"من الفلاح الفصيح للإنترنت"
وفي تعليقه على هذه الظاهرة، أشار
الأكاديمي المصري الدكتور صبري العدل إلى قول الأديب الفرنسي "جيلبرت سينويه"
في رواية "المصرية": "يولد المصري وفي قلبه ورق بردي منقوش عليه بحروف
من ذهب أن السخرية هي المنقذ من اليأس".
أستاذ التاريخ الحديث، أضاف لـ"عربي21" أنه "وبطبيعة الحال لدينا أقدم نصوص السخرية بقصة الفلاح الفصيح، الذي حصل على
حقه ورفع الظلم عنه عبر السخرية والتملق لأحد رجال الإدارة".
وقال الباحث المصري: "مع
تطور مصر الحديثة، ورغم ما فعله محمد علي باشا لمصر من نقلة نوعية في الزراعة والتصنيع؛
لم يسلم من سخرية المصريين، فحينما بنى (قصر شبرا)، سخروا بقولهم: (يبني قصرا ويهدم
مصرا)، في إشارة للضرائب التي أرهقهم بها، وفي الوقت نفسه يبني القصور لملذاته وحريمه".
وتابع العدل: "استخدمت السخرية
كوسيلة للتعبير عندما أنشئت الصحف بعصر الخديوي إسماعيل، فكانت جريدة (أبونضارة) لسان
حال يعقوب صنوع المصري الذى كرسها للسخرية من الخديوي وسفهه بإنفاق المال والديون،
والبذخ، مع إظهار حالة الفقر التي يئن منها المصريون".
وقال إنه "مع تطور وسائل
الاتصال الحديث، وظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، برزت أدوات جديدة للناس للتعبير
عن سخريتهم، باستخدام اللفظ والصورة، والاقتباسات الفنية، وتركيب الصور على غير مرادها؛ لتخدم سخريتهم من الحكومة وسوء الإدارة، وانتقاد المجتمع والسلطة".
وأشار أستاذ التاريخ الحديث إلى
أنه في عصر سيطرة الدولة على وسائل الإعلام، "لم تكن لتظهر تلك السخرية من الحاكم،
لكن مع وسائل التواصل الاجتماعي اختلف الأمر، فلا سيطرة للدولة على الوسائل الجديدة
المتاحة للجميع، ومن ثم طالت السخرية الرئيس ذاته، وصارت صورته توضع بلا قيود، ومرفقة
بنص السخرية".
"الزمن الأكثر سخرية"
وحول مدى تطور تلك النكات في
السخرية من عهد السيسي عن العهود السابقة من أقرانه العسكريين، يرى الأكاديمي المصري
الدكتور رضا هلال، أنه "منذ العام 1952 وحتى الآن لم تختلف كثيرا، حتى وصل الأمر
إلى تغيير الأسماء فقط".
هلال أضاف لـ"عربي21"
أن ما حدث من تغييرات "كان سببها طول أمد الظلم، الذي أدى لزيادة حدة اللهجة الساخرة، والإفراط باستخدام القبيح من الألفاظ، لكن المضمون والبصمة المصرية لم تتغير".
وأكد أستاذ العلوم السياسية أن الإفراط في السخرية له أصل تاريخي، حيث "تجد صور عمال من المصريين القدماء في
مقبرة بسقارة أحدهم يتهكم على الآخر الذي يسبه بكلمة (محسس) تعني كلمة مهينة الآن".
وجزم بأن "ثبات الأنشطة
والمؤثرات الاجتماعية يؤدي إلى ثبات نسبة الكثير من المتغيرات".
ويرى الباحث السياسي أن عصر
وسائل التواصل الاجتماعي هو "الزمن الأكثر سخرية من الحاكم، حيث أدى لاتساع نطاق
النشر وتبادل الأفكار، في ظل التعليم والإعلام اللذين تم إفراغهما من جوهرهما المصري،
وأصبحا مسخا، وأصبح المواطن عرضة للاستقطاب من قبل ثقافات أخرى أقل غزارة وثراء".
وأضاف أن "تدمير البيئة
الطبيعية والمنشئة أدى لتدمير البنية الاجتماعية والثقافية؛ فتحولت أمور كثيرة -منها
النكات- إلى تركيبات تافهة وغير قوية التعبير، وأصبحت أقل تأثيرا، وفقدت الكثير من
مكانتها في المجتمع، فالمؤلف ضعفت ثقافته المصرية التلقائية، والمتلقي أصبح مغترب فاقد
للهوية".
وفي رده على التساؤل: هل النكات
السياسية والسخرية أحد عوامل عدم انخراط المصريين في الثورات بسرعة؟ يعتقد الأكاديمي
المصري أن النكات لا تمنع من الثورات"، مشيرا إلى إطلاق الشعب الإيطالي على موسوليني
-حاكم إيطاليا ما بين 1922 و1943- في عز قوته النكات، وأنهم انقلبوا عليه، وقتلوه مع
خطيبته وابنه سحلا وبالرصاص، وتعليقا من أرجلهم".
لماذا لن تنجح دعوات مصر بإشراك أمريكا بمفاوضات سد النهضة؟
هذه علاقة المؤسسة العسكرية بتراجع الاستثمار الأجنبي في مصر
كيف فضح الإفراج عن أردنيين وسوداني نظام السيسي؟