قال الفنان المصري هشام عبد الله إن حياة
الغربة والمنفى، التي تعيشها الجاليات العربية، تجعل لزاما على الفنان التفكير
بأعمال فنية تلامس همومهم، وتشعرهم بوجود حلم مشترك، في ظل الظلم الواقع عليهم من
الأنظمة.
ومع اللمسات الأخيرة لفتح الستار والعرض
الأول لمسرحية "الحرافيش" في مدينة إسطنبول، التي يلعب دور البطولة فيها
الفنان هشام عبد الله ونخبة من الممثلين العرب والمصريين ضمن فرقة المسحراتية، قال:
"إن الفن هو الحياة والمسرح أبو الفنون الفنون، وأكثرها ملامسة لمشاعر
المقهورين".
وحول "الحرافيش" التي تعد باكورة
الأعمال المسرحية العربية في تركيا، أوضح عبد الله أن الفكرة جاءت من الحالة التي
نعيشها كشعوب عربية مع أنظمتنا، والتي حولت الجميع إلى "حرافيش"، وهم
"فتوات" يأخذون "الفردة" (الأتاوة) وهم يشعرون بالقهر.
وأشار إلى أن المسرحية مقتبسة من قصة للأديب
المصري الراحل نجيب محفوظ، وهي قصة معروفة، وجاء اختيار المخرج حسام الغمري لها،
لأنها تحاكي الواقع الجاري الآن في العالم العربي.
إقرأ أيضا: شارك بالتصويت.. أي هذه المسرحيات العربية الأفضل برأيك؟ (تفاعلي)
وأضاف: "فكرة الحرافيش أنهم أناس يرضخون
للقوة ولا يختارون قائدهم، وغير قادرين على الخروج من مشاعر العبودية المفروضة
عليهم بل ليس من حقهم المطالبة بما لهم، وهم مستعبدون للفتوات الأقوياء، لكن
المفارقة في أنه لو جاء فتوة عادل ويعاملهم باحترام لتمردوا عليه وبقوا صامتين
حتى لو قتل أمامهم، إلا أنهم في المقابل لو جاءهم الفتوة الظالم فسيعودون عبيدا
له".
وعلى صعيد العمل الفني عموما في الغربة قال عبد
الله: "بالتأكيد هناك صعوبات وعقبات لوجستية لخدمة الأعمال، لكن من ناحية
الكوادر الفنية فهي متوفرة لسببين؛ الأول التنوع العربي الموجود في تركيا وتحديدا
إسطنبول، فهناك فنانات من تونس والمغرب وسوريا، وعدد من الفنانين المصريين الذين
شاركوا في أعمال على مدى 3 سنوات، وأصبحوا متمرسين ومستواهم ممتاز".
وتابع: "بعض العقبات تتعلق بمواقع
العرض، والبحث عن مسارح كبيرة، لأن العمل المسرحي الحرافيش ليس صغيرا، هذا
بالإضافة إلى إشكالية تسويق المسرحية وكيفية تحصيل المردود لتغطية النفقات
والتكاليف على العمل".
وأشار الفنان المصري إلى أن الرهان الأكبر في
العمل المسرحي بإسطنبول، هو على الجاليات العربية المقيمة فيها، لأن الفضائيات العربية
لن تعرض المسرحية، باستثناء الفضائيات المعارضة للأنظمة العربية ومن الصعب أيضا السفر
لكثير من الدول العربية لعرضها.
وبشأن الهدف من العمل المسرحي بمجمله في
الغربة قال عبد الله: "الغربة قاسية، ونحن بحاجة للخروج من جو هموم الحياة
والانشغال الدائم إلى حياة الفن وسرد همومنا وقصصنا بطريقة أخرى والجاليات العربية
في إسطنبول أكثر ما تكون احتياجا لهذه الأجواء، التي تحاكي أحلامها وتطلعاتها
بصلاح بلدانها".
إقرأ أيضا: مثقفو مصر: لا لهدم مسرح البالون والسيرك القومي
وأضاف: "قيمة الإنسان في وطنه، لكن ما
يخفف هذه الوطأة، أن شعوبنا باتت اليوم تحمل ذات الحلم وذات الهم والمسرح سيطرد
الأحاسيس المزعجة لأصحاب الحلم الواحد من المغتربين، إلى توليد جو من الألفة والتآخي
والتقارب ولو عبر مسرحية لأن الجميع يجلس في المكان ذاته ويرى العمل الفني من خلال
جراحه وهمومه".
وحول فن المسرح في العالم العربي والتراجع
الكبير الذي طرأ عليه قال عبد الله: "الأوضاع السياسية حطمت المسرح العربي،
والأنظمة سيطرت على الفن وصغرته لصالحها، وبالتالي لن تجد الفنان الجاد يعمل، بل
تشاهد أعمالا رخيصة".
وبشأن إيجابيات العمل الفني في الغربة بعيدا
عن "مقص الرقابة" في العالم العربي قال: "هنا تقدم ما ترد بحرية
دون قيود على الرسالة الفنية ولا الكلمة، وتعبر عن أوجاع الجميع وكل الجنسيات دون
حساسية، خاصة أن الفن لغة عالمية ولو حتى خاطبنا الأتراك فيها سيفهمونها رغم
اختلاف اللغة، لأننا إذا بكينا على المسرح سيبكون معنا ولو ضحكنا سيضحكون".
وتابع: "في عالمنا العربي رقابة أمنية
ومتابعة وتكتيف للفن، وأنا كفنان أمارس الرقابة على نفسي ولأني مش حر ولا أملك
مساحة للتعبير عن الهم الحقيقي، وأذكر هنا كيف سجن الفنان الراحل سعيد صالح لأنه
انتقد الرؤساء الثلاثة لمصر في مسرحية كعبلون".
ووجه عبد الله رسالة للشعوب العربية قال
فيها: "آن الأوان أن نخرج من حالة الحرافيش لنكون أحرارا لا نسمح لأحد بالدوس
على حقوقنا، والزمن القادم هو زمن الشعوب ولو توحدنا سريعا سننجز". مضيفا:
"اليوم نشاهد في مظاهرات لبنان ينادون على سوريا وليبيا والجزائر وتونس ومصر
لأنها بلدان مقهورة ولديها نفس الهم، والمسرح سيوفر لنا فرصة الانصهار ببعضنا
والحديث بهمومنا بشكل فني".
يشار إلى أن "الحرافيش" من تأليف وإخراج "حسام الغمري" بطولة كل من النجمين "محمد شومان"، و"هشام عبد الله"، ويشاركهم البطولة كل من "أيمن الباجوري"، و"محمد عبد اللطيف"، و"محمود سعداوي"، و"محمد أبو زهرة"، و"عرفات محمد"، و"إسلام علي"، و"معتز الشريف".
عبد الله مع شومان وأحد أبطال العمل خلال التدريب