سياسة دولية

انتخابات بريطانيا.. بين بريكست واتهامات "معاداة الساميّة"

بريكست.. العنوان الرئيس للانتخابات- جيتي

تشهد الحملة الانتخابية في بريطانيا تحولات وبرامج غير تقليدية. ففيما كانت الأنظار موجهة نحو موضوع البريكست، بدا أن الأحزاب الرئيسية تسعى لإغراء الناخبين بالمزيد من الإنفاق على الخدمات العامة.

وتشير استطلاعات الرأي إلى تقدم حزب المحافظين في السباق الانتخابي. وفي أحدث استطلاع نشرت صحيفة الإندبندنت نتائجه، حصل المحافظون على 37 بالمئة مقارنة مع 31 في المئة قبل شهر، في حين زاد تأييد حزب العمال المعارض إلى 29 بالمئة مقارنة مع 26 في المئة.

وعادت قضية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي بقوة إلى حديث الانتخابات المبكرة المقررة في 12 كانون الأول/ ديسمبر القادم، مع إعلان حزب بريكست عدم منافسة حزب المحافظين في الدوائر التي فاز فيها في الانتخابات الماضية، لإعطاء رئيس الوزراء وزعيم حزب المحافظين، بوريس جونسون، فرصة للفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد.

فقد أعلن زعيم حزب بريكست، نايجل فاراج، أنه لن ينافس على 317 مقعدا فاز بها حزب المحافظين في عام 2017.

وقال فاراج الاثنين، في إعلان مفاجئ، إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يواجه أزمة، وإنه لذلك لن يدفع بمرشحين لشغل المقاعد التي يشغلها المحافظون، لكنه سينافس في معظم ما تبقى، بما في ذلك بعض الدوائر التي يطمح المحافظون للإطاحة بمرشحي حزب العمال فيها، إضافة إلى مقاعد الأحزاب المؤيدة للبقاء في الاتحاد الأوروبي.

وسبق أن تعهد فاراج قبل أسبوع بالدفع بما يصل إلى 600 مرشح في الانتخابات؛ إلا إذا خاضها جونسون على أساس الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، ملمحا إلى رفض الاتفاق الذي توصل إليه رئيس الوزراء مع الاتحاد. وفاراج نفسه أعلن سابقا أن لن يترشح في هذه الانتخابات.

وكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حث جونسون وفاراج على التفاهم في هذه الانتخابات. وأبلغ ترامب الصحفيين في البيت الأبيض، الأسبوع الماضي، بأنه تربطه صداقة بالرجلين، لكنه وصف جونسون بأنه "الرجل المناسب في الوقت الراهن"، وأنه "سيقوم بالأمر على الشكل الصحيح".

 

اقرأ أيضا: كوربين يتهم ترامب بالتدخل في الانتخابات البريطانية

وواجه ترامب اتهامات من جانب الأحزاب البريطانية الأخرى بالتدخل في الانتخابات البريطانية، عبر مواقفه المؤيدة لجونسون، ودعوته للتعاون مع فاراج. بل إن ترامب سبق أن وصف كوربين بأنه "ليس صالحا" ليكون رئيسا للوزراء.

وكان التهديد الذي يمثله حزب بريكست لجونسون أحد أكثر جوانب الانتخابات غموضا؛ فقد أحدث فاراج تحولا في السياسة البريطانية خلال العقد الماضي من خلال اجتذاب ناخبين مؤيدين لحزب المحافظين، ما أرغم رؤساء حكومات متعاقبين على اتخاذ مواقف صارمة من أوروبا لم يسبق لها مثيل، وفي هذا السياق جاء قرار رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون بإجراء استفتاء بشأن الانسحاب عام 2016.

معاداة السامية.. والإسلاموفوبيا


وشهد انطلاق الحملات الانتخابية للحزبين الكبيرين، المحافظين والعمال، تعثرا؛ فعلى مستوى حزب المحافظين، اضطر وزير شؤون ويلز، ألين كيرنز، للاستقالة الأسبوع الماضي، بعد اتهامه بالكذب، لعلمه بأن أحد مساعديه قام بدور في إفساد محاكمة تتعلق بقضية اغتصاب.

 

اقرأ أيضا: انتقاد لحزب المحافظين لعدم فتح تحقيق بالإسلاموفوبيا بصفوفه

كما أمضى رئيس حزب المحافظين جيمس كليفرلي يوما وهو يدافع عن نشر مقطع فيديو جرى تقطيعه وتحريفه، وقام الحزب بتوزيعه، ويظهر فيه سياسي من حزب العمال المنافس، بدلا من الترويج لانطلاقة حملة جونسون الانتخابية.

واعتذر عضو بارز آخر في حزب المحافظين هو جيكوب ريس- موج، الثلاثاء الماضي، عن تلميحه إلى أنه كان على ضحايا حريق برج جرينفيل في لندن التحلي بالمنطق السليم، وتجاهل تعليمات رجال الإطفاء بالبقاء في المبنى المشتعل.

أما حزب العمال، فتتعرض حملته هو الآخر لضغوط شديدة. فقد أعلن الرجل الثاني في الحزب توم واتسون، المؤيد لبقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، استقالته الأربعاء، وقرر عدم الترشح للانتخابات.

 

والخميس، دعا وزير عمالي سابق، هو أيان أوستين، الناخبين للتصويت لحزب المحافظين، معتبرا في تصريحات نقلتها قنوات وصحف المحافظين، أن كوربين "غير قادر" على تولي منصب رئيس الوزراء، خصوصا بسبب معاداة السامية التي قال إنها تسمم حزب العمال. وتبعه جون وودكوك، وهو نائب عمالي سابق.

اقرأ أيضا: كوربين تحت القصف.. حملة بتويتر ضد كوربين مدعومة حكوميا

ويتعرض حزب العمال لهجمة عنيفة من جانب حزب المحافظين ووسائل الإعلام، لاتهام كوربين بالتساهل في مواجهة معاداة السامية داخل الحزب.

ووجهت نشرة "جويش كرونيكل" الناطقة باسم يهود بريطانيا، الخميس، نداء نادرا للناخبين من غير اليهود تدعوهم إلى "التحرك باستخدام تصويتهم" ضد "العنصرية" من خلال رفض التصويت لكوربين.

وتلاحق هذه المسألة الزعيم العمالي منذ سنوات، وكانت أدت إلى سلسلة استقالات لعدد من نواب الحزب.

وتروج بعض وسائل الإعلام المؤيدة لليمين بأن وصول جونسون للسلطة سيشكل تهديدا للأمن القومي، مع ترويج مزاعم له بأنه "شيوعي"، ومؤيد لمنظمات مصنفة "إرهابية" مثل حركة حماس، وأنه يرتبط بعلاقات مع روسيا.

 

أما حزب المحافظين، فيواجه اتهامات بتفشي الإسلاموفوبيا ومعاداة الإسلام داخل الحزب، سبق أن تورط فيها زعماء الحزب، مثل جونسون، فيما لم تف قيادات الحزب بتعهداتها بإجراء تحقيق حول هذه المسألة. لكن رغم ذلك، فإن هذه الاتهامات لا تحظى بتغطية توازي تغطية الاتهامات الموجهة لكوربين بشأن معاداة السامية.

البريكست

ويتعهد كوربين بإعادة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي على اتفاق للخروج من الاتحاد، ينص على اتحاد جمركي مع أخذ المسائل الاجتماعية والبيئية في الاعتبار أكثر مما ورد في الاتفاق المبرم مع جونسون. ثم سيعرض نتيجة المفاوضات على استفتاء مع خيار البقاء في الاتحاد الأوروبي. لكنه امتنع عن إعطاء موقف محدد لصالح البقاء أو الخروج، وهو ما يحرمه من دعم شريحة واسعة من مؤيدي الانسحاب أو البقاء في الاتحاد على حد سواء.

أما جونسون، فقد تخلى عن التعهد بالانسحاب دون اتفاق، وهذا كان شرطا أساسيا لدى حزب العمال لدعم الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة.

ويسعى جونسون للحصول على أغلبية برلمانية مريحة تتيح له تنفيذ الاتفاق الذي توصل إليه للانسحاب. وتأجل تنفيذ بريكست ثلاث مرات، وبات الآن مقررا بحلول 31 كانون الثاني/ يناير 2019.

من جهته، أعلن حزب الديمقراطيين الأحرار أنه سيلجأ لإلغاء طلب الانسحاب من الاتحاد الأوروبي إذا فاز في الانتخابات.

سخاء الإنفاق

وبعد سنوات من سياسة التقشف التي اتبعها المحافظون، أصبحت مسألة زيادة الإنفاق أحد التعهدات الرئيسية في الحملة الانتخابية.

فقد عرض وزير الشؤون المالية في حكومة الظل (العمال)، جون ماكدونيل، مقترحات للإنفاق من أجل "الاستثمار بدرجة لم تحصل من قبل".

وأعلن عن 400 مليار جنيه من الاستثمارات الجديدة في قطاعات الطاقة والنقل والمدارس والمستشفيات والإسكان وغيرها.

وتشكل قضية المؤسسة الصحية الوطنية (إن أتش أس) إحدى القضايا الأكثر إثارة للجدل، مع تتعهد حزب العمال بإعادة إحياء المؤسسة التي عانت من التقشف. كما يتهم العمال حزب المحافظين بأنه يسعى لخصخصة المؤسسة وجعلها رهينة للشركات الأمريكية، بعد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

وحض ماكدونيل الناخبين على عدم الثقة بالمحافظين في تحسين الخدمات العامة. وقال: "سيعتبروننا أغبياء. احكموا عليهم بحسب سجلهم وسلوكهم وليس على وعودهم الانتخابية الاحتيالية الزائفة".

 

اقرأ أيضا: استطلاع يظهر تقدم المحافظين على "العمال" في بريطانيا

كما أعلن حزب المحافظين التخلي عن التقشف، مع خطط جديدة للاقتراض من أجل الاستثمار، مهاجما في الوقت ذاته حزب العمال المنافس الذي تعهد بسخاء أكبر.

وسبق أن أعلن وزير المالية، ساجد جافيد، أن حزب المحافظين يخطط لزيادة الإنفاق الحكومي بمقدار 13,8 مليار جنيه (16,8 مليار دولار) على الصحة والتعليم، ولتعزيز تواجد الشرطة في الشوارع.

وعاد الخميس ليؤكد أن حكومته لن تنفق أكثر مما تجنيه، ولكن "يمكننا الاقتراض فعلا بمعدلات فائدة سلبية، ما يعني أن الوقت جدير بالاستثمار". ومع مرتبات أعلى ومزيد من الاستثمار في التعليم والصحة والبيئة والسكك الحديد والطرق والبنية التحتية الرقمية "يمكننا بناء عقد من النمو والفرص والازدهار للجميع"، كما قال.

واتهم جافيد حزب العمال بأنه يسعى لإعادة تأميم الخدمات والسكك الحديد في حال توليه السلطة. وقال: "سيخربون شؤونكم المالية، ويزيدون ضرائبكم، وسيرهقون كاهل الجيل القادم بالدين".