شتان الفارق بين صفقات الأسلحة التشيكية لمصر في عامي 1955 وعقب الانقلاب العسكري في 2013. ففي الأولى كانت الصفقة تستهدف مساعدة مصر على تحقيق توازن تسليحي مع العدو الصهيوني بعد الحظر الأمريكي الأوروبي على توريد السلاح للمنطقة، أما الصفقة أو الصفقات الجديدة عقب انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013، فتستهدف دعم الحكم العسكري في مواجهته للتحركات الشعبية الساعية نحو الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان.
الصفقة الأولى (والتي كانت أصلا أسلحة روسية) أفادت مصر في مواجهة العدوان الثلاثي الذي وقع عقبها بعام واحد، وكانت جزءا مهما من تسليح الجيش المصري في حربي 1967 و1973، أما الثانية فكانت جزءا من دعم نظام الانقلاب ضد الشعب المصري، بدءا من ظهور واستخدام هذه الأسلحة والبنادق التشيكية في فض اعتصام رابعة وما تلاها من عمليات قمع للحراك الشعبي سواء في الذكرى الثالثة أو الرابعة لثورة 25 يناير، حسب تقرير صدر مؤخرا عن الجبهة المصرية لحقوق الإنسان بعنوان (تصدير الانتهاك.. نظرة على أوضاع تـصدير الأسلحة الخفــيفة من جمهورية التشيك إلى مصر).
الصفقة أو الصفقات الجديدة عقب انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013، فتستهدف دعم الحكم العسكري في مواجهته للتحركات الشعبية الساعية نحو الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان
الصفقة الأولى عام 1955 غيرت موازين القوى في المنطقة، وأحدثت ردات فعل غربية قوية دفعت الولايات المتحدة لوقف تمويلها لبناء السد العالي، فكان رد الرئيس جمال عبد الناصر عليها بتأميم قناة السويس، وهو ما تسبب بدوره في حرب 1956، أو ما سمي حينها بالعدوان الثلاثي على منطقة القناة. أما الصفقات الحديثة فقد مكنت النظام العسكري الحاكم من وأد الديمقراطية بالفعل في مصر، ومواجهة كل دعاتها من جميع الاتجاهات السياسية، وبالتالي تتحمل جمهورية التشيك جزءا من المسؤولية عن دماء المصريين التي سالت، والديمقراطية التي وئدت مع غيرها من الدول المصدرة لأسلحة
القمع لنظام السيسي.
تنص المادة الرابعة من القرار الأوروبي الموحد (رقم CFSP 2008/944) ضمن القواعد المشتركة التي تحكم مراقبة صادرات التكنولوجيا والمعدات العسكرية الأوروبية على أن "الدول الأعضاء ملزمة بمنع تصدير التكنولوجيا والمعدات العسكرية التى يمكن استخدامها في القمع الداخلي أو العدوان الدولي، أو المساهمة في عدم الاستقرار الإقليمي". وقد وضع الموقف الموحد ثمانية معايير على الدول الأعضاء الالتزام بها في نطاق التجارة الدولية للمعدات والتكنولوجيا العسكرية، حيث ينص المعيار الثاني منه على احترام الدولة المصدر لها لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وأنه بعد تقييم سلوك الدولة المستوردة تجاه المبادئ المقررة بآليات حقوق الانسان الدولية، يجب على الدولة الطرف رفض منح رخصة التصدير إذا ما تبين خطر واضح يفيد باحتمالية استخدام التكنولوجيا أو المعدات العسكرية المصدرة في أعمال قمع داخلي".
أغلب الأسلحة المصدرة من جمهورية التشيك إلى مصر هي من الأسلحة الخفيفة (بنادق ومسدسات)، الأمر الذي يدخل عملية التصدير في إطار معاهدة تجارة الأسلحة
ويعرف القمع الداخلى وفقا لهذه الوثيقة، بأنه تلك الأفعال التي تشمل التعذيب وغيره من ضروب العقاب أو المعاملة القاسية أو غير الانسانية أو المهينة، وعمليات القتل الجماعية أو التعسفية، والإخفاءات، والاحتجازات التعسفية، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وهي الأنماط التي تكاد تطابق الانتهاكات الحقوقية التي ترتكبها السلطات في مصر منذ سنوات، خاصة تجاه المعارضين السياسيين.
وفقا لتقرير الجبهة لمصرية لحقوق الإنسان، والذي اعتمدت فيه على تحقيقاتها الخاصة، فإن "أغلب الأسلحة المصدرة من جمهورية التشيك إلى مصر هي من الأسلحة الخفيفة (بنادق ومسدسات)، الأمر الذي يدخل عملية التصدير في إطار معاهدة تجارة الأسلحة، والتي تعتبر احترام حقوق الانسان أحد المبادئ الأساسية التي تدعو لها اتفاقية تجارة الاسلحة، حيث ينص المبدأ 5 في مجموعة المبادئ على "احترام القانون الدولي الانساني وضمان احترامه، وفق الجملة من الأحكام منها اتفاقية جنيف لعام 1949، واحترام حقوق الانسان وضمان احترامها، وفقا لجملة من المواثيق والاتفاقات الدولية".
رغم وجود هذه النصوص الصريحة التي وقعت عليها جمهورية التشيك باعتبارها عضوا في الاتحاد الأوروبي، ومن المفترض أن تلتزم بها، إلا أنها لم تلتزم بها في تعاملها مع نظام السيسي، بل ضربت بها عرض الحائط، مفضلة دعم نظام ديكتاتوري
كما تحظر المعاهدة، وبشكل صريح، عمليات تجارة الأسلحة إلى دول تقوم بانتهاكات لحقوق الانسان، حيث تقول المادة 6/3 من المعاهدة: "لا تأذن الدولة الطرف بأي عملية لنقل أسلحة تقليدية.. إذا كانت على علم وقت النظر في الإذن، بأن الأسلحة أو الأصناف ستستخدم في ارتكاب جريمة إبادة جماعية، أو جرائم ضد الإنسانية، أو مخالفات جسيمة لاتفاقيات جنيف لعام 1949، أو هجمات موجهة ضد أهداف مدنية أو ضد مدنيين يتمتعون بالحماية بتلك الصفة، أو جرائم حرب أخرى على النحو الوارد تعريفه في الاتفاقيات الدولية التي تكون طرفا فيها".
رغم وجود هذه النصوص الصريحة التي وقعت عليها جمهورية التشيك باعتبارها عضوا في الاتحاد الأوروبي، ومن المفترض أن تلتزم بها، إلا أنها لم تلتزم بها في تعاملها مع نظام السيسي، بل ضربت بها عرض الحائط، مفضلة دعم نظام ديكتاتوري، لا يخفي كرهه للديمقراطية بل قمعه لها وللمدافعين عنها.
وإذا كان الشعب المصري قد ثمّن صفقة الأسلحة التشيكية منتصف الخمسينات كونها ساعدت قواته المسلحة في مواجهة الحظر التسليحي الغربي، فإن هذا الشعب الذي يكتوي الآن بنار الأسلحة التشيكية، ويفقد العديد من أبنائه أرواحهم بنيران تلك الأسلحة التي لن ينسى الشعب لجمهورية التشيك هذا الصنيع مهما طال الزمن.