التحديات الكبيرة الخطيرة التي يطرحُها على أمتنا وضعُها المأساوي الراهن، وضعُ التقاتل البينيِّ والتخاذُل والتمزُّق والتآكل، وضعُ التبعية السياسة المهلكة لدول وقوى ولاعبين دوليين طامعين استباحوا أوطاناً وشعوباً، وضعُ ارتهان إرادة حكام وساسة ومسؤولين لأعداء الأمة العربية والدين، وموالاتهم أعداءها وتحالفهم معهم ضد مصالح البُلدان والناس، ونكوصهم عن مناصرة الشعب
الفلسطيني وقضية العرب المركزية، قضية فلسطين.. لا سيما في هذا الوقت الذي يجري فيه العمل لتصفيتها بما يُسمى "
صفقة القرن" التي يعتزم الصهيوني- العنصري دونالد ترامب إعلانها خلال الأسبوع القادم كما قال، وبعض قوله اختلال.. تلك التحديات وذلك الوضع يظهران الوجه البشع لتآمر بلدان وسياسات وقوى دولية على الأمة العربية عامة، وعلى الفلسطينيين من بين أبنائها بصورة خاصة، ويكشف تواطؤاً مُزمِناً ضدهم وعداءً لهم وتآمراً متجدِّداً عليهم، وضلوعَ دول وسياسات عربية في ذلك الأمر.. ويكشف تورُّماً سرطانياً لحُكَّام وساسة ومسؤولين "عرباً"، يضعون أنفسهم ومصالحهم ومراكزهم فوق الشعب والوطن والأمة، ويرون أنهم "رأساً وأولاً وآخراً وحضوراً ودواماً وخلوداً؟!"، ويرون الأوطان مزارع لهم والناسَ أذناباً وخدماً وتبَعاً وحطَباً وأكباشاً ينحرونها ويحرَقنها على مذابحهم "المقدَّسَة؟!"، ليشبعوا غرورهم ويرضى عنهم العنصريون والمتصهينون والاستعماريون والطامعون الذين يراهنون عليهم خيولاً في سباق النهب، وهم يتباهون بذلك الرضا "القتال" حتى لو جوّع الشعب وأرهقه، وزلزلَ الحقَّ والعدلَ واليقين، وتطاول على الهوية والدين، وأغضب الله والناس أجمعين.
إن هذا الوضع المأساوي بل الكارثي بامتياز، بما حمله ويحمله من مخاطر، لا سيما في القادم من الأيام والحوادث، وبما سببه ويسببه من تخاذل وعجز وإفلاس، وبما يكرسه من تواطؤ مكشوف ضد أعدل قضية، قضية الأمة ومسؤوليتها الأولى والأهم، قضية فلسطين، وضد كل من يقاوم هذا التواطؤ ويتصدى للسياسات التصفوية المقيتة البئيسة.. وبما يؤججه من صراعات أهلية داخلية، وعربية عربية، وعربية إسلامية، وما يضيفه إلى الواقع المُرّ من إباحة للأوطان، واستباحة للسيادة، وتهديد للحقوق والوجود، وبما يؤسس له ويلوِّح به وينشره من تفاقم للظلم والاستبداد والفساد والإفساد، وتهديد للأفراد والجماعات في مواضيع الحقوق والمِلْكية والحريات، ومن قهر وانعدام فُرَص وانسداد آفاق واستمرار إنهاك وانتهاك، وتشريدٍ وفقدان الأمن من جوع وخوف.. إنَّ كل ذلك يصبُّ في مجريين مترافدين متكاملين:
مجرى يجعل الاحتلال القائم لأجزاء من أقطار عربية، والمتموضِع على شكل قواعد عسكرية في أقطارٍ أخرى، والتحكم بقرارات سياسية وإرادات سيادية عربية، والحاكم فعلياً بهيمنة أمنية وعسكرية واقتصادية.. يجعله في استقرار واستمرار وازدهار، وانفتاح شهية على القتل والفتك والنهب والتفكيك والتفتيت، ورغبة استعمارية - استحواذية في تصعيد وتائر التهديد والوعيد بمزيد من التدمير والعجرفة والتجذُّر في الأرض والمناهج والتدبير والتفكير.
ومجرى يجعل الناس شراذم، والبلدان فوضى وميادين صراع وسواقي دماء، ويرفع الجهالة والجريمة بطولة، والعمالة وجهة نظرٍ وفحولة.. مجرى يجعل بلداننا العربية مُقسّمة ومقزَّمة ومتخلّفة متدابرة ومتناحرة، ويحيل أخرى إلى مشاريع دول فاشلة.. فيها سلطات صورٌ لسلطات وصور، فاقدة القدرة على الأمر والنهي، ترفع شعارت وتغرق في مستنقعات، وتخوض مساعٍ لحل أزمات ولجم ضائقات هذا إن هي تطلعت لخير مواطنيها وأرادته.. فلا تفلح إلا في نهش جماهيرها وقتل مناضليها واستبعاد القادرين من أبنائها.. تلاحق شبابها بالاعتقال والتهديد والبطالة والجهل والتشريد..
وكل ذلك يعطي للتحديات والمخاطر الخارجية وللطامعين والمغامرين دفعاً وقدرة ومنعة، ويضعف التصدي العربي الجاد ويحاصره ويلجمه، ويقدم للمد العدوان الصهيوني- الأمريكي على الخصوص، ولتوسعه وحصاره ومشاريعه الهادفة إلى إقامة "كيانات عميلة يسميها دولاً" داخل دول عربية أصلية أصيلة، ولخططه في تصفية قضية فلسطين، أساساً بـ"صفقة المقاول ترامب أو صفعته".. يعطي لذلك الإجرام الصهيوني- العنصري "الأمريكي-
الإسرائيلي" مدى ومَداً ولممارساته تلك "مشروعية-دي فاكتو؟!"بصهينة مواقف عربية موالية له أو تابعة أو مقهورة أو منذورة لفتح أبواب لأعداء الأمة يصعب أو يستحيل إغلاقها بسبب ربط مصير بتدبير، وديمومة وجود بتفريط وتبذير.
وكل ذلك يستدعي وقفة عربية من نوع فريد مجيد، وقفة ذات من أجل الذات والحياة، وقفة يواجِه فيها الإنسان نفسَه بالحقائق والوقائع والواقعات والتحديات والواقع، لا سيما إن كان الإنسان مسؤولاً يحمل أمانة أمة ووطن أمام الله والشعب والضمير.. إن عليه مسؤولية وعلينا جميعاً أن نواجه الأعداء والمخططات والأوضاع القائمة والتحديات التي تستهدفنا في واقعنا ومستقبلنا، وتستدعي منا أن نقف بعزم وعلم ووعي وإيمان لندافع عن وجودنا وهويتنا ومصالحنا وكرامتنا وعقيدتنا، وأن تحشد الأمة طاقاتها الكبيرة للدفاع عن ذاتها، وأن نقول وتقول لتجار السياسة والمبادئ والدم والسلاح والطاقة والحروب، ولطلاب الخلود ممن يبتلعهم الوهم ويعيشون التوهم: "كلٌ إلى زوال ولا يبقى إلا وجه الله، وكلٌ يُسأل عما يفعل، ولا تزر وازرة وزر أخرى.. ويبقى الذكر الطيب والعمل الطيب، ويرتفع الناس درجات بإقامة العدل والحق، بالوعي والضمير الحي، بخدمة الناس والأوطان بإخلاص.. وأنه لا بد من نزول، بأيدينا أو بأيدي غيرنا فاختاروا.. والقول في هذا قول كعب بن زهير:
كلُّ ابن أنثى وإن طالت سلامَتُهُ... يوماً على آلةٍ حَدباء مَحمولُ
لن يخلد فيها أحد، وكلٌ يؤول من بعد البعد إلى بطون اللحود ومراتع الدود، حيث لا خلود إلا لله بديع السماوات والأرض الذي أبدع الوجود.. كفاكم ما فعلتم من عداء ولَدَدٍ وفرقة يا مَن واليتم الأعداء وصرتم إلى عداء، كفاكم تبعية وموالاة لمن لا تجوز موالاتهم شرعاً ".. وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (المائدة: 51).. عودوا ولنعد جميعاً إلى الأمة والحق والعدل فالعود أَحْمَد.. إننا على شفا الهاوية فاحذروا أن نهوي جميعاً، ولنعمل على أن ننقذ أنفسنا وأوطاننا ونُسْتَنْقَذُ.. كفوا عن تهميش الشعب وقتل الشعب وإنهاك الشعب، فهو درع من يدَّرع به، ولا يوجد منتصرٌ حق إلا بشعبه وانتمائه لشعبه وليس على شعبه..
فلنكن على قلب رجل واحد فكلنا مسؤولون، والعواصف في بحرنا تهيج، ومراكب أمتنا تغص بالأطفال وتحمل مستقبلها ومستقبل الأجيال، وهي مراكب لحقت بها "ضَعْضَعَة"ومحاطة بأهوال، وعُرضة للغرق.. فلنتق الله في أنفسنا وديننا وأمتنا وفي أوطاننا والناس..
والله وليُّ الصابرين..