ما أسباب رواج "نظرية المؤامرة" بعد اغتيال سليماني؟

يُسارع عامة الناس، وشرائح متنوعة من النخب الفكرية والسياسية في عالمنا العربي بعد وقوع الأحداث السياسية الضخمة إلى إعمال نظرية المؤامرة ومفرداتها، وبالاعتماد على التحليل الرغائبي في قراءتهم للأحداث وتحليلها، حتى يغدو التفسير وفق ذلك المنظور هو الأكثر رواجا وشيوعا.

وهذا ما كان لافتا بشدة في أحداث الأسبوع الماضي بعد الاغتيال الأمريكي لقاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الجمعة الماضي، وما تبعه من قيام إيران بهجوم صاروخي على قواعد عسكرية في العراق انتقاما له.

رواج تلك الرؤى التفسيرية دفع أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، الدكتور عبد الله الشايجي للتعبير عن استهجانه من بعض التحليلات التي يدلي بها كثيرون ممن ليس لهم علاقة بالتحليل السياسي والاستراتيجي، على حد وصفه.

وكتب في تغريدة له عبر حسابه على تويتر "يحللون رغائبيا أكثر منه استراتيجيا عن تداعيات عملية اغتيال قاسم سليماني، هؤلاء لا يرون أبعد من أنفوهم.. ينطبق عليهم المثل الشهير أشير "إلى القمر، وينظرون لإصبعي".

وفي ذات الإطار، أبدى الكاتب والمحلل السياسي الأردني، ياسر الزعاترة انزعاجه من تلك الرؤى والتعليقات، واصفا إياها بـ"المسكونة بروحية المؤامرة، والتي تتعامل مع السياسة المركّبة والمعقّدة برؤية سطحية لا تمت للمنطق بصلة، الأمر بات يشكل عبئا من الصعب احتماله.."، بحسب ما جاء في تغريدة له عبر حسابه على تويتر.

اقرأ أيضا: حراك الشارع العربي: أين أصحاب نظرية المؤامرة؟

من جانبه، أرجع الكاتب والأكاديمي الكويتي، الدكتور فهد راشد المطيري، رواج تلك الرؤى التفسيرية وشيوعها إلى عدة أسباب، من أبرزها: سيادة اللاعقلانية في ثقافتنا، فالعقلانية تقتضي استبعاد التفسير غير المدعوم بدليل لصالح تفسير مدعوم بدليل، ونظرية المؤامرة تقتضي العكس تماما.

وقال المطيري في حديثه لـ"عربي21": "من جانب آخر، وفيما يتعلق بهذه القضية تحديدا، أغلب الذين لجؤوا إلى نظرية المؤامرة يمثّلون أطرافا هامشية في الصراع الدائر، وهذا طبيعي، فالافتقار إلى إرادة سياسية وقوة على الأرض يدفعان الأطراف الهامشية إلى التقليل من دور الأطراف القوية في إدارة الصراع، ونظرية المؤامرة تُلبي هذه الحاجة".

وردا على سؤال حول سبب مسارعة كثير من الناس إلى تغليب جانب التفسير التآمري بطريقة توحي وكأن كل ما يجري هو مسرحيات معدة بإحكام، مع عدم الالتفات إلى طبيعة الأحداث والقضايا السياسية المعقدة والمركبة، أجاب بأن "الإنسان في حاجة دائمة لتفسير ما يدور حوله، وهي حاجة تكاد تكون فطرية، ولكن اشتراط جودة التفسير أمر مختلف تماما".

وتابع: "إدراك طبيعة القضايا السياسية المعقدة يحتاج إلى وقت وجهد ومتابعة للوصول إلى تفسير جيد، ونظرية المؤامرة في المقابل تلبي حاجة الإنسان من دون أدّنى جهد أو نشاط ذهني، ومن دون اعتبار لمدى جودة التفسير".

واعتبر بأن "بعض وسائل الإعلام تلعب دورا كبيرا في تشويه الحقيقة وإخفاء المعطيات"، وهذا يخدم رواج "نظرية المؤامرة".

بدوره تناول الكاتب والباحث السياسي المصري، عمرو عبد المنعم، تحليل تلك الظاهرة بالقول: "نحن من جيل ظهر على الدنيا في وقت سادت فيه (نظرية المؤامرة)، فكان شغلنا الشاغل تفسير كل ما ينزل بالمسلمين والعرب من كوارث ومصائب بأنه يحدث نتيجة مؤامرة كونية".

وأردف: "العالم عند كثير من أبناء التيار الإسلامي يدار بحكومة العالم الخفية، وأن المسلمين أحجار على رقعة الشطرنج، ويروجون لنا منذ الصغر أن لعبة الأمم هي التي تسيطر كيف يتحكم بها اليهود وبروتوكولات حكماء صهيون في إدارة شؤون العالم".

وإجابة على سؤال "عربي21" حول تأثير شيوع تلك الرؤى التفسيرية، لفت عبد المنعم إلى أنها "عطلت الجهاز المفاهيمي عندنا، وأصبحنا نتواكل ونجعل كل فشل نصاب به بسبب عقولنا الضعيفة، ونحن غافلون نائمون حين نغدو على يقين من أن المؤامرة كبيرة لهذه الدرجة كان الاستسلام لها هو العامل الأساسي في التعامل مع الوقائع والأحداث".

وتابع قائلا: "أفضى ذلك إلى استسلامنا للشعور بالعجز، وأننا أصبحنا ضحية الإحباط، بدل أن نفتح الأعين والآذان لاستشعار المؤامرة قبل وقوعها، وأن تستفزّ الهمم ونستثمر القدرات والطاقات التي تملكها الأمة، فنضع لمواجهة المؤامرات أفضل الخطط، ونرد عليها بأذكى الأساليب".

وشدد عبد المنعم على أن "مواجهة فكرة المؤامرة يجب أن تكون بالمعرفة التاريخية، وبعدم الاستسلام للواقع، الذي تحداه الغربيون، ومن هنا حدث التقدم لديهم، ونحن ملنا إلى التغريب والاستسلام للأمر الواقع في كثير من الأحيان".

وختم حديثه بالدعوة إلى "أخذ زمام المبادرة بدوام العمل، واستمرارية البناء، عملا بحديث الرسول "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها".