ترفض "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقا)، أن تحل نفسها رغم كل الدعوات المنادية إلى ذلك، بل إنها عززت من إدارتها في مناطق إدلب السورية.
ودلّ تعيين "مجلس الشورى العام" في إدلب، لعلي كده رئيسا لـ"حكومة الإنقاذ" خلفا لفواز هلال المستقيل، على أن "هيئة تحرير الشام" ماضية في مشروعها لحكم إدلب.
وكان إعلان استقالة التشكيلة الحكومية السابقة برئاسة هلال، السبت الماضي، قد أذكى التكهنات بحلول جديدة في إدلب، غير أن "تحرير الشام" بتعيينها رئيسا جديدا لذراعها المدنية "الإنقاذ"، قطعت الطريق على كل تلك التأويلات، وتحديدا المتعلقة بالتعاون أو الاندماج بين "الإنقاذ" و"المؤقتة" التابعة للائتلاف السوري المدعوم تركيا.
وبحسب مصادر مقربة من "تحرير الشام"، فإن استقالة حكومة هلال كانت إجراءا اعتياديا، بسبب انتهاء ولاية الرئيس السابق هلال، إلى جانب الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها إدلب، ضد "الإنقاذ" وسياساتها في جباية أموال "الضرائب"، في ظل أوضاع اقتصادية متردية، تسود إدلب وأرياف حلب المتصلة بها.
اقرأ أيضا: "تحرير الشام" تكلف "حكومة إنقاذ" جديدة في إدلب السورية
واعتبر الكاتب الصحفي إبراهيم إدلبي، خلال حديثه لـ"عربي21"، أن ما جرى تغيير اعتيادي بسبب انتهاء ولاية الحكومة السابقة.
ورأى أنه "من المستبعد تماما أن تكون تحرير الشام في وارد القبول بمطالب الحل".
هروب للأمام
وضمن تفسيره لما جرى من تغييرات في "الإنقاذ"، أكد ناشط سياسي من إدلب، طلب عدم الكشف عن اسمه خلال حديثه لـ"عربي21" لأسباب أمنية، أنه "لا وجود فعليا لمسمى الحكومة في إدلب، وإنما هذا الجسد هو أداة فقط لتنفيذ متطلبات الهيئة".
وأضاف: "تهيمن تحرير الشام على "الإنقاذ" من خلال ما يسمى "مجلس الشورى العام"، الذي يعتبر المرجعية التشريعية، والجهة الرقابية على حكومة الإنقاذ".
وأضاف الناشط: "ما جرى هروب من تحرير الشام للأمام، هروب من الاحتجاجات الشعبية، وكذلك من الخلافات الداخلية داخل الجسد العسكري لتحرير الشام".
وقال: "لم تكن حكومة الإنقاذ منذ الإعلان عنها للمرة الأولى في إدلب، في أواخر العام 2017، إلا ورقة من الأوراق التي تلعبها تحرير الشام، في تجميل الشمال السوري، والقول بأنه لا يخضع لتحرير الشام".
وبسؤاله عن دلالة التغييرات، والمأمول منها على المستوى الشعبي، قال الناشط: "لطالما هي حكومة تابعة لفصيل عسكري، متحكم بكل شيء، فلا معنى لتعليق أي آمال عليها، وخصوصا أن "الإنقاذ" منذ تشكيلها لم تقدم للأهالي إلا الضرائب، بعيدا عن تقديم الخدمات".
وقال: "هي حكومة أمر واقع تفرضه سطوة "تحرير الشام" على إدلب، دون أن يكون لتلك السطوة أي غطاء سياسي".
استقالة بعد احتجاجات
وكانت مناطق في إدلب، قد شهدت احتجاجات واسعة ضد "الإنقاذ"، وتحديدا بعد التوتر الأخير الذي سجلته مدينة كفرتخاريم بريف إدلب الشمالي، حيث أدى امتناع الأهالي عن دفع الضرائب إلى توترات عسكرية، كادت أن تؤدي إلى اقتحام "تحرير الشام" للمدينة.
ووفق مصادر محلية، فإن حالة الاحتقان التي تسود عموم محافظة إدلب والمناطق الخاضعة لسيطرة "تحرير الشام" وحكومتها الإنقاذ، في حالة ازدياد، بسبب الضرائب التي تفرضها على جميع الفعاليات الاقتصادية وغيرها، وتحكمها بتجارة المواد النفطية، عبر شركة "وتد" التابعة لـ"تحرير الشام".
ولم يقتصر هذا الاحتقان على مناطق ريف إدلب الشرقي وريف حلب الغربي، المناطق المناوئة لـ"تحرير الشام" بسبب مناصرتها لفصائل الجيش الحر، بل امتد إلى مناطق ثقل الهيئة، أي مدينة إدلب وريفها الشمالي، المتاخم للحدود التركية.
اقرأ أيضا: اتفاق بين المعارضة و"تحرير الشام" لإنهاء التوتر بريف إدلب
وفي هذا السياق، أكد صحفي مقيم في إدلب، أن "تحرير الشام" تعاني من ازدياد الرفض الشعبي لها في المناطق التي تعتبر مناطق نفوذ خالصة لها، وتحديدا في مدينة إدلب وريفها الشمالي (سرمدا، سلقين، الدانا، حارم)، المناطق التي تتحكم بالحركة التجارية والاقتصادية لكل المحافظة.
وقال لـ"عربي21" طالبا عدم ذكر اسمه لتواجده في مناطق الهيئة، إن سياسة الأمر الواقع، ومقاسمة التجار في أعمالهم، عبر فرض شخصيات من جانب "تحرير الشام" على الغرف التجارية المشكلة في تلك المناطق، زاد من حدة الغضب والنقمة تجاه "تحرير الشام" وذراعها المدنية "الإنقاذ".
وهو الأمر الذي أكده الإعلامي ماهر أبو شادي لـ"عربي21"، مبينا أن "استقالة حكومة الإنقاذ، جاءت بعد موجة احتجاجات من الأهالي والنشطاء في مناطق نفوذها التي تشمل مدينة ادلب وريفها وذلك بعد تردي الوضع المعيشي والاقتصادي بسبب قرارات الحكومة وفرض الكثير من الضرائب على المدنيين".
وتابع أبو شادي: فرضت الحكومة سيطرتها على مناطق نفوذ تحرير الشام بعد أن وجهت إنذارا إلى "الحكومة المؤقتة" التابعة للائتلاف، بإغلاق مكاتبها في العام 2017.
الضرائب على كل شيء
وقال أبو شادي: "تابعت الحكومة فرض سيطرتها بالتوازي مع سيطرة الهيئة على المناطق في ريف حلب الغربي بعد معارك مع الزنكي، وشملت ضرائبها "المنظمات الإغاثية والأفران والصيدليات والمعامل والمحلات التجارية ومواد البناء والمداجن وعيادات الأطباء والمدارس الخاصة والروضات وتسجيل السيارات وعمليات البناء والحفر والمحاصيل الزراعية، وأهمها معاصر الزيتون".
وحول قيمة الضرائب، ذكر أبو شادي، أن الضرائب تتراوح بين 2000 و25000 ليرة سورية بصيغة رسوم بدل خدمات، مبينا أنها "فرضت كذلك غرامة قدرها 50 في المئة لكل من يمتنع عن الدفع وفي حال تكرار الامتناع يواجه بعقوبة السجن".
نفوذ حكومة الإنقاذ
وإلى جانب كل ذلك، طبقا للإعلامي ذاته، فقد سارعت "الإنقاذ" إلى استلام المعابر مثل معبر باب الهوى مع تركيا، ومعبري مورك والعيس مع مناطق سيطرة نظام الأسد، بهدف الحصول على الموارد المالية من هذه المعابر.
ووفق معلومات اطلعت عليها "عربي21"، تُحكم "تحرير الشام" على مفاصل القرار المدني والتجاري في إدلب، من خلال هيئات عدة، وعلى رأسها "الإنقاذ"، وهيئة "سواعد الخير" التي تنظر في تطبيق أحكام الشريعة على كافة مفاصل الحياة".
فيما تتحكم شركة "وتد للبترول" التابعة لـ"تحرير الشام"، التي تم تأسيسها في بداية 2018، بسوق المواد النفطية في إدلب، حيث تحتكر الشركة استيراد مواد المازوت (الديزل) والبنزين والغاز من تركيا، وتوزيعها في الأسواق المحلية.
"الإنقاذ وتركيا"
ووسط كل ذلك، تثار تساؤلات عن العلاقة بين "تحرير الشام" وحكومتها "الإنقاذ"، مع الجانب التركي.
وفي هذا الإطار، اعتبر مصدر مطلع أن "تركيا تنظر إلى تحرير الشام، على أنها ضرورة مرحلية، حيث تريد أنقرة وجود جهة قوية قادرة على ضبط الأمن في إدلب، وذلك إلى حين التفرغ لملف إدلب، بعد الانتهاء من الملفات السورية الأخرى، في ريف حلب الشمالي، وشرقي الفرات".
وأضاف المصدر لـ"عربي21"، أن دعم تركيا لـ"الحكومة المؤقتة"، وتحديدا بعد تشكيل وزارة الدفاع، يعطي تصورا بأن الانتهاء من "تحرير الشام"، وحكومتها "الإنقاذ"، سيكون ضمن أولويات تركيا القادمة، مستدركا: "ما زال ملف إدلب مؤجلا من الجانب التركي".
يذكر أن "حكومة الإنقاذ"، كانت قد تشكلت في الشمال السوري، في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، من 11 حقيبة وزارية برئاسة محمد الشيخ آنذاك، لتوجه بعد شهر ونصف إنذارا إلى "الحكومة السورية المؤقتة" يقضي بإغلاق مكاتبها في محافظة إدلب، وخرجت الأخيرة بموجب الإنذار من المنطقة، دون حدوث صدامات بين الطرفين.
وكذلك شهدت نهاية العام الماضي تشكيلة جديدة لهذه الحكومة برئاسة فواز هلال، الذي قلص عدد الوزارات إلى تسع، قبل تقديم استقالته مع تشكيلته السبت الماضي، ليكون كده رئيس الحكومة الثالث منذ تشكيلها.
مظاهرات غاضبة يإدلب ضد "تحرير الشام" وممثلتها الإدارية
محللون أتراك: هل تفي روسيا بتعهداتها أم تناور مثل أمريكا؟
خريطة.. هذه بنود الاتفاق التركي الروسي على الأرض (شاهد)