روى أحدهم آخر ما توصل إليه ابداع لصوص السيارات في مصر، فاستحق أن يُروى بمناسبة عقم ابداع لصوص الدول!
فلم يعد اللصوص من الصنف الأول يقومون بالطريقة التقليدية في السرقة، بما فيها من إبداع معجز، ربما لأن السيارات الحديثة صارت فيها وسائل أمان أكثر من السيارات القديمة التي كان يسهل على اللصوص التعامل معها بمجرد التمكن من فتح أحد الأبواب، فالحاجة أم الاختراع!
يقوم اللص بالاطلاع على إعلانات بيع السيارات في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، ثم يقوم بالاتصال بالبائع، ويستقل معه السيارة للاطمئنان على حالتها، قبل أن يجلسا على أحد المقاهي، وعندما تبدأ إجراءات الشراء يعلن عن نسيانه الحقيبة التي بها الأموال بالسيارة، ويطلب المفتاح من البائع، الذي يكون مشغولاً بالتعامل مع فنجان القهوة، أو كوب الشاي، بينما يأخذ اللص السيارة وينطلق تصحبه السلامة!
قبل الثورة تم الوقوف على عصابة لسرقة السيارات، تضم عدداً من أمناء الشرطة، يأتون بونش المرور، ويحملون السيارات التي تقف في أماكن يحظر الوقوف فيها، بشارع جامعة الدول العربية بالمهندسين، ليتبين بعد ذلك أنهم يذهبون بها إلى خارج القاهرة، حيث اتخذوا من قطعة أرض فضاء مخزنا للإيراد اليومي. وقد نشطت عملية سرقة السيارات في أيام الثورة، بإبداع أقل لدخول الهواة على الخط، وحدث أن سرق اللصوص سيارة أحد الصحفيين، فلما ذهب للشرطة قالوا لقد سرقتها حماس، ولا يزال إلى الأن يُصر على أن الحركة هي من قامت بسرقة سيارته، فيلعنها قبل الأكل وبعده!
رجال العادلي:
ليس في نيتي الكتابة عن وقائع مختلفة من سرقة السيارات، التي شغلتني منذ أن استيقظت من النوم على سرقة سيارتي، واهتمامي بهذا النوع من الأخبار، رغم أن من سرقها لم يكن لصاً محترفاً، ولكنهم رجال حبيب العادلي، وزير الداخلية، في واحدة من طلعاته الجوية ضدي، وقد سرقت في يوم 3 أيار/ مايو 2002، لتعود بعد ثلاثة شهور بالتمام والكمال (في 3 آب/ أغسطس 2002)، عندما اتصل بي رئيس مباحث العاصمة اللواء إسماعيل الشاعر ليزف إلى بُشرى عثورهم على سيارتي، قبل أن يصبح مديراً لأمن القاهرة، وكان رجلاً ودوداً.. سألني إن كنت أريد سيارتي، وكنت ألعب معهم على المكشوف فقلت: وهل ما تأخذونه يعود؟! وربما لم يكن الرجل له علاقة بالأمر، فحبيب العادلي كان يدير تشكيلا غير منظم في الوزارة للقيام بالأعمال القذرة اسمه "أمن الوزارة".
في العادة فإن الشرطة عندما تريد القيام بطلعة خاصة، فإنها تستعين باللصوص المحترفين، ولدى إدارة سرقة السيارات بمديريات الأمن معلومات كافية عن العصابات، وتخصصاتها، فلصوص المرسيدس لا علاقة لهم بـ"تويوتا" مثلاً.. وهكذا!
فقر الإبداع:
فما قصدته بهذه السطور، أن لصوص السيارات يبدعون في مجال تخصصهم، وإلا أصبحوا عرضة لتوصل الشرطة إليهم بسهولة. ولعل الجهة الوحيدة التي تفتقر للإبداع في أدائها هي السلطة، ولم يخرج أداؤها في موضوع السجون عن فيلم البريء، الذي رأى النور في منتصف الثمانينيات، فالأداء لم يخرج عن مشاهد هذا العمل الدرامي! تذهب لجنة من المجلس القومي لحقوق الإنسان لزيارة السجون، فيتصرف أحد أعضائها مقلداً أحد المشاهد الهزلية، وهو يتذوق الطعام. وتتنوع اللجان في الأيام الماضية، ومن وفد النيابة، إلى وفد الصحفيين الأجانب، إلى الوفد البرلماني، فإذا بالتقليد واضح، وإذا بالمنشور والمذاع يتحول لمهرجان يضحك الثكالى، وهم يقدمون صورا من هناك وكأننا في منتجع وليس في سجن. وكل هذا لم يخرج عن سياق فيلم البريء، لكاتبه وحيد حامد، ولكن غطى صيت مخرجه على كاتبه، فلم يعد كثيرون يذكرون حامد ويكتفون فقط بذكر اسم من قام بالإخراج وهو الراحل "عاطف الطيب"!
ولأن المشهد تمثيلي بامتياز، ولأن الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، فقد كنا أمام مسخرة من العيار الثقيل، ونحن نشاهد من يقوم بإنجاز المشاوي، حتى صار السؤال: سجن هذا أم مطعم أبو شقرة؟ فمن قال إن المطلوب أن تكون السجون هكذا، والتي وصف أحد الإعلاميين المستشفيات البائسة فيها بأنها تعادل مستشفى دار الفؤاد، أحدث مستشفى استثماري في مصر؟!
تقول الأسطورة، إن طائر أبو الفصادة سئل ماذا يأكل، فأجاب: زبدة. فعلق السائل: لو كان كذلك لظهر على سيقانك!
وبنظرة إلى وجوه المعتقلين واعتلال صحتهم، سيكتشف المرء زيف الصورة المنشورة، فهذه سجون للقتل البطيء؛ من دخلوها كانوا في كامل لياقتهم الصحية ثم تحولوا إلى أشباح هياكل بشرية، وقد مات فيها مساجين لم يتم علاجهم أو اسعافهم، وليس آخرهم المرشد العام السابق لجماعة الإخوان الأستاذ مهدي عاكف والرئيس محمد مرسي!
لقد كان الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في كامل صحته عندما تم اعتقاله، وبعد أيام ظهر في النيابة لا يقوى على السير. ولا يساورنا الشك من أن الهدف قتله، لأنه لو ظل على قيد الحياة، وبصحة جيدة، لمثل خطراً على السيسي في قادم الأيام، أو قادم السنوات.
والشكوى من عدم تقديم العلاج للمعتقلين عامة، ومن كل الفصائل السياسية، كما أن التعنت مع أسر المعتقلين سياسة تسري على الجميع، بغض النظر عن انتماء المعتقلين. وقد شاهدنا صورة والدة علاء عبد الفتاح وشقيقته أمام السجن في انتظار زيارته، وقرأنا عن مأساة زميلتنا إكرام يوسفظن والدة زياد العليمي، وهى تروي بقلمها هذا التعنت!
لقد استغلت السلطة الأسير حازم عبد العظيم في الإشادة بالسجون وبأحوالها، وكأن وجوده في السجن هو الطبيعي، وهو من سُجن لمجرد أنه مارس النقد السياسي ليس أكثر، ولم يحرض على شيء، وبالتالي فإن وجوده في السجن هو جريمة ضد حقوق الانسان ولو كان سجنه في جناح بفندق "الفورسيزون"!
إنها دعاية هابطة، ذكرتنا بدعاية القوم في زمن مبارك لجدارة مصر باستضافة كأس العالم، وكانت دعاية فجة تخاطب الداخل المصري، فحصلوا على صفر عن جدارة!
إن أهل الحكم في مصر فشلوا حتى في الإبداع، في وقت يجدد فيه لصوص السيارات طرق السرقة والاحتيال!
وما خبث لا يخرج إلا نكدا.
لا يزال "نظام السيسي" يكذب ويتحرى الكذب.. أحداث كاشفة (32)