حذر اقتصاديون ومختصون أثريون مصريون، من الخطوات المتسارعة التي يقوم بها نظام الانقلاب العسكري، برئاسة عبد الفتاح السيسي، لتقنين بيع وتهريب الآثار المصرية، في إطار خطة البحث عن بدائل عاجلة لمعالجة الأزمات التي يعاني منها الاقتصاد المصري.
وأكد الخبراء الذين تحدثوا لـ "عربي21"، أن تكليف السيسي للحكومة بوضع خطط عاجلة للاستثمار في قطاع الآثار، كانت ترجمة واضحة لعدة إجراءات بدأت لتقنين عمليات بيع وتهريب الآثار المصرية، تمثلت في إنشاء صندوق سيادي فرعي من الصندوق السيادي المصري، مختص بالاستثمار في الآثار المصرية.
وجاء التكليف الجديد بالتزامن مع تصريحات لوزير الآثار والسياحة، أبدى فيها استعداده لتوريد القطع الأثرية للمستثمرين الراغبين في بناء متاحف.
وحسب الخبراء، فإن عمليات تهريب الآثار نشطت بشكل واضح بعد الانقلاب العسكري، وبدأت عمليات بيع التماثيل والآثار المصرية في المزادات الدولية، تظهر بشكل متزايد في أوروبا وعدد من الدول العربية، وهو ما يجعل الشكوك تحيط بإجراءات وخطوات نظام السيسي المرتبطة بالآثار المصرية.
تاريخ مشبوه
من جانبه يؤكد الخبير الاقتصادي، علاء السيد، لـ "عربي21"، أن فكرة الاستثمار في قطاع الآثار في حد ذاتها جيدة، ولكن المشكلة في التاريخ المشبوه للنظام العسكري في التعامل مع الآثار المصرية، وهو ما يجعل أي خطوة يتخذها محاطة بالشكوك والتخوفات، من الأهداف الخبيثة التي تقف وراءها.
اقرأ أيضا: شبهات فساد واحتكار في استيراد مصر للحوم الحلال
ويشير السيد، إلى أن الفترة التي تلت الانقلاب العسكري في تموز/ يوليو 2013، شهدت أكبر عمليات تهريب للآثار، تحت رعاية وحراسة الجيش والأجهزة الأمنية المختلفة، سواء الآثار التي تم تهريبها بإشراف محمود السيسي، من مطار القاهرة بعد قطع الكهرباء عنه في حزيران/ يونيو 2017، وظهرت بعدها في متحف اللوفر بأبوظبي بالإمارات، أو من خلال تهريب محتويات المتاحف المتنقلة التي تجوب أوروبا، كما حدث مع مقتنيات "الملك توت عنخ آمون" مؤخرا.
ووفق الخبير الاقتصادي فإن وزارة الآثار اعترفت باختفاء 32 ألف قطعة أثرية من مخازنها خلال السنوات الماضية، بينما تم استرداد أربع قطع فقط خلال العامين الماضين، من الآثار المهربة، وهو ما يدعم المخاوف التي تحيط بإجراءات السيسي، خاصة أنه يعاني من أزمة اقتصادية طاحنة نتيجة تراكم الديون وفوائدها، وانخفاض معدلات الاستثمارات الأجنبية والمحلية بمصر.
ويعتبر السيد، قرار السيسي بإنشاء صندوق سيادي فرعي من الصندوق السيادي المصري، متخصص للاستثمار في الآثار، وتحصين الصندوق من المساءلة والرقابة القضائية والتشريعية، هو بداية لتقنين أكبر عملية نهب وسرقة للآثار المصرية، حيث أصبح من حقه بيع الآثار، أو تأجيرها بنظام حق الانتفاع الطويل، كما حدث مع منطقة باب العزب في القلعة مؤخرا.
ويضيف السيد قائلا: " نظام السيسي تنازل عن الأرض المصرية، وقتل بدم بارد آلاف المصريين، وترك الغاز المصري لإسرائيل، ويقوم بتأجير جيش مصر لمن يدفع أكثر، ويقوم بتهريب الذهب أمام مرأى ومسمع الجميع، ودمر سيناء وشرد أهلها، فلا يمكن لهذا النظام أن يحافظ على الآثار المصرية، لأنه يعتبرها ملكا له، وكل الإجراءات التي يقوم بها، هي عملية خداع للشعب المصري المغلوب على أمره".
استثمار بشروط
ويؤكد الباحث الأثري المصري، حسين دقيل، لـ "عربي21"، أن تركيز نظام السيسي، حول ملف الآثار خلال الفترة الأخيرة، يدفع بالعديد من القراءات والتخمينات، خاصة أن قطاع الآثار يعاني بالفعل من إهمال، وفساد، وخسائر مادية متواصلة، ويحتاج لاهتمام من الدولة، ولكن هذا الاهتمام هل يكون لصالح الآثار، أم لخدمة أغراض أخرى يرتب لها النظام.
ويدعم دقيل، الحاصل على دكتوراه في الآثار الفرعونية واليونانية، فكرة الاستثمار في قطاع الآثار، من خلال بناء متاحف يتم فيها عرض الآثار المصرية من مختلف العصور، ولكنه اشترط أن يتم ذلك وفق شروط وعقود واضحة تضمن حق الدولة في حماية ورعاية هذه الآثار، وأن تخضع هذه المتاحف لرقابة الأجهزة المعنية، سواء كانت متخصصة في الآثار، أو الرقابة الأمنية والمحاسبية.
اقرأ أيضا: هل تستمر مصر على قائمة أكثر بلدان العالم استيرادا للقمح؟
ويبرر دقيل رأيه، بأن وزارة الآثار، مديونة بأكثر من 5 مليارات جنيه (313 مليون دولار)، نتيجة تراجع معدلات السياحة خلال السنوات الماضية، وهو ما يعرقل كل فرص تطوير هذا القطاع سواء من حيث الاكتشافات أو الترميم، وبالتالي فإن دخول المستثمرين بهذا المجال وفقا لاشتراطات وضوابط معينة، يمكن أن يساهم في تطوير قطاع الآثار بكل مكوناته، والذي يمثل حاليا 15% فقط، في نسبة الزيارات السياحية الواردة لمصر.
وحسب دقيل فإن الآثار التي سيتم عرضها في المتاحف الخاصة، مملوكة للدولة، ويجب أن تخضع لإشراف وزارة الآثار في عمليات النقل والترميم والصيانة، ويكون لها كود آمن، يمنع عمليات السرقة والتبديل والتزييف، مع وجود لجان مراقبة وتفتيش مستمرة لضمان عدم التلاعب فيها، وفي هذه الحالة فإن الآثار سيكون وجودها أمام الجماهير أفضل من تخزينها في الصناديق.
ويوضح الباحث الأثري، أن الاشتراطات السابقة، مرتبطة بالمستثمرين المصريين الراغبين في ذلك، ولكن في حالة المستثمرين الأجانب، فإنه يجب أن يكون هناك إجراءات واشتراطات أخرى أكثر صرامة، بما يضمن حماية الآثر، ويحقق المصلحة العامة للدولة.
3 مؤتمرات دولية للسيسي في أسبوعين.. ما الجدوى؟
مصر.. "مؤتمرات الشباب" "كثير من الهدر وقليل من الإنجاز"
معارض مصري يطالب قادة الأحزاب بالتنحي والاعتذار للشعب