سواء أكنت من المهتمين بعالم
السينما أم من غير المتابعين لها، فإنه من المؤكد قد مر على سمعك مرة واحدة على
الأقل خلال الأسابيع الماضية اسم «الجوكر»؛ ذلك الفيلم الذي أحدث ضجة غير اعتيادية
في عالم السينما والأفلام الأميركية حتى بات الجميع يتحدثون عنه ويتساءلون: هل
شاهدت الفيلم؟ ماذا فهمت منه؟ ماذا قصد صانعوه؟ الكل يتحدث عن «الجوكر» في أماكن
العمل ووقت الترفيه وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وكأن هناك إجماعا بين الناس على
أهمية هذا الفيلم.
في الوقت الذي يقضي فيه الناس معظم أوقاتهم في
مشاهدة الإنترنت وتصفّح المواقع المختلفة للحصول على المعلومات والترفيه وتكوين
العلاقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي الكثيرة التي تزدحم بها الشبكة العنكبوتية،
لا تزال صناعة السينما تحتل مركزا متقدما في عالم الاقتصاد؛ لما تمتلكه من إمكانات
ضخمة ومؤثرات كبيرة في الصورة والصوت، حتى وصلنا إلى السينما رباعية الأبعاد التي
تنقلك إلى داخل الفيلم فتشعر بسرعة الحركة؛ بل وتلمس الهواء وأحيانا رذاذ الماء
المتطاير داخل المشاهد المتحركة أمامك.
في عام 2018، حققت صناعة السينما في أنحاء
العالم كافة ما يزيد على 41 مليار دولار من خلال بيع التذاكر فقط، استحوذت
الولايات المتحدة على ما يزيد على 25 % منها. وإذا أضفنا إلى هذه الإيرادات الدخل
المتحصل من وسائل الترفيه الأخرى مثل بيع هذه الأفلام على أسطوانات أو على
الإنترنت، فإن دخل هذه الصناعة يصل إلى أكثر من 136 مليار دولار؛ مما يجعلها تحتل
مركزا متقدما بين الأنشطة الاقتصادية التي تقوم بها البشرية في العصر الحديث،
بينما على صعيد عدد الأفلام المنتجة تحتل الهند المرتبة الأولى بإنتاج ما يزيد على
1800 فيلم في عام 2018 وحده.
لتبسيط الأرقام السابقة، فإنه بالنظر إلى فيلم
«الجوكر» الذي لم تتعدّ تكلفة إنتاجه نحو 55 مليون دولار، فقد حقق خلال أسبوعين
اثنين فقط من عرضه ما يزيد على 600 مليون دولار من خلال مشاهدته في أنحاء العالم
كافة، ومن المتوقع أن يتخطى هذا الرقم حاجز 800 مليون دولار بالنظر إلى الأرقام
القياسية التي حطمها هذا الفيلم خلال الأيام الأولى من عرضه في دور السينما بسبب
الغموض الذي يحيط بشخصية الفيلم التي ظهرت في عديد الأفلام السابقة.
لم تكن صناعة السينما منذ نشأتها في نهاية
القرن التاسع عشر صناعة اقتصادية بحتة تهدف إلى الربح فقط؛ ولكنها كانت دائما ما
تحمل ضمن أفلامها ومشاهدها ذلك «الجوكر» الذي يقدّم رسائل مبطنة قد يفهمها البعض
ويجهلها البعض الآخر؛ مما جعل كثيرين يطلقون على انتشار الأفلام الأميركية في أسواق
العالم «الغزو الثقافي»؛ هذا الغزو الذي يأتي محمّلا بعديد الأفكار التي يزرعها
بيننا، عائدا بمزيد من الأرباح لصانعيها من شعوب أصبحت تستقبل أكثر مما تعطي!
عن صحيفة العرب
القطرية