الإنصات والاستماع لشكاوى المواطنين، والعمل على الاستجابة لها، وتسريع البرامج الموجودة أصلا للاستجابة لما يحتجون بسببه. وقد قلنا منذ البداية أننا كنّا في المعارضة 14 عاما، ولو لم تكن هناك حركة " 20 فبراير" واحتجاجات 2011، ربما لم يكن لعدد من الإصلاحات أن تنطلق، ولم نكن لنأتي ونشكل الحكومة.
إن نجاحنا في الانتخابات وتشكيل الحكومة، جاء نتيجة وجود قلق من وضع اقتصادي واجتماعي وسياسي مُعين. وبطبيعة الحال لسنا الوحيدين، فهناك أطراف أخرى ساهمت هي الأخرى في تخفيض التوتر. وأؤكد لك أن الحكومة تعطي أولوية للتوزيع العادل لآثار التنمية، وهو ما نسميه العدالة بين الفئات والمناطق والجهات.
بخصوص حراك الريف، هل أنهى ما اتخذ من إجراءات هذه الأزمة؟ أم يمكن أن يشهد المغرب إجراءات أخرى وربما مبادرات تجاه المعتقلين والمحتجين لإنهاء هذه المسألة؟
هناك مستويان: المستوى التنموي المحلي، حيث أطلق جلالة الملك منذ سنوات برنامج منارة المتوسط، وهو اسم أعطي لمدينة الحسيمة، وهناك برامج تنموية أخرى عديدة ذات طابع اقتصادي واجتماعي، وأغلبها تم تنفيذه الآن على الأرض، وبعضها في آخر مراحل إنجازه، مما يدل على أننا نتقدم على هذا المستوى، مع العلم أن التنمية في هذه المناطق البعيدة ليست سهلة، وأن المناطق الغنية اليوم ليس بسبب تدخل الدولة فقط، بل بسبب استثمارات القطاع الخاص بالأساس، إذ نلاحظ أنه حتى وإن هيأت الدولة الظروف والشروط في بعض المناطق، فإن ذلك لا يؤدي دائما إلى تفاعل القطاع الخاص والاتجاه نحوها.
غير أنه يبقى من واجب الدولة تطوير الشروط وتهيئة الظروف العامة من بنيات تحتية، وتحقيق عدد من الإجراءات الأخرى، لتشجيع الاستثمار من لدن المقاولات الوطنية، من داخل المنطقة أو من خارجها، بل وحتى من خارج المغرب، لتنمية المنطقة، وإيجاد فرص العمل، لتشغيل الشباب والنساء وكافة المواطنين.
أما المستوى الثاني، فهو السجناء الذين حوكموا على إثر الأحداث التي وقعت في إقليم الحسيمة، فهذا موضوع بين يدي القضاء، ولا يمكن للحكومة أن تتدخل فيه، وبطبيعة الحال أصدر جلالة الملك - جزاه الله خيرا- مرات عديدة عفوه عن مجموعة من هؤلاء السجناء، وصل عددهم إلى 188. ويمكن أن تأتي فرص أخرى لإصدار العفو بحق من تبقى منهم - بعضهم أو جميعهم- وأنا دائما أقول بأنني كرئيس للحكومة لا يمكن أن أطلب أو أريد لأي مواطن أن يُسجن، فما لهذا أتيت، بل أتمنى للجميع العافية، ولكن ليس من صلاحيات رئيس الحكومة التدخل في قضايا وملفات بين يدي القضاء كما قلت.
في موضوع له علاقة التنمية، ما رأيكم بعمل لجنة النموذج التنموي؟ وهل ترى فيها- كما يرى البعض- منافسة أو منازعة لصلاحيات الحكومة في هذا المجال أم أن العمل بين الطرفين تكاملي؟
أولا، لا علاقة نهائيا لمهمة لجنة النموذج التنموي الجديد بالحكومة أو بمهامها، فلكل واحدة منهما مهمته الخاصة بها. إن مشروع النموذج التنموي الذي ستقترحه هذه اللجنة، هو بمثابة نوع من الرؤية على المدى المتوسط والبعيد، وبالتالي لا يمكن أن تكون هذه اللجنة إلا لجنة نوعية، حدد أهدافها جلالة الملك في الخطاب الذي أعلن فيه أنه سيُعيّنها. وقال صراحة إن هذه اللجنة لن تتدخل في شؤون الحكومة، التي يجب أن تستمر في برامجها وأعمالها، ووضع الاستراتيجيات الجديدة دون أن تتأثر باللجنة، التي ستقوم بإخراج وثيقة تقترح فيها النموذج التنموي الجديد وتضعه بين يدي جلالة الملك، وبالتالي هذه الوثيقة الجديدة المرتقبة ستكون توجهات عامة وقواعد كبرى وأهدافا متوسطة أو بعيدة المدى.
وأرى، كما اقترحنا في مساهمتنا التي قدّمناها كحكومة للجنة، أن المغرب يحتاج إلى رؤية بعيدة المدى، تندرج فيها جميع الاستراتيجيات والمخططات، سواء كانت قطاعية أو أفقية. ولعلمكم، فاللجنة تضم عددا من الخبراء لا ينتمون للأحزاب السياسية، وتتفاعل مع مقترحات الأحزاب السياسية ومقترحات المجتمع المدني، ومع عدد من المبادرات الأخرى التي قامت في المجتمع، من جامعات، وخبراء، ومثقفين، إلى غير ذلك، والذين أدلوا بدلوهم طيلة شهور طويلة قبل حتى أن تُعيّن اللجنة.
وعلمت أن اللجنة عازمة على إجراء حوارات مع الشباب والمهنيين، ومع مواطنين من فئات مختلفة، ومع جهات عديدة، وهذا شيء جيد لتستمع إلى مختلف الآراء. وبالتالي فإن عملها سيكون قيمة مضافة، وأتمنى لها كل النجاح، ولا يمكن أن نتصور أن عملها يمكن أن يعرقل أو يشوش على عمل الحكومة.
القانون الخاص بالتناوب اللغوي بين اللغة العربية والفرنسية أثار ضجة، لماذا لم يرفض الحزب هذا القانون لأن الكثيرين ينظرون للحزب باعتباره مدافعا عن الهوية العربية والجذور الإسلامية، وبالتالي توقع البعض رفضكم هذا القانون؟
أولا وقبل كل شيء، الحزب يدافع عن الهوية المغربية بلغتيها الرسميتين العربية والأمازيغية.
ثانيا القانون لا يشير في أي مرحلة ولا في أي فصل إلى اللغة الفرنسية، يتحدث عن التناوب اللغوي بين اللغتين الوطنيتين الرسميتين، وبين لغات أجنبية التي قد تكون الإنجليزية أو الفرنسية أو الإسبانية أو ربما تكون لغات أخرى في المستقبل لا ندري، وبالتالي فالقانون لا علاقة له ببعض الإجراءات التي أثيرت قبيل وأثناء مناقشة القانون في البرلمان، والتي شوشت على مناقشة القانون وهي لا علاقة لها بالقانون.
ثالثا: القانون يضع من بين محددات المسألة اللغوية بلورة هندسة لغوية لقطاع التعليم والتكوين. ويقضي بوضع هذه الهندسة اللغوية بعد تشكيل اللجنة الوطنية لتتبع ومواكبة إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي.
وقد تشكلت اللجنة بالفعل، وعقدت اجتماعها الأول، ونعمل الآن على تفصيل وتدقيق برنامج تنفيذ القانون، في جوانبه التشريعية والتنظيمية والإجرائية، وبعض البرامج بدأ فعلا تنفيذها.
أما فيما يخص المسألة اللغوية بالذات فسنسير نحو هندسة لغوية مُتوافق عليها وبعد نقاش رصين، وبعد المصادقة على هذه الهندسة ستصدر بمرسوم، فالنقاش التفصيلي في هذا الموضوع لم يأت أوانه بعد. وبالتالي فتحميل القانون موضوع الفرنسة فيه مبالغة، نتيجة الخلط بين تطبيقات وقعت على الأرض وبين القانون، فحُمّل القانون ما يقع في هذه التطبيقات، والقانون لم يصدر بعد.
و لابد أن أقول هنا أن موضوع التناوب اللغوي، أمر معمول به دوليا، ونص عليه برنامج حزب العدالة والتنمية سنة عام 2016، وخاض على أساسه الانتخابات، جاء فيه نص على تنظيم التناوب اللغوي. لكن الخلاف هو حول درجة هذا التناوب اللغوي، ولهذا لم يصوت الفريق النيابي للحزب في البرلمان على المواد الخاصة بالتناوب اللغوي بالإيجاب، بل تحفظ عليها، ويجدر التذكير هنا بأن هذا القانون، قانون كبير، يتكون من 59 مادة، مادتان منهما فقط تتعلقان بالتناوب اللغوي، ولقد تحفظنا عليهما، لكن هناك 57 مادة تضم العديد من الإصلاحات بعضها مهم جدا في قطاع التعليم.
وأعتقد أنه من غير المعقول أن يدفع التحفظ على مادتين إلى التصويت على مجموع القانون الإطار بـ "لا"، خصوصا أن التعليم شهد منذ بداية الاستقلال، أي منذ 60 سنة، إصلاحات متعددة لكنها لم تنجح إلا نسبيا، وإن كنا لا نحكم عليها بالفشل، إلا أنها لم تؤتِ النتائج المرجوة منها، وأحيانا لا نمضي في تطبيق البرامج إلى النهاية، لكونها لم تكن مُلزمة في كثير من الأحيان.
ونرى أن إصدار قانون إطار، يؤطر الإصلاح الجديد وفق الرؤية الاستراتيجية للتربية والتكوين التي أصدرها المجلس الأعلى للتعليم، وهو مجلس يضم مختلف المكونات السياسية والنقابية والمهنية وعددا من الخبراء، رؤية استراتيجية تشكل وثيقة على المدى الطويل، وتوافقت عليها مختلف القوى الوطنية - هو إنجاز مهم واستراتيجي من غير المعقول أن نصوت ضده، لكننا صوتنا بالامتناع عن المادتين المرتبطتين بالتناوب اللغوي، لنوصل رسالة بأننا متحفظون على درجة التناوب اللغوي، وليس على أصل التناوب اللغوي.
هل انزعجتم من بعض الأصوات التي صدرت من داخل الحزب والتي انتقدت امتناعكم عن التصويت على هاتين المادتين بدل رفضها؟
نحتكم في حزب العدالة والتنمية لأصل واضح ينص على حرية الرأي وإلزامية القرار الذي تتخذه مؤسسات الحزب في إطار قوانينه، وبالتالي نعتقد أن التعبير عن الرأي شيء جيد ومرحب به بل ومطلوب، ولو كان مخالفا للرأي الرسمي للحزب، فلا يمكن أن نقيد حرية الرأي داخل الحزب، فهذا غير معقول، ولا يزعجنا أن تكون هناك آراء مختلفة وأن نتناقش، ويطرح كل شخص آرائه وأفكاره، على ألا نتجاوز مناقشة الأفكار والقضايا إلى تجريح الأشخاص والهيئات فهذا غير مقبول. ربما تضخم بعض وسائل الإعلام هذا الاختلاف، لكننا في الواقع نستوعبه ونعتبره إيجابيا رغم حدّة النقاش.
ننتقل إلى الشؤون الخارجية وعلاقات المغرب بدول الجوار ودول العالم. ونبدأ من الجزائر حيث هناك مراوحة في إصلاح في العلاقة وفتح الحدود وحل الإشكالات بين البلدين الشقيقين.. لماذا هذه المراوحة؟ وهل تعتقدون بإمكانية إيجاد حلول خلال المرحلة المقبلة؟
نحن دائما نؤمن بوجود الحلول، وأن هذه الحلول ستأتي إن شاء الله، والمغرب -كما يُعبّر جلاله الملك باستمرار- يده ممدوة لفتح صفحة جديدة، وللحوار والعمل المشترك لحل كل نقاط الخلاف، ونتمنى للشعب الجزائري كل التقدم والازدهار.
هل هناك شروط مغربية معينة ومحددة؟
لا. ليس هناك أي شروط. نحن نقترح حوارا بدون شروط.
علاقات المغرب مع مجلس التعاون الخليجي خصوصا بعد تراجع فكرة إدماج الأردن والمغرب في مجلس التعاون وتحول هذه الفكرة إلى فكرة الشراكة.. كيف تقيمون هذه العلاقة؟ وما إمكانية استفادة المغرب منها سواء في التنمية أو العلاقات الاستثمارية بين الطرفين؟
هي شراكة استراتيجية بين المغرب ومجلس التعاون الخليجي والأردن أيضا، ونعتز بهذه الشراكة، والعلاقات بين المغرب ودول مجلس التعاون أخوية، وتتجاوز ما هو سياسي واقتصادي ومالي، فهي علاقات عميقة ومتعددة الأوجه، وأطمئنكم بأنها اليوم جيدة، وستبقى كذلك، لأن الإرادة مشتركة بين قادة مجلس التعاون الخليجي وجلالة الملك الذي يُكن لهم كل التقدير.
لم تتأثر هذه العلاقات بالموقف المحايد إلى حد كبير في الأزمة بين الدول الشقيقة في الخليج‘ فالمغرب لم يتخذ موقفا لاتجاه السعودية والإمارات والبحرية ولا لاتجاه قطر.. هل هذا أثّر على العلاقات بينكم وبين مجلس التعاون؟
لا. لم يؤثر هذا في العلاقات، لأن الجميع يعرف نية المغرب، وهؤلاء كلهم إخوانه، والمغرب حريص على علاقته بهم ومعهم جميعا.
كيف تقيمون علاقاتكم مع المجتمع الدولي، وهل لايزال المغرب أسيرا للعلاقة مع الاتحاد الأوروبي، وفرنسا تحديدا، أم أن هناك خطوات باتجاه العلاقات المتنوعة مع الصين مثلا؟
ليس صحيحا أن المغرب أسير للعلاقات مع الاتحاد الاوروبي ولا حتى مع فرنسا. فهؤلاء كلهم أصدقاء، ونحن حريصون على علاقات جيدة معهم، والجغرافيا تفرض أنهم قريبون منا، وكذلك اقتصاديا، وتجاريا، وبشريا، فلا تنسى بأن هناك مليون ونصف مواطن مغربي يعيشون في فرنسا، وحوالي ثلاثة مليون ونصف مليون مغربي يعيشون في دول الاتحاد الأوروبي، وبالتالي هناك أسباب موضوعية لكثافة العلاقات مع دول دون أخرى بحكم التاريخ والعلاقات البشرية والاجتماعية، فضلا عن الجوار الجغرافي.
والمغرب يحاول باستمرار تنويع علاقاته، ولدينا اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة 2006، وكذلك شراكة استراتيجية انطلقت عام 2012 حينما كنت وزيرا للخارجية. ولدينا شراكة استراتيجية مع روسيا، ولدينا شراكة استراتيجية مع الصين، وحريصون على علاقات جيدة مع هؤلاء، ومع غيرهم من باقي دول العالم في مختلف القارات.
وأود أن أشير هنا أيضا لعمق المغرب الإفريقي، الذي يحرص عليه جلالة الملك حرصا كبيرا، ويعطي أولوية كبيرة لعلاقاته مع جميع الدول الأفريقية، وبطبيعة الحال هناك ربما علاقات أقوى مع بعضها، نتيجة القرب الجغرافي والعلاقات التاريخية والبشرية وأسباب أخرى، لكنه حريص على أن تكون علاقاته مع مختلف الدول الأفريقية جيدة، ومثمرة لكل الأطراف، وفيها الربح المشترك، حتى تكون مفيدة لمواطنينا ومواطنيهم ولكافة البلدان.
والمغرب حريص باستمرار على أن يتقاسم تجاربه مع هذه الدول، وأن يحفز القطاع الخاص المغربي للاستثمار في هذه الدول، لأنه يؤمن بإمكانية تقدم وتطور أفريقيا، وبقدرتها على تملك زمام مستقبلها أكثر، وذلك في إطار الحرص على إعطاء الأولوية للعلاقات جنوب-جنوب.
وباختصار، فالمغرب حريص على تنويع علاقاته، وليس هناك أي فيتو للتعاون مع أي دولة إلى أبعد الحدود، على حسب ما تتيحه الإمكانيات الواقعية. وبطبيعة الحال لديه مصالحه التي يحرص عليها ويدافع عنها، وعنده قضاياه المبدئية الكبرى، ومنها الوحدة الوطنية لبلادنا، وقضية الصحراء، وتشكل أولى الأولويات في علاقات المغرب الخارجية والدبلوماسية، فهو يحرص على أن يدافع عن حقوقه وسيادته وأرضه بكل ما يستطيع من الوسائل السلمية بالحوار والإقناع، ولكن بقوة وحرص شديدين على وحدته الترابية، وانطلاقا من ذات المبادئ فإن المغرب يعتبر نفسه معنيا متى كانت الوحدة الترابية لدولة ما مهددة، فهو يدافع عن وحدتها وعن سلامة أراضيها وفق مبادئ الأمم المتحدة وميثاقها، ووفقا لما يقتضيه الحرص على مصالح الدول، وعلى وحدتها.
إلى جانب هذا الثابت الكبير، هناك ثوابت أخرى في العلاقات الدبلوماسية للمغرب، يمثل الحوار أولها، وكذا العمل على حل جميع النزاعات من خلال الحوار وبالوسائل السلمية. ولذلك فالمغرب يؤثر دائما الحوار لحل الأزمات، كما هو الشأن في الأزمة الليبية. فالمغرب يساهم على حسب قدرته، بالحلول السلمية والحوار، والجميع يذكر اليوم اتفاق الصخيرات ودور المغرب في تلك المحطة، ولا يزال المغرب يؤكد أنه ليس للأزمة الليبية إلا الحل السلمي لعلاجها، لأن أي حل عسكري محُكوم عليه بالفشل، بل سيزيد من آلام الشعب الليبي على الأرض.
هل هناك نية للاستمرار في طرح مبادرات جديدة بشأن الأزمة الليبية؟
بطبيعة الحال المغرب مستعد دائما لذلك، وإذا ما كانت هناك مبادرات أخرى مفيدة، فالمغرب سيساهم فيها أيضا، ومستعد ليُسهم في إنجاحها.
في جميع نقاط التوتر، المغرب لا يتدخل إلا بالسلم والحوار، وانطلاقا من هذا المبدأ، فهو يساهم في عمليات القبعات الزرق في كثير من المناطق، سواء في أفريقيا أو في مناطق أخرى، في إطار جهود الأمم المتحدة، لأن لديه ثقة في دورها الإيجابي في حل الكثير من النزاعات على الأرض. هذا هو المبدأ العام الذي تسير عليه السياسات الخارجية للمغرب.
فيما يتعلق بالانتخابات القادمة – وإن كان الحديث عنها ربما لايزال مبكرا- ما هي استعداداتكم لانتخابات عام 2021؟ وهل تتوقعون نتائج طيبة للحزب فيها؟
أنا دائما متفائل، ولذلك أتوقع نتائج طيبة للحزب، وأعتبر أن كل عمل سياسي يقوم به أي حزب سياسي، هو في عمقه استعداد للانتخابات المقبلة. فعندما أنجز وأحقق أهدافا في عملي الحكومي أو عملي في الجماعات، أنا أو أي حزب آخر، فهذا يعطي رسالة للمواطنين هل هذا الفاعل السياسي يدبر الشأن العام بطريقة جيدة؟ هل يُنتج؟ هل يُفيد؟، وعندما أتواصل مع المواطنين، وإن كان من باب القيام بالواجب تجاه المواطنين، ولكنه أيضا إعداد للانتخابات بطريقة أو بأخرى، كما تفعل جميع الأحزاب السياسية في العالم.
لكن النقاش المباشر حول الإعداد للانتخابات هذا لم يبدأ بعد حقيقة.
في مقابلة سابقة لـ "عربي21" مع أحد رؤساء الأحزاب المنافسة لكم سألته عن الانتخابات القادمة فقال بأنه يتوقع فوز "العدالة والتنمية"، ولكن هذا بسبب ضعف الأحزاب الأخرى وليس لقوة حزب العدالة والتنمية.. هل تتفق معه أم تعتقد بأن الحزب أصبح قويا وأكثر شعبية بعد مشاركته في الحكومة؟
هذا يحتاج إلى استطلاعات رأي دقيقة، لكني قد أميل إلى ما قاله هذا السياسي، فالمشهد السياسي عموما ضعيف، وبالتالي فمن يجتهد قليلا يظهر أكثر، وليس بالضرورة بفضل شعبية واسعة أو نجاحات كبيرة، ولكن ربما لأنه ليس هناك منافس قوي. هذا لا يمنع أيضا من الإشارة إلى أن حزب العدالة والتنمية له أيضا قيادات ومناضلات ومناضلين ذوي تجربة سياسية وامتداد شعبي، ويباشر عمله السياسي بمستوى معقول من الاحترافية.
ألا يخيفكم ضعف الساحة السياسية؟
نحتاج في الساحة السياسية إلى أطراف سياسية متعددة وقوية وفاعلة وقادرة على أن تُشكل قوة تأطير ووسيلة جذب للمواطنين للانخراط أكثر في العمل السياسي، والاهتمام أكثر بالعمل السياسي، والثقة في المؤسسات السياسية، سواء الأحزاب السياسية أو الهيئات المنتخبة.
الانتخابات المحلية التي تقدم فيها العدالة والتنمية في بعض المناطق.. كيف كانت مؤشرات المشاركة الشعبية فيها؟ هل كانت مُرضية أم أنها تعبر عن عزوف لدى المواطنين من المشاركة في الانتخابات؟
بكل صراحة، فإن نسبة المشاركة في الانتخابات العامة الأخيرة، سواء الانتخابات المحلية عام 2015 أو الانتخابات التشريعية عام 2016، لم تكن جيدة، لكنها مقبولة، وبطبيعة الحال الجميع يطمح أن يكون هناك اهتمام شعبي أكبر بالانتخابات، وأن تكون هنالك مشاركة أوسع، لأن ذلك سيعطي نتائج أفضل، ويعطي خريطة أكثر تمثيلية لأصوات وآراء المواطنين، وهذا ما نتمناه في الانتخابات المقبلة.
وهل يتجه الحزب إلى هذه الانتخابات موحدا وفي وضع أفضل مما كان عليه في الصورة الداخلية التي كانت عام 2016؟ هل تعتقد أن الحزب بوضع أفضل أم أنه تراجع خاصة بعد التأخر والإشكالات التي حدثت في تشكيل الحكومة عام 2016؟
صحيح أنه بعد فترة التوقف التي شهدت مرحلة تأخر تشكيل الحكومة، كان هناك بعض الخلافات داخل الحزب، وقد أثرت هذه الخلافات على عمل الحزب لفترة محدودة، لكن والحمد لله، مر المؤتمر الوطني للحزب بطريقة جيدة عموما، وبعد ذلك بدأنا الحوار الداخلي، الذي أوصى به المؤتمر، لنصل إلى قراءة مشتركة لتقييم ما وقع، وتقييم وضع الحزب، واستشراف مستقبل الحزب.
وبالفعل نظمنا هذا الحوار الداخلي على امتداد سنة ونصف، وشارك فيه آلاف من أعضاء الحزب، ونُظمت فيه عشرات الندوات في مختلف جهات ومناطق المغرب، والحمد لله أسفر عن نتائج طيبة، وقد نشرنا خلاصات الحوار الداخلي في كتيبات طُبعت، وأيضا نشرناها إلكترونيا على أوسع نطاق، كما سُلمَت لأعضاء الحزب.
وهذا الحوار الداخلي أسهم في التعافي النسبي للحزب، وفي عودة نشاط الحزب، وبالتالي يُمكن اليوم أن نلاحظ بسهولة كثرة أنشطة الحزب وحيوية فروعه، سواء على مستوى التواصل الداخلي أو التواصل مع المواطنين، إذ أصبح الحزب أكثر نشاطا وحماسا ونجاحا من ذي قبل، وهذه الأنشطة تزداد في وتيرتها وفي نجاحها، وهذا يدل على هذا التعافي الذي أشرت إليه.
وتجدر الإشارة أنه في جميع الحالات، هناك مستوى معيّن من عمل الحزب بقي مستمرا بنجاح، ويتعلق الأمر باستمرار اشتغال مؤسسات الحزب وهيئاته، وانتظام لقاءاته في مواعيدها المحددة وفق نظامه الأساسي، وباستمرار العمل الذي يقوم به أعضاء الحزب في البلديات، سواء كمسؤولين أو كمشاركين مع أحزاب أخرى، أو في الحكومة أيضا أو في البرلمان.
وبقيت مشاركة الحزب دائما، والحمد لله، متميزة وفاعلة ومتفاعلة مع الأطراف السياسية الأخرى، ولذلك اليوم، فالحزب في صحة جيدة، داخليا وتنظيميا ومعنويا وسياسيا، ونحن نطمح أن نزيد أكثر، وأن تتميز الساحة السياسية المغربية عموما بمختلف مكوناتها بنسبة مقبولة من المصداقية لدى المواطنين.
مع الحديث عن هذا التعافي، هل تزعجكم بعض الخرجات الإعلامية لرئيس الوزراء السابق عبد الإله ابن كيران وتعقيباته على عمل الحكومة أو الحزب؟ وهل توجهون له رسالة في هذا الإطار؟
أولا، الأستاذ عبد الإله ابن كيران هو من قيادات الحزب ومؤسسيه، وكان رئيسا للحكومة، وبالتالي من حقه أن يبدي رأيا في عمل الحكومة، أو يبدي رأيا في عمل الحزب. ونحن لا ننزعج إذا ما عبّر أي عضو في الحزب مهما كان صغيرا عن رأيه، فكيف إذا كان قياديا وأمينا عاما سابقا ورئيسا سابقا للحكومة.
أما الرسالة إلى الأستاذ عبد الإله ابن كيران، فأنا لا أحتاج إلى الإعلام لتوجيهها، فأنا يمكن أن أوجهها له مباشرة دون وسائط.