أبقى الرد الذي قدمه المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، الثلاثاء، الباب مواربا أمام نقل مكان عمل اللجنة الدستورية السورية من جنيف إلى دمشق، قائلا في تصريح إعلامي على هامش مشاركته في الجولة 14 من محادثات أستانا إن "قرار نقل اللجنة يجب أن يُتخذ من قبل السوريين، كونه عملهم".
يأتي ذلك، ردا على العديد من
المطالبات بنقل عمل اللجنة الدستورية إلى دمشق، وآخرها دعوة رئيس "منصة
موسكو" المحسوبة على المعارضة السورية، قدري جميل، الدعوة المتناغمة مع مطالب
النظام السوري، حسب مصادر.
جميل الذي أعرب عن رفضه لكل الحجج
التي تعرقل ذلك، طالب الأمم المتحدة بمنح ضمانات وحماية لأعضاء اللجنة الدستورية،
في حال توجههم إلى دمشق، مع استمرار عمل اللجنة الدستورية تحت رعاية الأمم
المتحدة.
وأواخر الشهر الماضي، كانت الجولة
الثانية من جلسات الدستور قد فشلت، نتيجة عدم التوافق على جدول أعمالها من قبل
وفدي المعارضة والنظام السوري، وسط اتهامات للأخير بعرقلة عمل اللجنة.
ويثير إصرار النظام والأطراف الداعمة
له على نقل عمل اللجنة إلى دمشق، العديد من التساؤلات، من حيث الأهداف، والنوايا
الحقيقة.
جزء من العراقيل
من جانبه، أثار عضو اللجنة
الدستورية، الدكتور يحيى العريضي، العديد من الأهداف التي يتطلع النظام إلى
تحقيقها، من وراء هذه الدعوات، علما بأن مكان انعقاد اللجنة جاء بناء على رغبة
الأمم المتحدة.
وفي حديث خاص مع "عربي21"
عدّ العريضي مطلب النظام بنقل عمل اللجنة إلى دمشق، بأنه واحد من العراقيل الكثيرة
التي يضعها أمام عمل اللجنة الدستورية.
اقرأ أيضا: هذه أبرز المباحثات السورية بجولة أستانا 14 في يومها الثاني
وقال العريضي إن "النظام لا
يريد العملية السياسية، ويرفض الدخول فيها، ليواصل سحق الشعب السوري بمساعدة إيران
وروسيا"، مضيفا أن إصرار النظام على هذا المطلب، مع علمه المسبق برفضنا كمعارضة
لها، يؤكد إصرار النظام على نسف عمل اللجنة الدستورية.
وفي السياق ذاته، أشار إلى تعارض نقل
عمل اللجنة إلى دمشق، مع ما تم الاتفاق عليه أمميا، حول تشكيل اللجنة وعملها
ومكانه.
ضمان الهيمنة المطلقة
عضو اللجنة الدستورية السورية عن
قائمة "المجتمع المدني"، الدكتورة سميرة مبيض، قالت
لـ"عربي21": يصر الأسد على نقل عقد الجلسات الدستورية إلى دمشق، كي يتم
الأمر تحت هيمنته المطلقة، وليبتعد به عن الشرعية الدولية المتمثلة بالأمم المتحدة
وبالتوافق الدولي حول اللجنة الدستورية.
وأضافت أن "الأسد يسعى إلى حرف
مسار العمل في اللجنة الدستورية إلى تعديلات طفيفة على دستور 2012، بحيث يُبقي السلطة
بيده دون أي تغيير جذري بينما يعتمد كثير من السوريين على أن يكون الدستور الجديد
خطوة في مسار الانتقال السياسي المنشود.
تفعيل دور إيران
ووفق مبيض، فإن النظام يريد من وراء
جرّ العملية الدستورية لدمشق، إعادة تفعيل دور إيران الحليف الإيديولوجي له
والأكثر تمسكا به على رأس السلطة، بعد أن تم استبعاد الدور الإيراني من العملية
الدستورية التي عادت للمسار الدولي في جنيف.
اقرأ أيضا: بيدرسون يرد على روسيا بشأن اللجنة الدستورية وعودة اللاجئين
وأردفت: "بدا واضحا رفض الأسد للعملية الدستورية في جنيف عندما تبرأ من التمثيل الرسمي للوفد الحكومي وسماه بوفد مدعوم منه، مردفة بالقول "كما يتمترس سياسيا خلف "مؤتمر سوتشي"، الذي سعى إلى مصالحة وتعديل دستوري طفيف في ظل الأسد واستمراريته".
كما أشارت مبيض إلى محاولة النظام
الحثيثة والمستمرة للتهرب من مرجعية جنيف ومسار الأمم المتحدة الذي يمتلك الشرعية
الدولية والذي يلتزم بالقرار 2254 القاضي بتحقيق انتقال سياسي في سوريا.
تغييب الرعاية الأممية
ولم يذهب الكاتب الصحفي والناشط
السياسي، درويش خليفة، بعيدا عن الآراء السابقة، مؤكدا في حديثه
لـ"عربي21" أن النظام بمطالبه المتكررة بنقل عقد اللجنة الدستورية إلى
دمشق، إنما يريد تقوية مسار "سوتشي"، وإضعاف الدور الأممي، أي نزع
الشرعية الأممية عن لجنة الدستور.
وقال إن "النظام وروسيا وإيران،
يريدون تفريغ عمل اللجنة الدستورية من محتواها الأساسي، من خلال الالتفاف على مطلب
دستور جديد لسوريا".
وأوضح خليفة، أن "نقل مكان عقد
اللجنة إلى دمشق، يعني أن نتاج اللجنة الدستورية سيكون تحت سقف مجلس الشعب التابع
للنظام، حيث سيلغي النظام شرط الاستفتاء الشعبي على الدستور قبل اعتماده، ويستبدل
ذلك بعرضه على "مجلس الشعب"، على أنه المجلس الذي يمثل الشعب السوري في
الداخل والمهجر".
واستكمل قائلا إن "نقل عمل
اللجنة الدستورية إلى دمشق، يضعف المرجعية والإشراف الأممي عليها، وكذلك يفرغ
القرار الأممي 2254 من مضمونه".
لماذا ترفض المعارضة الذهاب إلى
دمشق؟
وفي رده على ذلك، أشار يحيى العريضي
إلى الهواجس الأمنية التي تترتب على ذهاب أعضاء وفد المعارضة إلى دمشق، معتبرا أن
ذلك لا يشكل بيئة مناسبة لمناقشة الدستور.
وعن الضمانات الروسية، التي يتم
الحديث عنها لوفد المعارضة، في حال وافق على نقل عمل اللجنة إلى دمشق، رد بقوله
:"لا مصداقية للوعود الروسية".
وتابع: "لدينا الكثير من
الأمثلة الصارخة على الضمانات الروسية، والأمثلة لا زالت ماثلة، حيث ضمنت روسيا
خفض التصعيد في إدلب، وهي الآن تشن حربا بلا هوادة على المدنيين، وكذلك ضمنت مناطق
التسويات، وأجهزة النظام تعيث فسادا بتلك المناطق".
اقرأ أيضا: موقع: وفد موسكو لدمشق جاء بسبب عرقلة الأسد للجنة الدستور
ومتفقة مع العريضي، دعت سميرة مبيض،
المعارضة إلى رفض هذا المطلب نهائيا، معتبرة أن القبول به "يعني تجميد
القرارات الدولية، وإضعاف شرعيتها ومنح الشرعية للأسد، والتخلي عن أي حق بمقاضاته
ومحاسبته على جرائم الانتهاكات الإنسانية وجرائم الإبادة".
وأنهت بقولها: " الذهاب الى
دمشق بوجود الأسد، هو تخل عن تضحيات مليون شهيد سوري وملايين المهجرين والمعتقلين
والمختفين، وهو تخل عن مطالب الثورة السورية بالكرامة الإنسانية والحرية والتغيير
الجذري، ولا يمتلك أحد الحق بتغييب وتجاوز مطالب شعب قدم كل هذه التضحيات".
القرارات الأممية
وعلى المنوال ذاته، شدد درويش خليفة،
على ضرورة تمسك المعارضة بالقرارات الأممية، لأنها الورقة الوحيدة بيد المعارضة،
التي ينحسر نفوذها العسكري تدريجيا.
وقال إن "مناطق نفوذ المعارضة
في تناقص تدريجي، والخريطة الميدانية تنعكس على الملف السياسي، وبذلك فإن فقدان القرارات
الأممية، يعني خسارة المعارضة لكل أوراق الضغط على النظام السوري".
وتابع خليفة، بأن الواقع السوري بات
ساحة لصراعات وتجاذبات دولية، مع ترك هامش بسيط للأطراف السورية (معارضة ونظام)،
للصراع، فيما الواقع يقول بأن الصراع على سوريا هو أكبر من الأطراف الداخلية".
هل ترضخ المعارضة؟
وضمن رؤيته لما يجري في إطار جلسات
الدستور، اعتبر الباحث بالشأن السوري، أحمد السعيد، أن ما يجري من تصعيد عسكري في
إدلب، والهجوم البري على آخر معاقل المعارضة، يأتي في إطار الضغط الذي تمارسه
روسيا والنظام على المعارضة، للامتثال إلى مطالب عدة، من أهمها الموافقة على نقل
عمل اللجنة الدستورية إلى دمشق.
وقال، في حديث مع
"عربي21": "لا يمكن تفسير انخراط روسيا في التصعيد على إدلب، رغم
التوافقات على التهدئة مع تركيا في تلك المنطقة إلا في إطار زيادة الضغط على
المعارضة بشقيها العسكري والسياسي".
وأضاف السعيد، أن روسيا تريد القول
بأنها قادرة على نسف العملية السياسية، واللجنة الدستورية، باجتياح مناطق
المعارضة، وفرض رؤيتها للحل في سوريا، الحل الذي يبقي النظام السوري في الحكم.
ماذا وراء فقدان المعارضة لمناطق سيطرتها بريف إدلب؟
"فتية السيسي".. واجهة مدنية للنظام تشبه "طلائع عبد الناصر"
جنوب سوريا على صفيح ساخن.. هل يواجه النظام ثورة جديدة؟