من أفضل القرارات التي اتخذها مجلس النواب العراقي، يوم الأحد الماضي، قرار المطالبة بخروج القوات الأجنبية وخصوصا الأمريكية من العراق.
هذا القرار المهم، لن يكون له قيمة إلا إذا تم تطبيقه على كل القوات والعناصر الأجنبية، حتى لو كان بعضها يحمل الجنسية العراقية، لكن قلبه وولاؤه مع دول أخرى.
يوم الأحد صوت البرلمان العراقي فى جلسة طارئة، وبأغلبية كبيرة، على قرار استثنائي من خمسة بنود، "يلزم الحكومة بالعمل على إنهاء تواجد قوات التحالف الدولي وكذلك أى قوات أجنبية في الأراضى العراقية"، والهدف المعلن لهذا التواجد هو محاربة داعش.
وبحسب وجهة نظر رئيس الوزراء عادل المهدى، فإن هذا القرار هو المخرج الوحيد للأزمة المتصاعدة على خلفية قيام الولايات المتحدة باغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليمانى ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبومهدى المهندس فجر الجمعة الماضية في بغداد.
حينما أسقطت أمريكا صدام حسين، واحتلت أمريكا العراق عام 2003، فقد كانت السبب الأساس في كل الكوارث التي حلت بالعراق بدءا من حل الجيش مرورا بإثارة الصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية، ونهاية بالمساهمة في نشأة التنظيمات المتطرفة والإرهابية مثل داعش وتفريعاتها. لكن إحدى أهم النتائج لهذا الغزو، هو تمكين إيران من فرض هيمنتها بصورة تدريجية على العراق، حتى صارت اللاعب الرئيس في هذا البلد العربي الكبير، وصارت كلمة قاسم سليماني هي الفاصلة والحاسمة في معظم القرارات الاستراتيجية العراقية.
كان للولايات المتحدة أثناء الغزو وبعده مباشرة مئات الآلاف من الجنود فى جميع أنحاء العراق، ثم بدأ هذا التواجد والانتشار يتقلص شيئا فشيئا حتى انخفض إلى خمسة آلاف جندى، ينتشرون فى عدة قواعد عسكرية أهمها "عين الأسد" الجوية، غربا في محافظة الأنبار، وقاعدة "بلد" الجوية شمالا في صلاح الدين، وقاعدة "كي وان" في كركوك.
إيران لا يوجد لها جنود نظاميون رسميون، لكنها نجحت في إنشاء خلايا عسكرية هي "الحشد الشعبي". اللافتة الرسمية كانت بهدف مواجهة داعش والتنظيمات الإرهابية.
كان من المفترض أن يقوم الجيش العراقي بمواجهة داعش، لكن إيران عبر اتباعها بالعراق ضغطت لتأسيس هذه الخلايا على اساس مذهبي شيعي، لتكون ذراعا لها فى المستقبل، على غرار حزب الله في لبنان، والحوثيون فى اليمن.
انهزمت داعش وسقطت دولتها الإرهابية المتطرفة، لكن "الحشد الشعبي" استمر، واكتشفنا في أكثر من مناسبة أن ولاءه لإيران أكثر منه للعراق.
قبل أسابيع ثار الشعب العراقي على الطبقة السياسية الفاسدة والمستبدة، وكانت المفاجأة أنه صب جام غضبه على إيران وسياساتها ورموزها الدينية، وعلى "الحشد الشعبي" الذي واجه هذه المظاهرات بالحديد والنار، وأسقط مئات القتلى وآلاف الجرحى من المتظاهرين السلميين.
وفي اللحظة التي تصاعد فيها الغضب الشعبي العراقي إلى أقصى درجة، وقدمت الحكومة استقالتها، وبدأ البرلمان في مناقشة تعديل التشريعات الظالمة، قتلت أمريكا سليماني وبعض قادة الحشد، فاختلطت الأوراق، وعادت الحياة مرة أخرى إلى المليشيات والاصطفاف الطائفي.
نشكر البرلمان العراقي أنه صوت على إخراج القوات الأمريكية من العراق، ونتمنى أن يجد القرار طريقة للتنفيذ فعلا، لكن الأهم أن يكون هذا البرلمان قادرا على إخراج الوجود الإيراني، وأن يتمكن من تفكيك هذه الهيمنة الإيرانية، التي بدأت بإغراق الأسواق العراقية بالسلع الإيرانية، نهاية بتحكمها في تشكيل الحكومات العراقية.
حتى شهور قليلة ماضية كان الإيرانيون يقولون إنهم موجودون بحكم علاقات تاريخية قديمة، ولمساعدة الشعب العراقي، لكن المظاهرات الشعبية العراقية، التي أحرقت القنصليات الإيرانية، وصور الخميني وخامئني. دليل على أن الشعب صار يرفض هذا الوجود.
وفي المقابل، كان الأمريكيون يزعمون أنهم موجودون لمقاتلة داعش، وهو زعم غير صحيح، وفي الماضى زعموا أنهم موجودون لإقامة الديمقراطية، ونعلم جميعا الحال الذي وصل إليه العراق في هذا المضمار!!
أمريكا أجرمت في حق العراق والمنطقة بأكملها، وإيران استغلت المذهب الشيعي ومجموعة من السياسيين بعضهم جواسيس ومشكوك في ولائهم، لغرض السيطرة الكاملة على العراق.
عودة العراق ليكون دولة عربية طبيعة، مرهونة بخروج كل القوات الأجنبية الأمريكية والغربية والإيرانية وأن يعود عراقا لكل مواطنيه عربا وكردا، سنة وشيعة.
(عن صحيفة الشروق المصرية)
انتهت اللعبة ولا يصارحون الفلسطينيين بذلك