كيف نحرر المعتقلين السياسيين في مصر؟ سؤال مطروح على كثير من الموائد والمحادثات والجلسات، ولكنه دائما سؤال بلا إجابة.
هذا السؤال بلا إجابة ليس لصعوبته أو استحالة إجابته، ولكن لأن المنوط بهم الرد على هذا السؤال بين صنفين؛ أولهم عاجز بائس لا يملك من الأدوات أو الفكر أو الحيل أو الخيال ما يمكنه من الإجابة، والآخر مستفيد من هذا الوضع إما لموقع سياسي أو إعلامي أو مادي أو غيره!
ولكن هل هذا الواقع البائس يعني أن هذا السؤال قد حُرمنا من يجيبه؟ في رأيي أن هذا السؤال بالأساس موجه إلى الأشخاص الخطأ، فالنخبة والساسة الحاليون هم من أوصلوا المعتقلين لما هم عليه الآن، بل هم من أوصلوا مصر إلى ما هي عليه الآن. وهنا أتحدث عن النخب من كافة التيارات، من الإسلاميين إلى الليبراليين واليسار والتقدميين، وكل من كان جزءا من إدارة العملية السياسية والتوجيه السياسي منذ 2011 وحتى وقوع الانقلاب العسكري في مصر وما بعده، سواء كان في السلطة أو في المعارضة!
فليس من الطبيعي أن من سقطوا في الاختبار الأساسي وأوصلونا إلى ما نحن فيه الآن أن يمتلكوا الحل للخلاص منه، وليس من المنطقي أن نظل نوجه لهم نفس السؤال بعد ما يقرب من سبع سنوات من الانقلاب العسكري، ولكن على آخرين أن يتقدموا ليجيبوا على هذا السؤال.
حضرت يوم السبت الماضي (8 شباط/ فبراير) مؤتمرا تحت عنوان "مؤتمر دعم قضايا المعتقلين والمختفين قسريا في مصر"، نظمه المكتب العام للإخوان المسلمين في قاعة تابعة لأحد الأوقاف التركية في إسطنبول. المؤتمر انقسم لجزأين، الجزء الأول كلمات لضيوف مختصين منهم الدكتور عمرو دراج، وزير التعاون الدولي الأسبق بحكومة الرئيس الراحل محمد مرسي، والحقوقية الشابة هبة حسن، المديرة التنفيذية للتنسيقية المصرية للحقوق والحريات، وجولدان سولماز المحامية الحقوقية الدولية، وأوجور يلديرم المحامي وعضو الفريق الدبلوماسي لمنظمة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH).
وتحول الجزء الثاني من المؤتمر إلى ثلاث ورش عمل عن الآليات العملية لدعم المعتقلين والمختفين قسريا، شملت ورش العمل المحاور (السياسي- الإعلامي - الحقوقي) شارك فيها عشرات الشباب مع الأكاديميين والباحثين على رأسهم الأستاذ الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، والدكتور أحمد رامي والحقوقي هيثم غنيم، وتشرفت بالمشاركة في ورش العمل والأوراق التنفيذية.
خرج المؤتمر بعدد من التوصيات والاتفاقات الأولية على ورش عمل مستمرة وانعقادات مستقبلية لاستكمال مشاريع خاصة بتدويل قضية المعتقلين سياسيا وحقوقيا، ومبادرات واقعية لدعم المعتقلين في السجون، وآليات للضغط على النظام العسكري لوقف حملات القتل البطيء للمعتقلين، والضغط في اتجاه تشكيل جبهة دولية داعمة للإفراج عن المعتقلين السياسيين ووقف استخدامهم كرهائن لدى النظام العسكري لعرقلة أي عمل ثوري محتمل.
في حقيقة الأمر وجدت في هذا المؤتمر من الروح والأفكار ما يوازي جهد سنوات من بيانات إعلامية جوفاء وتصريحات عنترية فارغة، من سياسيين وحقوقيين لا يعبرون عن الواقع بشيء، ووجدت العشرات من الشباب الذي تطوع بتقديم جهد لإنجاح المؤتمر، إما بالمشاركة في التنظيم أو بطرح الأفكار وتقديم أوراق العمل. وتميز العمل في المؤتمر بأنه لا يستهدف اللقطة الإعلامية، ولكنه يستهدف وضع حلول عملية، فلم يستهدف المؤتمر الخروج بتوصيات براقة بقدر ما عمل على صياغة أوراق أولية يمكن البناء عليها لمشاريع عملية للتأثير وحلحلة المشهد، قد يعلن عنها إعلاميا بعد فترة وقد تدخل حيز التنفيذ أولا قبل الإعلان عنها، فالهدف الأساسي ليس جذب الأضواء الإعلامية ولكن الوصول إلى حلول ممكنة.
مررت بتجربة الاعتقال في عام 2017، وأعلم جيدا حال المختفين قسريا وحال المعتقلين في السجون. المعتقلون لا يهمهم التصريحات العنترية، وسئموا المقالات وذرف الدموع عليهم، ولكنهم يريدون مشروعات حقيقية لإنهاء معاناتهم، وهو ما وجدت باكورته في هذا المؤتمر ووسط هؤلاء الشباب ومن يدعمهم من النخب المحترمة.
هذا المؤتمر هو إشارة على مولد نخبة جديدة شابة، قد تكون قادرة على الإجابة على السؤال، نخبة شابة من جيل يناير لا تهدف إلى اعتلاء المنصات وجذب أضواء الكاميرات، ولكن تهدف إلى حل الأزمة، فأغلبهم بين باحث وبين ممارس في مجالات السياسة والاجتماع والاقتصاد وحقوق الإنسان، فهم مزيج بين شباب مستقلين أو منتمين إلى أيديولوجيات مختلفة، وبين شباب إسلاميين من مختلف التيارات الإسلامية، وشباب تيار التغيير بجماعة الإخوان المسلمين أو ما يصطلح عليه باسم "المكتب العام لجماعة الإخوان المسلمين"، ولكن القاسم المشترك بينهم هو مرارة الواقع والمأساة المشتركة، والإحساس بالمسؤولية عن حل هذه الأزمة واستعادة الثورة زمام الأمور من جديد.
أتمنى للنخبة الشابة الجديدة، أو من أحب تسميتهم "تيار الشباب" من مختلف الأيديولوجيات، أن تتمكن من الإجابة على السؤال الذي فشلت فيه النخبة التي شاخت.
(صورة لمؤتمر دعم قضايا المعتقلين)