وحدها الحرية تصنع المعجزات، وتمنح الشعوب قوة الإبداع والتقدم.
الدليل
على هذا الكلام يتكرر في كل مناسبة، ولقد شاهدنا ذلك مجسدا في تونس كما في الجزائر.
راقبوا
ماذا يحدث اليوم في تونس في أعقاب إعلان فوز قيس سعيّد، بعد انتخابات حرة ونزيهة،
وصعود رجل نظيف من عمق الشعب.. وانظروا الروح التي سكنت التونسيين بعدها، تالله
انهم ينتعشون كما لو أنهم كانوا أمواتا، فأحياهم هذا الانتخاب العظيم، وقد أهداهم
الله هذا الرجل الأصيل، في عز ثورتهم المجيدة.
التونسيون
اليوم، شرعوا بعفوية تامة، من تلقاء الضمير الجمعي والحرية التي شعروا بها،
والاعتزاز الذي اكتنفهم بالمنجز الذي حققوه، في عمليات تنظيف واسعة لشوارعهم،
وطفقت الجمعيات الخيرية في الإعلان عن حملات لجمع التبرعات للفقراء والمحتاجين، في
عملية تضامن عفوية يقوم بها الشعب بنفسه، دون وصاية أو تحريك رسمي، ليعبر بها عن
حقيقة أنه بالفعل صار شعبا حرا.
وأنا
أتابع هذه الأخبار السعيدة من تونس، شعرت أن شيئا مماثلا مر علينا هنا في الجزائر
قبل أشهر قليلة، لكنه للأسف اختفى الآن بشكل محزن، وعلى الخيرين أن يبحثوا في
أسباب ذلك..
لقد عشنا في الجزائر الأسابيع الأولى من الحراك المبارك بعد 22
فبراير، نفس هذه الروح التي تعيشها حاليا تونس بعد انتخاب قيس سعيّد، وإني لأزعم
أن الروح الجماعية والتضامن الشعبي الهائل، بين الجزائريين حينها كان أكبر بكثير
من روح التونسيين حاليا، لأن الشعور بالحرية والانتفاضة من اجل كسر القيود التي
طال أمدها، كان أعمق عندنا جراء الكبت الذي عاشه الشعب الجزائري طوال عقدين من حكم
بوتفليقة، وجراء سنوات الدم والدموع التي سبقتها.
حين
كان الحراك حراكا بالفعل، بملايينه التي تغطي عيون الشمس من أقصى الوطن إلى أقصاه،
وقبل أن يتحول إلى ما يشبه "التحريك" أو "التحراك" من طرف
جهات مدسوسة وأخرى "مكحوسة"، كان الجزائريون يقومون تلقائيا بتنظيف
الشوارع التي يتحركون فيها وتنظيف مدنهم، بل وتقديم المياه والأغذية للمتظاهرين،
وحماية النساء وسط الحراك من التحرشات، حيث كان الشعور بالحرية يمتزج مع شعور جارف
بالأخوة والوطنية التي لطالما عمل النظام المقبور على طمسها.
عندما
شعر الجزائريون برائحة الحرية، توقفت قوارب الموت، وتفتتت شعارات التفرقة، وتحولت
نظرات الغضب المعروفة عن الجزائريين في علاقاتهم اليومية في الشارع وأماكن العمل، إلى
نظرات احترام وتقدير، وإلى ابتسامات عريضة في الشفاه، كانت مدعاة لتسمية ثورتهم
بثورة الابتسامة.
مجرد
أن استنشق الجزائريون رائحة الحرية وحدها، تراجعت الشجارات في الأسواق والساحات
العامة، وأصبحت أولوية المرور بين السائقين والمارة مثار لعبة أخلاقية راقية.. حول
من يسمح للآخر بالمرور أولا.
لكن
تراجعت كثيرا، تلك الحالة الراقية المنتشية بالوطن.. في الآونة الأخيرة، عندما
دخلت الأجندات، ورفعت الرايات غير الوطنية، وصار "التخوين" هو العنوان
الكبير للشعارات، فضاع الشعور بالحرية، وعاد الغضب يلف الأنفس، وعادت الشتائم
لتملأ الآفاق ومعها مواقع التواصل الاجتماعي.
هل
سيلطف بنا الله، ويعود الشعور بالحرية والفخر ليمتعنا في الـ13من ديسمبر القادم،
حين يتم الإعلان عن رئيس الجزائر المنتخب؟ هل سيعود الجزائريون إلى روح التضامن
والنظافة والمحبة التي يشعر بها التونسيون اليوم، ومعها يتبادل الناس التهاني
والتبريكات بانتخاب ثالث رئيس عربي بصورة ديمقراطية بعد مرسي وقيس سعيّد؟
نتمنى
ذلك، فالحرية وحدها كفيلة بأن تخرج أحسن ما في الجزائريين من إبداع ومحبة، بعد أن
ضيعنا أوقاتا ثمينة في ظلمة الاستبداد والتخلف والكراهية.
عن صحيفة الشروق الجزائرية