قال وزير الخارجية الأردني الأسبق مروان المعشر إنه: "لا يمكن استخدام الوصاية الهاشمية على المقدسات، كرشوة من
الإدارة الأمريكية، من أجل القبول بصفقة القرن".
وأضاف المعشر في مقابلة إذاعية مع راديو البلد
المحلي في الأردن، إن "المسألة أكبر من هذا بكثير، والموضوع يتعلق بكل وضع
القدس وليس فقط الوضع الديني والوضع السياسي، وكيف نقبل بصفقة لا تتضمن سيادة
فلسطينية على القدس الشرقية، وموضوع السيادة الهاشمية يعني الذي كتب بالورقة
على أساس أنه منحة من الإدارة الأمريكية".
وأوضح الوزير الأسبق أن "القدس ليست منحة وهي
موجودة منذ زمن طويل حتى اتفاقية معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل تنص على ذلك
صراحة، لكن الأردن لن يقع في هذا الفخ والتهديد بأن تبقى السيادة الهاشمية أو
تستبدل بسيادة دولة أخرى، ليس هذا بيت القصيد والمهم هو حل مقبول للجانب الفلسطيني، يتيح له أن يحكم نفسه بنفسه ضمن دولة".
وفيما يلي نص الحوار:
بعد إعلان خطة السلام الأمريكية ما هو التالي
الآن؟
أعتقد لا يجب أن نسميها صفقة القرن، هي معاهدة
استسلام ليس أقل من ذلك، إذا نظرنا إلى
بنود هذا الاقتراح من قبل الإدارة الأمريكية، من الواضح أنه يغفل الجانب الفلسطيني
والعربي بالكامل، بل يتعامل مع الجانب الفلسطيني بنوع من الاستعلاء الواضح جدا، لكن
دعونا بالبداية نأخذ بعض ملامح هذه الصفقة (الخطة) حتى تكون الأمور واضحة ،هذه
الملامح تعطي إسرائيل كامل السيادة على القدس تعطي إسرائيل كامل السيادة على كامل
المستوطنات الإسرائيلية على غور الأردن، ثم تقول للجانب الفلسطيني إن قبلتم بهذه
الشروط نسمح لكم بأن تتفاوضوا على الباقي، والباقي لا يتضمن حق العودة، ولا يتضمن
السيادة الفلسطينية الأمنية على ما بقي من الضفة الغربية إلى ما شاء الله. وأكثر من
هذا وذاك، فإنه يقترح أيضا عملية تبادل للسكان بحيث يتم انتقال ما هو أكثر من 120 ألف فلسطينية من عرب الداخل، أو ما يعرف
بالمثلث على الحدود مع الضفة الغربية إلى الدولة الفلسطينية حتى تتخلص إسرائيل من
أكبر عدد من السكان العرب، هذه ليست بنود يمكن أن يقبلها أي عربي أو أي فلسطيني .
ما تأثير تلك الخطة على الأردن؟
هي تصفية للقضية الفلسطينية دون شك، هي قتل لحل
الدولتين مع أن الصفقة تتحدث لفظيا عن حل الدولتين، لكن حقيقة هي دولة واحدة ودولة
عنصرية وليست دولة ذات حقوق متساوية.
الأردن دائما كان ينطلق من موقع أن إقامة دولة
فلسطينية في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية هي مصلحة أردنية عليا، كما أنها
مصلحة فلسطينية والأردن لا يريد أن يتم تصفية القضية على حسابه، جاءت تلك الصفقة
لتفعل ذلك تماما تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن؛ أولا قتلت حل الدولتين، ثانيا ضم غور الأردن والقدس والمستوطنات، وثالثا إن لم تكن إسرائيل تريد حلا مبنيا على
أساس دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وإن لم تكن تريد
أيضا غالبية فلسطينية داخل الأراضي التي تسيطر عليها اليوم، واليوم هنالك أغلبية
فلسطينية؛ يعني عدد الفلسطينيين العرب يفوق عدد الإسرائيليين اليوم، إن لم تكن تريد
لا هذه وتلك، لم يبق لدى إسرائيل إلا أن تحاول تهجير الفلسطينيين والتهجير إلى أين؟ إلى الأردن.
أنا غيرت رأيي منذ زمن صحيح، أنا كنت رئيسا للخارجية، كنت أقول والمجتمع الدولي كله كان يقول بأن أي تهجير قسري للسكان بشكل
واسع في عالم وعصر اليوم لم يعد من الممكن، لكن بعد الأزمة السورية لم أعد أقول هذا. أنت تنظر إلى سوريا 6,5 مليون سوري تركوا بلادهم بسبب ظروف الحرب خلال أقل من ستة
أشهر، فلم نعد نستطيع أن نتكلم بأنه استحالة. ثم إن حل القضية على حساب الأردن ليس
فقط بالضرورة من خلال التهجير، ممكن أن ينسحبوا من تلك الأجزاء من الضفة الغربية، أي أن يبقوا في تلك الأجزاء التي يرغبونها (القدس، المستوطنات، غور الأردن)، وينسحبوا من
الأجزاء التي لا يريدونها، ثم يتوقعون أن تتلاقفها الأردن أو مصر وما إلى ذلك.
كيف تقيم الموقف الأردني من صفقة القرن؟
- الأردن لا يمكن له أن يقبل هذه الصفقة
رسميا وشعبيا، هذه عملية انتحار سياسي؛ لذلك أنا أعتقد أن الموقف الرسمي والموقف
الشعبي متطابقان في موضوع رفض الصفقة. نلاحظ أيضا أن السفيرة الأردنية لواشنطن لم
تحضر اجتماع البيت الأبيض الذي أعلن فيه الصفقة. أنا أعرف أنه مورست ضغوطات كبيرة
من قبل الإدارة الأمريكية بان تحضر السفيرة ورفضت. موضوع قبول الأردن للصفقة غير
وارد أبدا. الان نرى ردة الفعل على ما تم، أن تعرف أنه بين الأردن والولايات
المتحدة علاقات وعلاقات قوية اقتصادية وسياسية، وربما أنا خارج الحكم الآن وربما أنا انطباعي الآن؛ إن الأردن لا يريد أيضا إغضاب الإدارة الأمريكية في هذا الوقت، لذلك ربما الموقف الأردني يحاول شراء الوقت لمعرفة ما سيتم في الصفقة، بينما عدم الرد
رسميا ليس دليلا على الرفض أو عدمه، يعني أن الموقف الأردني متردد .
اقرأ أيضا: ما شكل الضغوط التي تحدث عنها ملك الأردن بملف القدس؟
ما هي آليات الضغط الأمريكية؟
- هناك أمران أولا؛ أنا لا أعتقد أن الأمور
وصلت إلى حد تهديد بقطع المساعدات، ثانيا الأردن ما زال يحتفظ بعلاقات واسعة في
الولايات المتحدة مع أركان صنع القرار في الولايات المتحدة، صحيح أن البيت الأبيض
وربما وزارة الخارجية تحت إدارة بومبيو القريب جدا من البيت الأبيض، صحيح أن موقفهم
سيئ للغاية من هذا الموضوع، ولكن هذا لا يعني بأن الأردن بلا أصدقاء، الأردن حتى
داخل باقي الإدارة الامريكية إذا تكلمنا عن البنتاغون، إذا تكلمنا عن سي آي إيه، إذا
تكلمنا عن وزارة المالية عدة وزارات في الولايات المتحدة هي حليف للأردن بشكل كبير، وإذا ما تكلمنا عن الكونغرس فهو بشقيه الجمهوري والديموقراطي حليف كبير للأردن. أنا أولا لا أعتقد أننا سنصل إلى مرحلة على الأقل قد تقطع فيها المساعدات، ولو شاء
الرئيس ترامب أن يقطعها، أنا أعتقد أن الكونغرس لن يجاريه، لكن هناك موضوع أهم من كل
هذا؛ عندما يتعلق الأمر بتهديد وجودي تصبح المساعدات ليست ذات قيمة. وأنت تذكر في
حرب الخليج، الأردن وعد بإلغاء كل ديونه في الحرب الأولى سنة 90 والأردن لم يدخل
هذه الحرب، يعني غير صحيح أن اعتمادنا على المساعدات الأمريكية يجبرنا على اتخاذ
مواقف، ستكون ضد ليس فقط أمننا القومي، بل ووجودنا كأردن .
هل أضعف موقف الدول العربية الموقف الأردني من
القضية الفلسطينية؟
موقف الدول العربية وأنا تحدثت على تلفزيون آخر قلت بلغة
دبلوماسية مخيبة للآمال وبلغة غير دبلوماسية، مخز، لم نرَ موقفا مشابها. أنا لا أستطيع التحكم بموقف الدول العربية، أنا أستطيع التحكم بالموقف الأردني. نستطيع
التحكم من خلال تعزيز الجبهة الداخلية، ونستطيع كذلك من خلال بناء اقتصاد معتمد على
الذات، ولهم الخيار بمساعدتنا أو أن نساعد أنفسنا، فقد انتهت مرحلة المعتمدين فيها
كليا على المساعدات من الخارج، حان الوقت لكي نعتمد على أنفسنا .
هل خيار الدولة الواحدة مازال مطروحا كحل
للقضية الفلسطينية؟
الحقوق المتساوية بالتأكيد ستنتزع انتزاعا لن
تعطى من قبل الاحتلال، لكن أنا أعتقد أنه حان الوقت لإطار جديد للقضية الفلسطينية؛ الإطار القديم المبني على حل الدولتين سواء أعجبنا هذا الكلام أو لم يعجبنا انتهى، وأصبح من الواضح أن إسرائيل تعمل بكل ما أوتي لها من قوة لتثبيت حل الدولة الواحدة
العنصرية. الحل في رأيي هو أن يطالب الفلسطينيون ليس فقط إسرائيل والمجتمع الدولي
بكامله، ونقول لا تريدون إعطاءنا دولة، نريد منكم حقوقا متساوية، أما لا للدولة ولا
للحقوق، فهذا شيء غير مستدام، والاحتلال لو لم يقبل به، الديموغرافيا كفيلة بفرض
نفسها. اليوم غالبية فلسطينية ضئيلة بعد عشرين سنة سيكون 60 % الـ 65 % من السكان بـ
40 سنة سيكونون 70 % إلى ماشاء الله".
هل نقسم الملفات مع الاحتلال؛ نرفض صفقة القرن
وفي الوقت نفسه نمضي باتفاقية الغاز؟
- أنا لم أفهم اتفاقية الغاز لا ماضيا قبل
صفقة القرن ولا حاضرا ولا مستقبلا، لا أفهم كيف يمكن لنا أن نعطي قرارنا في موضوع
الطاقة ونستورد 40% من حاجاتنا من الطاقة، من دولة تعمل مباشرة ضد المصلحة الأردنية
العليا؟! قيل الكثير بأن الغاز الإسرائيلي رخيص أو أرخص من غيره. أولا هذا الأمر
يحتاج إلى براهين ودلائل، طالما أن الاتفاقية سرية، لا يسمح لنا النظر إلى بنودها
مناقشة في ما إذا كان هذا الأمر صحيحا، فأنا لا أقبل أن يقال لي إنه أرخص دون براهين
هذا أولا. ثانيا حتى ولو كان الغاز الإسرائيلي أرخص، أنا أقايض وجودي كأردن بمئة
مليون مثلا دولار في وفر في الطاقة؟ أنا أتكلم عن وجودي كأردن وأعتقد أنها يجب أن
تلغى.
هل فرضت اتفاقية الغاز على الأردن؟
- أنا بطبيعة الحال لست مطلعا على التفاصيل،
ولا أعرف من هو الذي فرضها. سمعنا الكثير أن الولايات المتحدة مارست الضغوط
لتمريرها ليس هذا معناه أن نقبل بهذه الضغوط، أنا أذكر عندما كنت سفير الأردن في
الولايات المتحدة أنها مارست ضغوطا كبيرة لأن نشتري طائرات بوينغ ولا نشتري إيرباص، ولم نرضخ لهذه الضغوط وعملنا ما هو في
مصلحتنا وهو الإيرباص. وأنا أذكر في عهد الملك المغفور له الحسين، ونتنياهو بعث أحدا ليقتل خالد مشعل وهدد الملك بإلغاء كل الاتفاقية، نعم كل دولة وخاصة نحن دولة
صغيرة وضعيفة تتعرض للضغوط، لكن هذا لا يعني أن نرضخ، خاصة إذا كان الثمن وجودي.
ما تفسير عدم إلغائها غير الضغوط؟
- أنا أتفق معك أنه لا توجد إرادة لإلغاء الاتفاقية
وليس فقط مجلس النواب، أولا يعني كيف لاتفاقية تربط مصيرنا لـ15 سنة قادمة وألا
يناقشها مجلس النواب، كيف لمثل اتفاقية كهذه أن تبقى سرية، وكيف يمكن هذا التبرير
الحقيقي غير المقنع أنها لم توقع بين حكومات وقعت بين شركتين؟! يعني أنا آسف في شوية
استغفال للشعب الأردني عندما يقال هذا الكلام، واليوم طلع نتائج الدراسات
الاستراتيجية 66 % من الناس يريدون إلغاء الاتفاقية، وهؤلاء ليس لهم وزن يعني هناك
تجاهل غير مبرر لهذا الموضوع، برأيي هذا لن يتركه الناس كل ما تقدم الزمن نلاحظ أن
هناك حالة عداء تزداد بيننا وبين إسرائيل، فلا يمكن لنا تبرير الاستمرار
بالاتفاقية.
الحكومة وليس هذه الحكومة فقط غير شفافة في
موضوع اتفاقية الغاز، من الحكومة التي وقعتها إلى الحكومة التي وافقت عليها إلى
الحكومة الحالية، وأنا أتفق تماما في موضوع الشفافية.
أعتقد أن تعزيز الجبهة الداخلية يعني أفضل ما
يمكن أن نفعله، نحن نجابه اليوم تهديدا وجوديا، وأنا أتفق تماما، ذلك يعني أن هذا التهديد
الوجودي من دون أن تكون الجبهة الداخلية معززة، ونعني بأن تكون معززة بأن يكون
المواطن الأردني شريكا حقيقيا في صنع القرار، يعني أن الحكومة تكون شفافة عليها
رقابة حقيقية من مجلس النواب، بمعنى وجود مجلس نواب مثل ما رأينا سنة 89 -90 الذي
كان فيه رقابة حقيقية على الحكومة، والذي يسمح للناس بإعطاء رأيها لدرجة لما صارت في حرب الخليج الضائقة الاقتصادية وزادت ولم تقل عن تلك سنة 89، لم يخرج أي أحد إلى
الشارع ضد الحكومة، لأنه كان هناك شعور بأنه المواطن شريك حقيقي في صنع القرار.
نحن للأسف ربينا ثقافة أنه أنت إذا كنت ابن أو بنت
الدولة ليس بالضرورة أن تعارض نهائيا، لا في الخارج ولا في الداخل. هذه الثقافة لم تكن موجودة
عنا نحن في السابق، كان عندنا ما دام كلنا متفقين على جلالة الملك وكلنا متفقين على
المظلة، نحن لدينا آراء ليس لدينا أحزاب فعلية.
في حال استمر التصعيد الإسرائيلي في ملف ضم غور
الأردن هل يمكن أن تصعد المملكة؟
أنا خارج الحكم، ولا أعلم صانع القرار، لكن أنا أعتقد أن إسرائيل ستقوم بالتصعيد في هذه الأمور وغيرها من الأمور، ومن الصعب جدا
على الأردن أن يتجاهلها، ومن الصعب جدا أن نبقي على أي حل للتقارب مع إسرائيل.
إذا كنت أنت شخصيا بالحكومة وقت اتفاقية الغاز
ماذا كنت ستفعل؟
- المصلحة الأردنية العليا اليوم هي في إلغاء
هذه الاتفاقية مهما تكن العوائق الاقتصادية، وأنا أقول حتى لو (بدنا) ندفع المليار
ونصف، هذا الخيار أفضل من أن نرهن مستقبلنا السياسي بيد دولة تعمل ضد مصلحتنا، وأيضا
ضد وجودنا. برأيي لا وجود لأي مبرر لا سياسي ولا اقتصادي لعدم لإبقاء هذه الاتفاقية.