"جبل أحد"، هكذا يطلق المتظاهرون العراقيون على بناية "المطعم التركي" الشاهقة التي تجاور ساحة التحرير، مقر الاحتجاجات وسط العاصمة العراقية بغداد، وتطل بشكل مباشر على جسر الجمهورية -المقطوع حاليا- المؤدي إلى المنطقة الخضراء.
البناية المهجورة المكونة من أربعة عشر طابقا تعود قصتها إلى عام افتتاحها في 1983، حيث اكتسبت اسمها الحالي من المطعم التركي الذي كان يشغل الطابق الأعلى منه، فيما امتلأت طوابقه الأخرى بالمحلات التجارية لتشكل مركز تسوق كبيرا.
ومع استئناف المظاهرات في 25 تشرين الأول/ أكتوبر، ذاع صيت "المطعم التركي" بعدما سارع المتظاهرون إلى السيطرة عليه، رغم دعوات السلطات الأمنية الكثيرة بضرورة إخلائه.
"جبل أحد"
ويعود سبب سيطرة المحتجين على البناية الشاهقة، إلى محاولة المتظاهرين منع تكرار سيناريو مطلع الشهر ذاته، عندما انطلقت مظاهرات عارمة وسط ساحة التحرير، وجوبهت بنيران "قناصة مجهولين" اعتلوا "المطعم التركي"، وأخذوا يتصيدون المحتجين العراقيين.
وعن الموضوع ذاته، قال الناشط "أحمد" لـ"عربي21"، إن "المتظاهرين اتفقوا مع استئناف المظاهرات في 25 تشرين الأول/ أكتوبر على ضرورة أخذ بناية المطعم التركي والتحصن فيها مهما كلف الأمر، للحيلولة دون تكرار ما حصل في اليوم الأول والثاني من الشهر ذاته، حيث شغله القناصون، وقتلوا الكثير من رفاقنا المحتجين".
وأضاف أنه "لولا تواجد المتظاهرين في المبنى حاليا، لما استمرت المظاهرات كل هذه المدة منذ الـ25 من الشهر الماضي وحتى اليوم، وهو بمثابة الحصن الأول والأخير، فإذا سيطرت عليه القوات الأمنية، فإن المظاهرات تكون قد انتهت في ساحة التحرير".
وبعبارة أدق، أوضح أحمد، أن "جبل أحد اسم على مسمى"، فالناشطون يتناوبون على المبيت في مبنى المطعم التركي بشكل منتظم كي تبقى الأمور تحت السيطرة، إذ يذهب شباب مساء ويبيتون فيه، ثم يأتي آخرون في الصباح لأخذ مكانهم، وذلك لمراقبة تحركات القوات الأمنية على جسر الجمهورية، الذي يفصل المحتجين عن المنطقة الخضراء.
اقرأ أيضا: احتجاجات العراق صرخة ضد اقتصاد مترهل.. هل توقفها الإصلاحات؟
واعتمد محرك البحث "غوغل" مؤخرا اسم "جبل أحد" الذي أطلقه المتظاهرون على مبنى المطعم التركي، الأمر الذي لاقى استحسانا وترحابا كبيرا من المحتجين في ساحة التحرير، إذ وصفوا "غوغل" بأنه أول المتضامنين والمستجيب لمطالبهم.
مركز إعلامي
ولا يقتصر تواجد المتظاهرين في مبنى "المطعم التركي" لمراقبة تحركات القوات الأمنية، وإنما يمثل كذلك مركزا إعلاميا يغطي من خلاله عدد من الصحفيين والناشطين أخبار المتظاهرين في ساحة التحرير أولا بأول.
وقال الناشط "علي" في حديثه لـ"عربي21" مفضلا عدم ذكر اسمه كاملا، إن مجموعة من الإعلاميين يجمعهم "غروب" على تطبيق "واتساب" يتولون مهمة بث الصور ومقاطع الفيديو والأخبار الحقيقية، وما يدور في ساحة التحرير، لإيصال صوتهم إلى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
وأكد "علي" أن "الكثيرين من مشرفي ومديري صفحات كبيرة ومعروفة على فيسبوك، متواجدون فيه على مدار الساعة لنشر الأخبار والصور وتوثيق حالات الاعتداء على المتظاهرين الذين يتعرضون في بعض الأحيان إلى وابل من القنابل المسيلة للدموع، التي توقع عددا من الضحايا في صفوف المتظاهرين".
وأشار إلى أن مصورين محترفين يلتقطون يوميا الكثير من الصور لساحة التحرير والمتظاهرين وإرسالها إلى وسائل إعلام ومواقع تواصل اجتماعي، لإدامة زخم التواجد في المكان، وذلك ساهم بشكل كبير في كسر حاجز الخوف عند العراقيين، واستقطاب أعداد كبيرة من العائلات التي تتوافد يوميا إلى "التحرير" للتضامن مع المتظاهرين.
وتحول المبنى الشاهق إلى جدارية يعلق عليها المتظاهرون مطالبهم وصور زملائهم الذين سقطوا ضحايا أثناء الاحتجاجات، إضافة إلى الشعارات التي تحث على الوحدة الوطنية ونبذ الطائفية والمحاصصة السياسية.
وعلى الصعيد الأمني، قال "علي" إن من يريد الصعود إلى مبنى المطعم التركي، يخضع إلى تفتيش أفراد من لجان شكلها المتظاهرين، لضمان سلامة المتواجدين، و"إبعاد المندسين الذين يحاولون تشويه صورة الاحتجاجات، إذ لا يمكن لأي شخص يحمل السلاح الدخول للمبنى نهائيا"، وفق قوله.
لكنه لم ينف، احتمالية تواجد عناصر أمن بزي مدني بين المتظاهرين المتواجدين في مبنى المطعم التركي، مشيرا إلى أن الأمر قد يكون اعتياديا، ونحن ليس لدينا شيء نخفيه أو ينتهك القانون، فالكل مكشوف وجهه ولا يمنع أي شخص يريد الدخول إلى المبنى، سوى من يحمل سلاحا أو يعرف نفسه بأنه ينتمي إلى أحد الأحزاب الفاسدة والمليشيات.
اقرأ أيضا: إيران والقوى الموالية لها محظورة في ساحة التحرير ببغداد (شاهد)
نشاطات يومية
ويمارس المتظاهرون في المبنى، نشاطات يومية، تؤهل المكان الذي أصبح إحدى إيقونات الاحتجاجات العراقية، إذ يتكفل عدد منهم بتنظيف وغسل المبنى بشكل يومي، وكذلك ترميم وطلاء عدد من أجزاء المبنى، ولاسيما بعدما أوصل المتظاهرون مؤخرا التيار الكهربائي إلى "المطعم التركي".
وحول ذلك، يشير الناشط "محمود" في حديثه لـ"عربي21" إلى أن الكثير من المتبرعين يزودون المتظاهرين بمواد الطلاء وأنابيب المياه وأسلاك الكهرباء، ليتكفل بعد ذلك عدد من الشباب المتواجدين في المبنى، بإيصال الماء الساخن إلى أجزاء تحولت لحمامات، وكذلك إنارة الأقسام المشغولة من المبنى، وسُلّم البناية.
ولفت إلى أن السيارات التي تحمل أغراضا وطعاما ومياها وبطانيات يسمح لها بالدخول لساحة التحرير وتحديدا من الجهة الخلفية لمبنى "المطعم التركي" لإيصال ما يحتاجه المتظاهرون الذين لم يذهب البعض منهم إلى منازلهم منذ يوم 24 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
ونوه محمود إلى أن المعونات من طعام وفواكه وخضار ومياه تصل إلى المتظاهرين من المتبرعين الميسورين وكذلك من محافظات مختلفة بشكل يومي، ولا سيما أهالي مدينة الفلوجة في محافظة الأنبار، وكل ذلك يعبر عن تضامن العراقيين مع بعضهم البعض من مختلف الطوائف والمكونات.
ودخلت المظاهرات في العراق أسبوعها الثالث، التي طالبت في بداية الأمر بتوفير فرص العمل والقضاء على الفساد وتحسين الخدمات، ثم تحولت إلى المطالبة بإقالة الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة بإشراف أممي.
ولا يزال يتساقط بشكل يومي عدد من المتظاهرين بين قتيل وجريح جراء استخدام القوات الأمنية للرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع والتي تطلق بشكل مباشر على المحتجين، إذ تجاوز عدد القتلى الـ130 شخصا، إضافة إلى إصابة أكثر من 15 ألف آخرين.
احتجاجات العراق صرخة ضد اقتصاد مترهل.. هل توقفها الإصلاحات؟
4 سيناريوهات.. تقرير بريطاني يستشرف مشهد العراق في 2020
مظاهرات العراق.. قنابل الغاز تفتك بالمتظاهرين وإدانة دولية