قد يحاول بنيامين نتنياهو أن يحقّق عدّة أهداف في الضربتين الأخيرتين اللتن استهدف بهما قياديين كبيرين في حركة الجهاد الإسلامي، حيث فشل في اغتيال عضو المكتب السياسي في الحركة أكرم العجوري في دمشق، ونجح في غزّة باغتيال بهاء أبو العطا، القيادي الكبير في "سرايا القدس"، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وهو الذي تُحمّله "إسرائيل" المسؤولية المباشرة عن عدد كبير من نشاطات المقاومة في قطاع غزّة وردودها على اعتداءات الاحتلال في الآونة الأخيرة.
تكمن خطورة الاستهداف الإسرائيلي في غزّة، في استئناف عمليات الاغتيال وخرق قواعد الاشتباك مع المقاومة، وفي الإعلان الإسرائيلي الواضح عن العملية، تنفيذا وتصريحا، فلم يكن نوع العملية من ذلك النمط الاستخباراتي المبهم والمعقد، وإنما كان قصفا واضح المصدر، تبعه إعلان من أعلى المستويات السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية، على لسان كلّ من رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو، ورئيس أركان جيشه كوخافي، ورئيس جهاز الأمن الداخلي "الشاباك" نداف أرغمان. ومن المستبعد تماما، وجود خطورة موضعية وراهنة دفعت الاحتلال لهذا الاستعجال في تنفيذ اغتيال مكشوف ومعلن عنه، مما يعني أنّ ثمّة أهدافا سياسية تقف خلفه، وأخرى استراتيجية.
يذهب كثير من المحللين إلى أنّ بنيامين نتنياهو يهرب من أزمته الداخلية وعجزه عن تشكيل حكومة يتحصّن بها من الملاحقات القضائية؛ إلى افتعال مواجهة مع قطاع غزّة
يمكننا أن نضع هذا الهدف، من جملة الأهداف التي يسعى نتنياهو لتحقيقها، لكن لا يمكننا تغييب الهدف الأمني والعسكري الواضح من عملية الاغتيال، ابتداء من أهداف إستراتيجية موضعية، ترغب في استعادة المبادرة، وترسيخ علوّ اليد الإسرائيلية أمنيّا وعسكريّا، وفرض الموقف على قطاع غزّة، وهو ما كسرته المقاومة في غزّة بعد سلسلة من المواجهات العسكرية بعد انتهاء حرب العام 2014، مرورا بمسيرات العودة، فارضة قواعد اشتباك جديدة، ساهمت في تأزيم الوسط السياسي الإسرائيلي.
يحاول الاستفادة من الظرف المحيط بقطاع غزّة، من انقسام فلسطيني، وتطويق للمقاومة الشعبية في الضفّة الغربية، وتحالف شبه صريح مع دول أساسية في المنظومة الإقليمية العربية
الحديث عن الظرف الإقليمي المحيط يُذكّر بأمرين: بمخطّط تصفية القضية الفلسطينية، الذي أعلن عنه ترامب وتبيّن أنّ دولا عربية أساسية تقف خلفه، وبالتوتر المتنامي ما بين "إسرائيل" وإيران وبعض القوى المتّصلة بها. وقد كثرت في الآونة الأخيرة الإشارات الإسرائيلية عن احتمالات نشوب حرب إقليمية، أو دون ذلك في الشمال مع حزب الله، وفي الجنوب مع حماس وبقية حركات المقاومة. وكلا الأمرين يتطلبان بالضرورة إضعاف قطاع غزّة، البقعة الوحيدة في العالم اليوم التي تقاتل الاحتلال وتتخذ منه موقفا جذريّا. فسواء تعلق الأمر بمخططات تصفية القضية الفلسطينية وإضعاف آخر قوى المناعة في الأمّة، أو الدخول في حرب أو مواجهة مع قوى أخرى مناوئة لـ"إسرائيل" في المنطقة، فإنّ معالجة مشكلة المقاومة في غزّة لا بدّ منها بالنسبة لـ"إسرائيل".
الاتجاهات تخضع لعوامل متعددة، وليس لإرادة الفاعل الأساسي فحسب، وأنّ الحرب كثيرا ما تعلو على التدبير العقلاني
أولادنا وأولادهم في المنظومة الأخلاقية الإسرائيلية