بصورة لافتة، بدأ "معتقلو الرأي" في الجزائر، يخرجون تباعا من السجون، سواء عبر قرارات الإفراج أو تسريع المحاكمات، بطريقة توحي بأن ثمة إرادة لتسوية هذا الملف قبل إطلاق الحوار الذي وعد به الرئيس الجديد.
وكان في مقدمة المفرج عنهم اليوم، القائد الثوري زمن الاستعمار الفرنسي، لخضر بورقعة، الذي فوجئ محاموه اليوم بقرار قاضي التحقيق إطلاق سراحه، بعد محاولات حثيثة في السابق باءت كلها بالفشل.
ولقي بورقعة تعاطفا واسعا من الجزائريين، حيث كان المتظاهرون يرفعون صوره في مسيرات الحراك الشعبي، خصوصا في الفترة الأخيرة التي تدهورت فيها صحته ما اضطر إدارة السجن إلى نقله إلى أكبر مستشفى في العاصمة الجزائرية.
وقال بورقعة في أول تصريح له من بيته، إن أول ما سيقوم به هو زيارة البريد المركزي، في إشارة إلى أنه لا يزال متمسكا ومؤمنا بالحراك الشعبي رغم قضائه أكثر من 6 أشهر في السجن معزولا عن العالم الخارجي.
وأوضح عبد الغني بادي، محامي المجاهد بورقعة، أن موكله من الناحية القانونية استفاد من الإفراج، لكنه لا يزال متهما وستتم محاكمته بعد 10 أيام، بخصوص تصريحاته التي تحدث فيها عن الجيش.
وأبرز بادي في تصريح لـ"عربي 21"، أن ملف المجاهد بورقعة لم يكن يتطلب كل هذا الوقت ما دام الأمر يتعلق بتصريحات فقط، مشيرا إلى أنه يأمل في أن يتم إنصافه ويحصل على البراءة خلال محاكمته.
من جانبه، استفاد الجنرال المتقاعد، حسين بن حديد، من الإفراج اليوم، وهو المتهم بإضعاف معنويات الجيش بعد نشره مساهمة في جريدة الوطن الناطقة بالفرنسية يتحدث فيها عن واجب قيادة الجيش إزاء الحراك.
اقرأ أيضا : إفراج مؤقت بالجزائر عن أشهر قدماء حرب التحرير
وتوالت اليوم الأخبار السارة لأهالي معتقلي الحراك والمتضامنين معهم، بعد إعلان إطلاق سراح النشطاء بوعلام الغاز ولعموري بلعميدي والوافي تيقرين من قبل محكمة سيدي امحمد بالعاصمة.
ومن قسنطينة بالشرق الجزائري، اُعلن أيضا عن اعتقال الصحفي والمدون المنجي خلادي، وهو أحد أبرز نشطاء الحراك بالمدينة وعرف عنه حضوره الإعلامي الكثيف في القنوات للدفاع عن مطالب المتظاهرين.
وينتظر اليوم أن يطلق سراح عدد من شباب منظمة "راج" التي يوجد أبرز المنتمين إليها في السجون، بعد أن برمجت على عجل قضاياهم، علما أن معظمهم متابع بتهم تتعلق بمنشوراتهم على فيسبوك أو نشاطهم الميداني في الحراك.
مؤشرات على طي الملف
ويرى عبد الغني بادي، وهو محامي العشرات من مساجين الرأي كذلك، أن ما حدث اليوم يؤشر على وجود نية لطي ملف السجناء السياسيين، في انتظار أن تؤكد الأيام ذلك بإطلاق سراح باقي المعتقلين.
وأشار بادي، إلى أن عملية الإفراج عن المعتقلين، لا يمكن اعتبارها إنجازا للسلطة الجديدة كونهم لا يستحقون السجن في الأساس، ولكن ما يجري –حسبه- هو عملية تصحيح لمسار كان خاطئا من البداية.
ولا يزال لغاية الساعة العشرات من المعتقلين في السجون، في قضايا مختلفة منها ما يتعلق بحمل الراية الأمازيغية ومنها ما يرتبط بالمنشورات على وسائط التواصل الاجتماعي ومنها ما يتصل بالتحريض على التجمهر.
وفي تقدير أرزقي شعلال، مؤسس تجمع أهالي معتقلي الراية الأمازيغية، فإن عدد من يصفهم بـ"المساجين السياسيين"، هو بين 130 إلى 150 سجين موزعين على العديد من الولايات الجزائرية.
وذكر المتحدث وهو والد أمقران شعلال الذي أطلق سراحه قبل 3 أيام، بأن الواجب على السلطات اليوم هو الإفراج عن كل المعتقلين المتابعين بسبب نشاطهم في الحراك، وذلك دون أي شرط.
وأوضح شعلال في تصريح لـ"عربي 21"، أن المساجين الذين أطلق سراحهم في معظمهم قضوا فترة محكوميتهم، والمطلوب اليوم هو المسارعة لرد الاعتبار لكل المسجونين ظلما وتعويضهم إن اقتضى الأمر عن أشهر السجن التي قضوها.
وأبرز أن المتابعات ضد حاملي الراية الأمازيغية، تمت دون وجود نصوص واضحة في قانون العقوبات تجرم الأفعال المنسوبة للمتهمين، ما يجعلها في نظر القانون باطلة.
وبعيدا عن الجانب القانوني، لا يمكن فصل إجراءات الإفراج عن المعتقلين، عن الواقع السياسي الذي شهد عدة تغيرات من بينها وصول عبد المجيد تبون للرئاسة ورحيل رئيس أركان الجيش سابقا الفريق أحمد قايد صالح.
إجراء تهدئة قبل الحوار
وفي اعتقاد رابح لونيسي أستاذ العلوم السياسية بجامعة وهران، فإن إطلاق سراح سجناء الرأي يدخل في إطار خطوة تهدئة أولية ستتبعها إجراءات أخرى كالحوار الشامل مثلا وغيرها وستصل في الأخير إلى وضع آليات جديدة للنظام.
ويعتقد لونيسي حسبما قال لـ"عربي21"، أن الرئيس تبون سيحول سنوات رئاسته إلى ما يشبه عهدة تأسيسية تسمح ببناء هذه الآليات الجديدة، وبذلك سيكسب شرعية لدى الجزائريين، كما اكتسبها الرئيس بومدين عبر مشاريع التنمية التي أطلقها في السبعينات.
وأبرز لونيسي، أنه تبون اليوم في ظل المعطيات الجديدة خاصة بعد رحيل رئيس أركان الجيش، قد تحرر مما كان يكبله في السابق، إذ كان من الصعب عليه اتخاذ مواقف تعاكس رغبة قايد صالح الذي ساعده في الوصول للرئاسة، وهو ما جعله في السابق يظهر مرتبكا عند الإجابة حول كل سؤال يخص سجناء الرأي.
ويرى المتحدث بأن ثمة مؤشرات للتفاؤل، أبرزها أن قيادة الجيش ستنتقل لضباط شباب يريدون جيشا احترافيا لا يهتم بالسياسة الا في حدود الأمن الاستراتيجي للجزائر كما يحصل في الدول الديمقراطية، لكن كل هذا مرتبط، حسبه، بقدرة الطبقة السياسية على التسيير الحسن للشأن السياسي وتفادي انفجار اجتماعي، حتى يقوم الجيش بمهامه الدستورية على أحسن ما يرام.
هل تشهد الجزائر ميلاد دستور يتجاوز مصالح الطبقة الحاكمة؟
ماذا وراء النسب و"الأرقام" في انتخابات الرئاسة الجزائرية؟
ما مستقبل علاقات الجزائر بقيادة تبون مع تونس والمغرب؟