تكررت في الأيام الأخيرة حوادث التفجير في منطقة عمليات "نبع السلام" في منطقة شرق نهر الفرات شمال شرق سوريا، ما طرح تساؤلات عن الأسباب التي تساعد الأطراف التي تقف خلف هذه التفجيرات.
ومنذ السيطرة عليها من قبل القوات التركية والجيش الوطني السوري، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تشهد مدن وبلدات في تلك المنطقة حوادث تفجير بالسيارات المفخخة والعبوات، وكان آخرها انفجار سيارة مفخخة وسط مدينة تل أبيض، ظهيرة الثلاثاء الماضي، أسفرت عن إصابة ثلاثة أشخاص.
وسبق هذا الحادث بأيام، انفجار سيارة مفخخة في المدينة ذاتها، أدى إلى مقتل وجرح العشرات من المدنيين، منهم أطفال، كذلك تشهد بعض البلدات حوادث انفجار ألغام، مما أدى إلى إشاعة جو من عدم الاستقرار.
الناطق الرسمي باسم "الجيش الوطني السوري"، الرائد يوسف حمود، اتهم الوحدات الكردية التي تهيمن على قرار ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بالوقوف خلف هذه التفجيرات.
مساحات واسعة
وبسؤاله عن الأسباب التي تسهّل اختراق المنطقة أمنيا، قال لـ"عربي21": إن المنطقة لا تزال ساحة للعمليات العسكرية، حيث لا زالت خطوط التماس تشهد اشتباكات بين قوات "نبع السلام" والمليشيات الانفصالية.
اقرأ أيضا: أنقرة: "قسد" تواصل هجماتها في نطاق عمليات "نبع السلام"
وأضاف حمود، إن سرعة تحرير هذه المناطق، ومساحاتها الواسعة، يساعد نسبيا في استهداف المنطقة من الداخل عبر عملاء للمليشيات.
وأكد في هذا السياق، وجود بعض من وصفهم بالعملاء داخل التجمعات المدنية في المنطقة، موضحا أن "البعض من عناصر قسد زعموا إلقاء السلاح، غير أنهم لا زالوا عناصر يتبعون للمليشيات".
وقال إن "المليشيات الإرهابية، تستغل كل ذلك، وتقوم بتجهيز المفخخات (سيارات، دراجات نارية)، وإيصالها إلى مراكز المدن، لتفجيرها داخل التجمعات المدنية، لإشاعة شعور بعدم الاستقرار، ولإرهاب الأهالي".
خلايا نائمة
ولم يذهب القيادي العسكري في "الجيش الوطني السوري"، العقيد عماد شحود، عن ما ذهب إليه حمود، من حديث عن نشاط لخلايا نائمة تابعة لـ"قسد" في المنطقة.
وفي حديث لـ"عربي21" أكد وجود عناصر مأجورة، تقوم بتجهيز المفخخات من داخل المنطقة، وتفجيرها وسط المدنيين، مشددا في هذا السياق على استحالة دخول آليات من خارج المنطقة، نظرا لعدم وجود معابر للآليات.
وقال شحود، لم يمض على تحرير هذه المناطق سوى أسابيع معدودة، وهذه المدة ليست كافية بعد لتدارك الوضع الأمني، وسد الثغرات التي تستطيع المليشيات الانفصالية تحقيق اختراق أمني منها.
وبحسب شحود، فإن من المرتقب أن تباشر الأجهزة الأمنية عملها، وتحديدا جهاز الشرطة العسكرية.
المعاملة الإنسانية
وفي سياق الحديث عن الأسباب التي تسّهل مهمة اختراق منطقة عملية "نبع السلام" أمنيا، لفت مدير المكتب السياسي في "تجمع أحرار الشرقية" التابع لـ"الجيش الوطني السوري"، زياد الخلف، في حديث لـ"عربي21" إلى التعليمات الأمنية الصارمة من قبل قيادة "الجيش الوطني السوري" بعدم التعرض للمدنيين.
وألمح إلى بعض السلبيات المترتبة على ذلك، بقوله "الخلايا النائمة تنشط تحت الستار المدني، علما بأن المدنيين هم ضحايا هذه التفجيرات".
وفي هذا الإطار، دعا الخلف إلى تشديد العمل الأمني، لتجنب المزيد من الضحايا، من خلال تفعيل بعض الإجراءات الأمنية، المشابهة لقوانين الطوارئ.
وكانت إدارة التوجيه المعنوي التابعة للجيش الوطني السوري، قد أصدرت قبل أيام مدونة سلوك تحت عنوان "مقاتل لا قاتل" لتشكل مرجعا للعسكريين يحدد بدقة السلوك الواجب اعتماده خلال المعارك والمهام القتالية، تضمنت شرح السلوك والواجب المهني لعناصر الجيش، كما أوضحت عمل وسلوك عناصر القوى الأمنية، من حيث تسيير الدوريات وإقامة الحواجز ونقاط التفتيش، إضافة إلى التوقيف والتعامل مع المحتجزين واستخدام القوة النارية.
اقرأ أيضا: انفجار سيارة مفخخة وسط مدينة تل أبيض السورية
وبينت المدونة التي تسلمت "عربي21" نسخة منها أهداف الجيش والقواعد الحاكمة لعمله وسلوكه، إضافة إلى المبادئ الأساسية في استخدام القوة النارية ومعاملة أسرى الحرب، مشددة على منع وقوع أي مخالفة لمضمونها، بالإضافة إلى قمع المخالفات عند وقوعها وإبلاغ الرؤساء والجهات المعنية عند احتمال وقوع مخالفات وشيكة للمدونة.
مستودعات خفية
مدير موقع "الخابور" الإخباري، المراقب عن كثب للتطورات في منطقة عمليات "نبع السلام"، الصحفي إبراهيم الحبش، اعتبر أنه "ليس من المبالغة القول أن حزب العمال الكردستاني لا زال متواجدا في منطقة عمليات نبع السلام".
وفي حديثه لـ"عربي21" قال لـ"عربي21"، لا زالت هناك العديد من الأنفاق غير المكتشفة، وهذه الأنفاق هي مستودعات للمواد التي يتم تصنيع المفخخات منها.
وهنا لفت الحبش، إلى اكتشاف نفق لقوات "قسد"، قبل أيام، في مدينة تل أبيض، مرجحا وجود العديد منها.
وفي وقت سابق، أعلنت وزارة الدفاع التركية، أن قوات عملية "نبع السلام" عثرت على نفق جديد لتنظيم "ي ب ك/ بي كا كا"، بمدينة تل أبيض السورية، خلال أعمال التمشيط فيها.
وقالت الوزارة في تغريدة بموقع "تويتر" إن "قوات الكوماندوز التركية عثرت على نفق جديد مفتوح على مبنى، يعتقد أن الإرهابيين استخدموه كمقر لهم"، مشيرة إلى استمرار أعمال التمشيط وتفكيك الألغام في منطقة "نبع السلام".
استفادة من خبرات تنظيم الدولة
من جهة ثانية، أشار الحبش إلى استفادة "قسد" من خبرات تنظيم الدولة في مجال التفجيرات وزرع العبوات الناسفة، كاشفا عن قيام عناصر من أسرى تنظيم الدولة بتدريب عناصر "قسد" على استخدام المفخخات.
وقال أن "قسد" حولت صوامع حبوب كبكة بريف الحسكة إلى مركز للتدريب على وسائل التفجير، حيث تم جلب أسرى تنظيم الدولة من أصحاب الخبرات في مجال التفجيرات، لتدريب العناصر.
اقرأ أيضا: "الوطني السوري" يسقط طائرتين مسيرتين لقسد برأس العين
وتابع أن "حوادث التفجير التي تقوم بها قسد في مناطق عمليات نبع السلام، وغصن الزيتون، ودرع الفرات، تتشابه من حيث الأهداف واستهدافها للتجمعات المدنية، ومن حيث طريقة التجهيز والإعداد، مع التفجيرات التي كان ينفذها تنظيم الدولة.
تدابير أمنية
وبغية التقليل من تلك العمليات، كشف الناطق الرسمي باسم "الجيش الوطني السوري"، الرائد يوسف حمود، عن تدابير عدة تعتزم قوات "نبع السلام" اتخاذها.
وأوضح أن "الجيش الوطني عمد إلى تشكيل جهاز للشرطة العسكرية، وكذلك نشر الحواجز على الطرقات، وتأمين مداخل المدن، وإغلاق الطرق الفرعية، التي قد تساعد عناصر "قسد" على التسلل".
وقبل أيام، كانت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، قد أعلنت عن تشكيل محكمة عسكرية في رأس العين وتل أبيض شمال شرق سوريا، لضبط المناطق التي تم تحريرها ضمن عملية نبع السلام.
وتشمل صلاحيات المحكمة كلا من عناصر الجيش الوطني السوري، والعناصر المحتجزة من عناصر "قسد".
والأربعاء أعلنت وزارة الدفاع التركية، استمرار تحرشات الوحدات الكردية المسلحة، ضد منطقة عملية "نبع السلام" شمال سوريا، مضيفة أن تحرشات "قسد" مستمرة ضد منطقة عملية "نبع السلام"، وسط التزام تام للقوات المسلحة التركية بالاتفاق المتعلق بتأسيس المنطقة الآمنة.
وأوضحت أن "الإرهابيين نفذوا 11 هجوما على منطقة عملية نبع السلام خلال الـ24 ساعة الأخيرة، معظمها بقذائف الهاون وصواريخ مضادة للدبابات".
وفي 9 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أطلق الجيش التركي بمشاركة "الجيش الوطني السوري"، عملية "نبع السلام" في منطقة شرقي نهر الفرات شمال سوريا، ضد الوحدات الكردية المسلحة، بهدف إنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، ليتم الإعلان في الـ17 من الشهر ذاته، عن تعليق العملية بعد توصل أنقرة وواشنطن إلى اتفاق يقضي بانسحاب الإرهابيين من المنطقة.
ما مصير عملية "نبع السلام" مع انتهاء مهلة الـ120 ساعة؟
هل نسقت أمريكا انسحابها من سوريا أم تعمدت خلق فوضى؟
أوروبا تضغط.. هل يستقبل العراق سجناء تنظيم الدولة بسوريا؟