على الرغم من تقلبات الاقتصاد العالمي، حافظ الدولار الأمريكي على دوره بصفته الاحتياطي المفضل في العالم، عندما تحلّ الأزمات أو تسود حالة من عدم اليقين، يتدفق المستثمرون على الأصول المقوّمة بالدولار، وخاصة ديون الخزانة الأمريكية -حتى في حالة حدوث أزمة مالية في الولايات المتحدة- نتيجة لذلك، يتمتع الاحتياطي الفيدرالي -الذي يحدد أسعار الفائدة بالدولار الأمريكي- بتأثير هائل على الظروف الاقتصادية في جميع أنحاء العالم.
على الرغم من أن عملة البيتكوين اللامركزية القائمة على "تكنولوجيا بلوكشين"، قد أنتجت ابتكارات واضحة منذ إطلاقها في عام 2009، فإن ظهور العملات الرقمية المشفرة الحديثة لم يكن له أي تأثير على التداول العالمي للدولار، ما يزال مروّجو هذه الأشكال الجديدة من العملات يأملون تحدي النظام المالي الحالي، لكن اتضح أن ذلك له تأثير ضئيل على المحافظ العالمية، ما تزال أقوى البنوك المركزية "بنك الاحتياطي الفيدرالي، والبنك المركزي الأوروبي، وعدد قليل من البنوك الأخرى" تُدير العملات العالمية.
ومع ذلك، هناك عامل جديد قد يشكل خطرا كبيرا، مبادرة عملة "ليبرا"، يُخطط "فيس بوك" وتحالف الشركات المتحول حاليا لإطلاق أشكال عملتهم الخاصة، الذي -بطريقة ما- سيكون مضمونا بحيازات العملات الرئيسية.
ليس هناك شك في أن "ليبرا" يمكن أن تكون وسيلة دفع مستخدمة على نطاق واسع -ويرجع ذلك جزئيا إلى مستخدمي موقع "فيس بوك" الذين يصل عددهم إلى ملياري مستخدم نشط شهريا- وأيضا نظرا لضعف النظام المالي الحالي، إذا كانت العملات الخاصة يمكن أن تجعل الدفعات سهلة وآمنة وغير مكلفة، فسيكون المستهلكون سعداء باستخدامها، قليل من الناس يهتمون بكيفية اشتغال هذه العملة، ومعظم الناس يريدون فقط المعاملات السهلة.
لقد شهدنا مرارا وتكرارا مدى السرعة التي يمكن أن تؤدي بها التكنولوجيا الرقمية الجديدة المدمرة إلى تغيير المشهد الاقتصادي، فكّر في الضغوط التي يتعرض لها سائقو سيارات الأجرة بسبب تطبيقات "أوبر" و"ليفت"!
تم تصميم "البيتكوين" والعملات الرقمية المشفرة الأخرى لتحلّ محلّ الوسطاء الماليين، مثل البنوك، ومن الناحية النظرية، سيكون من الممكن تنظيم العديد من الأنشطة المالية دون وجود البنوك وغيرها من الوسطاء الحاليين، ومع ذلك، وبسبب الاستخدام غير المريح، فإن البنية التحتية لسوق العملات المشفرة التي تم تطويرها أقل ملاءمة للمستهلكين، من السهل للغاية فقدان هذه العملات أو سرقتها بطرق مختلفة.
في المقابل، تُمثل "فيس بوك" شركة تكنولوجيا رقمية تعرف كيفية إرضاء عملائها، على الرغم من أن الناس غير راضين بشكل متزايد عن سياسات الخصوصية أو مواقف الشركة تجاه الخطاب السياسي، فإنهم يواصلون استخدام خدماتها، هناك مزيج قوي محتمل: التوسع السريع في التكنولوجيا الرقمية، والتركيز على المعاملات المالية الرخيصة والآمنة، وعدم الاهتمام بالنظم القديمة.
بطبيعة الحال، لدى "ليبرا" بعض العيوب الواضحة، بما في ذلك سمعة "فيس بوك" الحالية لعدم الاهتمام بالمصلحة العامة، كدراسة حالة في العلاقات العامة، كانت تجربة عملة "ليبرا" في العام الماضي سيئة للغاية، يمكن للبلدان الرائدة حظر أشكال العملات الخاصة من خلال إثبات عدم امتثالها للوائح، مثل مكافحة غسل الأموال و"اعرف متطلبات زبائنك".
لكن إذا لم تحرز عملة "ليبرا" أي تقدم، فإن ذلك يفتح مساحة أكبر لبعض الكيانات الأخرى التي تدعمها الشركات، أو ربما يأتي التحدي من العملة الصادرة عن الدول ذات السيادة، لأن أي دولة لها الحق في تصميم عملتها الخاصة وتداولها.
وفقا لبعض التوقعات، يمكن أن يتحدى الرنمينبي الصيني الدولار الأمريكي أو يحلّ محلّه يوما ما، باعتباره العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم، قد يكون ذلك صحيحا، لكن لا أحد يستطيع أن يقول متى سيأتي هذا اليوم، لأنه ليس من الواضح ما إذا كان المستثمرون الأجانب على استعداد لتخصيص أموالهم للنظام السياسي في الصين.
في خطاب ألقته مؤخرا، جادلت محافظة بنك الاحتياطي الفيدرالي لايل برينارد بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يصنع ابتكارات متواضعة، وسوف يكون الدولار آمنا، قد تكون مُحقة، لكن للمرة الأولى منذ فترة طويلة، تواجه البنوك المركزية منافسة قوية، مع قليل من الحظ، قد يحظى المستهلكون بصفقة أفضل في نهاية المطاف.
(العرب القطرية)