بعد قرابة خمسين يوما على استقالة حكومة سعد الحريري، كلف رئيس الجمهورية ميشال عون، حسان دياب، لتشكيل حكومة جديدة بناء على استشارات نيابية يصفها البعض بالهزيلة لأنها ارتكزت على تحالفات وصفت هي أيضا "بالمعلبة".
ويرى مراقبون أن دياب وهو وزير سابق لا يمتلك حيثية شعبية أو تمثيلية في الساحة السنية بحسب ما تشير المعطيات كما لا يحظى بقبول الحراك الشعبي المنتفض ضد السلطة والفساد منذ أكثر من شهرين.
وفي المقلب الآخر، نأى الحريري بنفسه بعد رفض جزء من الحراك له أيضا ومتحصنا بقاعدة شعبية لا يستهان بها في طائفته وقاذفا الكرة من ملعبه الى ميدان حزب الله وحلفائه ومن بينهم عون، مرتكزا على ميثاقية دستورية خرقت من وجهة نظر كثيرين بفعل حصول دياب على 5 أصوات نواب سنة من أصل 27 نائبا لمنصب هو بالأساس مخصص حصرا للطائفة السنية بناء على اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990.
وإذا كان التكليف أنجز يبقى التخوف في أوساط القصر الجمهوري من "شياطين" التأليف حيث العقدة تبدو أكثر صعوبة من زمن التأليف عند الحكومات السابقة والذي تجاوز في بعض الأحيان عتبة السنة بأشهر عدة، ما يدفع بالسؤال الهام: هل يقدر دياب على التأليف فعلا وسط تبرم قوى سياسية فاعلة حول شخصه وآلية تكليفه مع ضعف التأييد السني له؟
من سمى دياب؟
وقلل القيادي في تيار المستقبل الدكتور مصطفى علوش من أهمية الحديث عن تلبية بعض مطالب المتظاهرين ضد السلطة والفساد، موضحا في تصريحات لـ"عربي21": "بات جليا بأن المطالب التي خرج من أجلها المتظاهرون منذ 65 يوما لم يتحقق منها شيء، خصوصا لجهة الطريقة التي نراها تقليدية والتي استندت إليها القوى السياسية لتسمية رئيس جديد للحكومة".
وأضاف: "هناك ثلاث قوى وهي حزب الله وأمل والتيار الوطني هي التي أخذت على عاتقها مسؤولية اختيار حسان دياب رئيسا جديدا للحكومة بما يبرز نموذجا جديدا لمنطق المحاصصة المعمول بها خلال تأليف الحكومات في لبنان".
وعن تحميل التيار الوطني للحريري مسؤولية اللجوء الى هذا الخيار بعد عزوفه المفاجئ عن الترشح لإعادة تكليفه، قال: "موقف الرئيس الحريري جاء واضحا منذ البداية بأن أي حكومة سيرأسها يجب أن تتناغم مع مطالب الحراك والذي ينادي من جهته بتشكيل حكومة من اختصاصيين ولفترة انتقالية لإجراء الاصلاحات اللازمة والبدء بعملية الإنقاذ ومن ثم البدء بالتحضير لانتخابات نيابية مبكرة".
وشدد على أن الحريري قرر العزوف عن قبول أي تكليف جديد لرئاسة الحكومة بسبب عدم توفر المعطيات السابقة وعدم وجود الدعم الكافي من خلال الصوت المسيحي الوازن إثر تراجع حزب القوات اللبنانية عن تسميته، وهذا ما اعتبره الحريري نقصا في الميثاقية الدستورية التي يجب أن ينالها قبيل التكليف".
واتهم علوش صهر رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بالتعطيل والعرقلة، وقال: "ليس الحريري من يضع العراقيل بل جبران باسيل الذي يحاول القفز بطموحاته الى محطات خطرة تهدد البلاد"، لافتا الى أن "حزب الله وأمل والتيار الوطني رشحوا وحدهم دياب لمنصب رئيس الحكومة وأمنوا له الغطاء والحماية ومهدوا له الطريق من خلال ضمانات ووعود".
وعن سبب عدم وجود مرشح بديل للحريري خلال الاستشارات النياببة الأخيرة، كشف علوش عن أن "الحريري رشح السفير نواف سلام بديلا عنه منذ البداية، لكن القوى الأخرى رفضته" مشيرا الى أن "كتلة المستقبل لم تسمه خلال الاستشارات النيابية الأخيرة لعدم وجود فرص لنجاحه وكي لا تدخل في معركة خاسرة من ناحية التصويت".
وعن الأسماء الأخرى التي طرحها الحريري والتي انسحبت قبيل الدعوة الى الاستشارات، اعتبر علوش "أن الاسباب التي دفعت الحريري للعزوف عن الترشيح هي نفسها التي دفعت الشخصيات الأخرى التي رشحها الى التراجع عن قبول تولي منصب رئاسة الحكومة".
اقرأ أيضا : دياب.. هل يكون رئيس حكومة "وقت مستقطع" بلا "غطاء سني"؟
وعن حالة الغضب التي يشهدها الشارع في مناطق ذات أغلبية سنية احتجاجا على تسمية دياب رئيسا للحكومة، قال: "هناك مجموعات من المتظاهرين تعتبر أن مطالبها لم تتحقق، كما أن هناك من يرى بأن الرئيس الحريري ضرورة في هذه المرحلة، وفي الوقت نفسه يعتبر متظاهرون بأن الطائفة السنية تعرضت لإهانة جديدة من خلال تسمية قوى لا تمثلها لشخصية -لا تمثلها هي أيضا- لاعتلاء سدة رئاسة الحكومة".
الى أين المسير؟
ومن جهته، رأى المحلل السياسي شارل شرتوني أن حالة عدم الاستقرار التي تشهدها البلاد لا يمكن أن تمتد في حال أردنا إنهاء المشهدية المتأزمة الحالية".
مستدركا: "هذا يعود الى نوايا الأفرقاء السياسيين ومدى جديتهم في المعالجات السريعة قبل الوصول الى نقطة اللا عودة في حال استمر الوضع على ما هو عليه"، داعيا قوى السلطة الى قبول الواقع الجديد "المتمثل بمعارضة الشارع الذي خرج غاضبا منذ أكثر من شهرين والتي تحظى بتمثيل واسع وهي معارضة محقة في شعاراتها وأهدافها".
ورأى في تصريحات لـ"عربي21" أن استهداف المظاهرات والتجمعات الشعبية يعد محاولة يائسة لإخماد الصوت المعارض من خلال التصويب المباشر وغير والمباشر والترهيب والتخوين أحيانا، معتبرا أن "استمرار إدارة الظهر للمطالب الشعبية يعني وصول البلاد الحتمي الى مرحلة خطرة لا يحمد عقباها".
وحذر شرتوني من مخاطر الانعكاسات الإقليمية على مايجري في لبنان وسط منطقة هي متأزمة منذ سنوات، وأكد أن حزب الله يتحمل دوره ومسؤوليته في هذا المجال ولا يمكن أن يبقى متحكما بالقرار الرسمي واختطاف البلد على الرغم من وجود أكثر من نصف اللبنانيين ضده ومنهم من أبناء الطائفة الشيعية".
وأضاف: "اللعبة التي يمارسها حزب الله داخليا ليست مضمونة النتائج كما يظن قادته فهناك لاعبون إقليميون يرقبون عثراته لاستثمارها ضده، وهناك من يتحين الفرصة لتوجيه الضربات إليه ومن بينهم الإسرائيليون، وهناك التطرف المتبادل في الطائفتين السنية والشيعية الذي قد يفجر فس حال صدامه كل المعادلات الحالية".
ونوه الى أن المطلوب حاليا هو "تسوية جديدة تأخذ بعين الاعتبار المطالب التي رفعتها الانتفاضة الشعبية لضمان البدء بخارطة طريق للخروج من الأزمة عبر محاربة الفساد بالدرجة الأولى ومحاربة وملاحقة المفسدين واستعادة الأموال المنهوبة".
دياب.. هل يكون رئيس حكومة "وقت مستقطع" بلا "غطاء سني"؟
نصر الله وحكومة الشراكة.. هكذا تفاعل معها اللبنانيون
4 مؤشرات على استعداد إيران لحرب شاملة مع أمريكا (شاهد)