نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريرا يستشرف الأوضاع الإنسانية والمعيشية في قطاع غزة الفلسطيني، المحاصر منذ عام 2007.
وألقى التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، الضوء
على التدهور السريع للأوضاع في القطاع خلال السنوات الماضية، وسط ازدياد كبير في
عدد السكان.
ويشير الموقع إلى أن
تقريرا للأمم المتحدة رسم صورة قاتمة للأوضاع، عام 2012، حيث حذر من تدهور الاقتصاد والرعاية الصحية الخاص، فضلا عن تضاؤل الموارد.
إلا أن الأمم المتحدة توقعت أن تمر أيام أشد صعوبة على الفلسطينيين
المحاصرين، وهو ما يحدث بالفعل.
فقد تجاوز عدد سكان غزة المليوني نسمة بحلول 2020، وارتفعت ذروة الطلب على الطاقة الكهربائية بواقع 50%، كما توقع التقرير الأممي، فضلا عن تضرر المياه الجوفية الساحلية بحيث لا يمكن إصلاحها.
وطالبت المنظمة
الدولية آنذاك بضخ قدر كبير من الموارد في القطاع، بما في ذلك آلاف الأطباء
والممرضين، ومضاعفة إمدادات الكهرباء، وإنشاء 440 مدرسة جديدة على الأقل.
ومع بلوغنا أعتاب
2020، ثبتت دقة التقرير إلى حد كبير، لكن إيصال الخدمات الحيوية فشل في مجاراة
الأزمة المتفاقمة.
ولفتت "ميدل إيست
آي" إلى أن باتت تقارب الـ50%، وتراجعت نسبة الأطباء والممرضين لكل نسمة،
وباتت أكثر من ثلثي العوائل تفتقر إلى الأمان الغذائي، ولا تتجاوز نسبة الصالح
للشرب من مياه غزة 3%، بحسب تقارير رسمية ووكالات إغاثة.
وينقل تقرير الموقع
البريطاني عن "مايكل لينك"، المقرر الأممي الخاص لحقوق الإنسان في
الأراضي الفلسطينية، قوله: "التوقعات بأن يصبح القطاع غير قابل للحياة باتت
واقعا. تقيس المعايير التي تستخدمها الأمم المتحدة أو أي منظمة دولية أخرى إمكانية
حياة البشر بكرامة، وغزة فقدت ذلك منذ سنوات بالفعل".
البقاء على قيد الحياة في غزة
يشير التقرير إلى أن
إسرائيل فرضت حصارا على القطاع الساحلي منذ صعود سلطة حركة حماس، عام 2007، مع
قيود عديدة على حركة الناس والبضائع.
كما تزايدت حالات نقص
الوقود وانقطاع التيار الكهربائي ونقص المياه وتعرض البنى التحتية للتدمير جراء
العدوان الإسرائيلي المتكرر، بحسب التقرير، فضلا عن مقتل أكثر من 2200 فلسطيني،
وتدمر عشرات آلاف المنازل في الحرب الأخيرة، عام 2014.
وخلال السنوات الأولى
للحصار، بحسب "ميدل إيست آي"، أجرت إسرائيل حسابا للحد الأدنى من
السعرات الحرارية التي من شأنها إبقاء الفلسطينيين في غزة على قيد الحياة، وهي
معلومة تم الكشف عنها بعد صراع قانوني خاضته منظمة "غيشا" الحقوقية. تبيّن
أن إسرائيل استخدمت تلك البيانات لتحديد كم من الغذاء يجب شحنه للقطاع لإبقائه حيا
بالكاد، ومعتمدا بالكامل على المساعدة، كما أكد المقرر الأممي.
اقرأ أيضا: MEE: "الجيل الأخير".. كيف يطرد الاحتلال المسيحيين من فلسطين
وقال: "طالما أن
غزة لا تثور، ولا تحدث موجات عنف تستخدم إسرائيل فيها أكثر الأسلحة تطورا في
العالم، وطالما بقيت غزة أسفل العناوين الرئيسية حول العالم، فإنه أحدا لن يهتم
بتغيير هذا الوضع".
بدوره، وصف "حيدر
عيد"، الأستاذ المشارك في جامعة الأقصى بغزة، وصف سياسة إسرائيل تجاه
الفلسطينيين بأنها "إبادية".
ونقل التقرير عن
"عيد" قوله إن الاحتلال يذكر دائما بالجرائم التي ارتكبها عام 1948، في
إشارة إلى النكبة، موضحا: "تريد إسرائيل عقاب أبناء القطاع على مقاومتهم،
وعلى عدم رضوخهم، ودفعهم إلى التخلي عن حق العودة المكفول دوليا".
من جانب آخر، لاحظ
مراقبون آخرون كيف أن الحصار الإسرائيلي، قبل فترة طويلة من 2020، قد أنتج بالفعل
ظروفا لا يمكن تحملها في جميع أنحاء غزة. القيود المفروضة على مناطق الصيد تعيق
معيشة الناس. حظر الاستيراد يمنع دخول بضائع أساسية، مثل الوقود وغاز الطهي. إن
انقطاع التيار الكهربائي الروتيني يجعل الحياة اليومية عبارة عن صراع، بحسب
التقرير، حيث يتوفر التيار في بعض الأحيان لبضع ساعات فقط في اليوم.
وبالنسبة لبعض الفلسطينيين الأشد تضررا، فإن الإغاثة تبدو مستحيلة، ففي أيلول/
سبتمبر الماضي، وافق الاحتلال على أقل من ثلثي الطلبات للمرضى بمغادرة القطاع
للعلاج، وتم استجواب بعضهم كشرط أساسي للحصول على التصريح، وهي ممارسة نددت بها
مجموعات حقوق الإنسان، مثل "أطباء من أجل حقوق الإنسان"، التي أشارت إلى
تاريخ إسرائيل في إكراه المرضى على أن يصبحوا متعاونين مقابل الحصول على الرعاية الطبية
اللازمة.
وينقل التقرير عن "جيرالد روكنشوب"، رئيس مكتب منظمة الصحة
الدولية في الأراضي الفلسطينية، أن تردي الخدمات الصحية يعني أن التقنية الأساسية
ليست متوفرة في القطاع، مع نقص الدواء والكوادر الطبية.
ويضيف: "ما يحدث ليس تراجعا مفاجئا، بل ترد مزمن"، مؤكدا أن
المنظومة برمتها تقعد دائما على أعتاب الانهيار الكامل.
ويلاحظ الخبراء، بحسب "ميدل إيست آي"، أن المساعدات الدولية، وسط
الحصار التام الذي يتعرض له القطاع، قد أحدث تبعية إنسانية بدلا من تعزيز التنمية.
وفي الوقت نفسه، أدت التخفيضات في تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين
الفلسطينيين "الأونروا"، من قبل إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب،
هذا العام، إلى تعميق الأزمة.
وقال "جامي مكغولدريك"، المنسق الإنساني للأمم المتحدة في
الأراضي الفلسطينية المحتلة، إن هنالك "هدرا للتنمية في غزة".
وأوضح التقرير أن المدارس تعمل فترتين، وأحيانا ثلاث فترات، لمجاراة
التزايد الكبير على الطلب، كما تعمل المستشفيات أكثر من قدرة استيعابها، لا سيما
منذ انطلاق مسيرات العودة في آذار/ مارس 2018، والتي شهدت إصابة الآلاف.
وفي الوقت الذي لا تكفي فيه المساعدات الإنسانية لتوفير حل سريع، بحسب
محللين، فإن إخراج المنطقة من الاعتمادية على تلك المساعدات ستكون عملية صعبة
ومعقدة.
ويقول "مكغولدريك" إن غزة لم يعد لديها سبيل آخر سوى الاعتماد
على المساعدات الدولية، مؤكدا ضرورة أن يبدأ العمل على الانتقال إلى مسار أكثر
"استدامية وكرامة".
فلسطينيون: "أحياء من قلة الموت"
في حديث لـ"ميدل إيست آي"، قال الأكاديمي الفلسطيني البريطاني،
كامل حواش، إنه بالنسبة لسكان القطاع، فإن توقعات الأمم المتحدة لعام 2020 تحققت
منذ زمن بعيد، مشيرا إلى مثل عربي يصف حالهم بـ"أحياء من قلة الموت".
وأضاف أن سياسة إسرائيل "احتوائية"، وهي تريد في نهاية المطاف أن
تبقى غزة صامتة، فإن قامت حماس بهذا الدور فهو أمر جيد، وإلا فإن الاحتلال سيهاجم
القطاع.
ويضيف التقرير أن إسرائيل تشجع الفلسطينيين على مغادرة القطاع بشكل نهائي،
بهدف التقليل من تواجهم على الأرض، مشيرا إلى أن عدة تقارير نقلت عن مصدر إسرائيلي
رسمي اعترافا بمحاولة دفع دول أخرى لاستقبالهم وتوطينهم، مؤكدا أن حكومة الاحتلال
مستعدة لتأمين إيصالهم.
اقرأ أيضا: هيرست: غزة غير قابلة للعيش في 2020 وهذا دور إسرائيل
بدوره، قال "حواش" إن خروج غزة من أزمتها، والتأسيس لحالة
استقرار، يتطلب إنهاء الانقسام بين فتح وحماس، ورفع الحصار عن القطاع.
وأضاف: "الأكيد أيضا أنه إذا تقرر للاجئين، وهم 80% من سكان القطاع،
إعادتهم إلى ديارهم، كما هو منصوص عليه في القانون الدولي، فإن غزة ستصبح مكان
قابلا للحياة".
وأكد
"مكغولدريك" أيضا أن عملية سياسية ناجحة من شأنها تمهيد الطريق أمام استراتيجية أكثر تنموية لغزة، لا سيما عبر جذب استثمارات
جديد لأنظمة التزويد بالمياه والمناطق الصناعية وخلق فرص العمل.
وأضاف أن الحصار هو أكبر مانع أمام التنمية، معترفا بأن سقف 2020 لانهيار
الأوضاع في القطاع "اختراع أممي"، إذ إنه لا يعني شيئا لأي فلسطيني.
ومع ذلك، فإن استمرار تزايد عدد السكان، وتراجع الخدمات والوظائف، يجعل غزة
أقرب إلى نقطة "لاعودة".
وبهذا الخصوص، تقول "سارة روي"، الباحثة في مركز جامعة هارفرد
للدراسات الشرق أوسطية، إن الأمم المتحدة أرادت من إطلاق مصطلح "غير قابل للحياة"
دق ناقوس خطر على الساحة الدولية، "إلا أن ذلك الإنذار كان يدوي بالفعل منذ
زمن طويل".
وأضافت "روي"، للموقع البريطاني، أن التحذير بات متجاهلا في ظل
اللامبالاة الدولية، والتدخلات الإنسانية التي تعمل فقط كبديل لحقوق الإنسان.
وختمت بالقول:
"بدون ضمان حرية حركة الأشخاص والبضائع، فإنه سيبقى محوما على غزة بالخراب
الدائم".
MEE: غزة 2020.. هل وصل القطاع إلى نقطة اللاعودة؟
هيرست: غزة غير قابلة للعيش في 2020 وهذا دور إسرائيل