تباينت مواقف عدد من الخبراء المغاربة من نتائج الانتخابات التشريعية في تونس، وركزت في تعاطيها على نتائج حزب حركة النهضة (الإسلامية)، بعد أن أظهرت النتائج الأولية تراجعا نسبيا في عدد الأصوات والمقاعد التي حصل عليها رغم احتلاله المركز الأول.
النهضة والتحولات الجيوسياسية
واعتبر أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، خالد يايموت، أن "نتيجة حزب حركة النهضة التونسية تبقى عادية، بالنظر لحجم التحولات السياسية والثقافية في المجتمع السياسي التونسي".
وتابع خالد يايموت في تصريح لـ"عربي21"، إن "هذا المسار التحولي العالمي المعروف حاليا في أوروبا وأمريكا اللاتينية، اندرجت فيه تونس بثورة أطاحت بنظام بنعلي، ودخول الحقل السياسي التونسي منذ 2011 مرحلة جديدة من عمرة بعد الاستقلال".
وأضاف: "يتميز المسار التحولي المشار إليه أعلاه بمرتكزين أساسيين: أولا؛ فك الارتباط تدريجيا بالأحزاب والشخصيات والنخب السياسية التقليدية، مما يجعل الأحزاب القديمة والتي تعتمد على الممارسة والثقافة الكلاسيكية- باسم الحركة الوطنية وغيرها- أمام عملية تجاوز سيارة بدون توقف".
اقرأ أيضا: انتهاء الاقتراع بانتخابات تونس التشريعية
والنهضة تعلن الفوز
وزاد ثاني مرتكز يتعلق بـ"فك الارتباط تدريجيا بالأيديولوجيا باعتبارها محددا في بناء النسق السياسي ونسق السلطة معا. وهذا بدوره يضعف اليسار الفوضوي المتغرب، والإسلاميين الراديكاليين".
وأوضح: "لكنه يمنح وفي نفس الوقت مساحة (معتبرة) لبعض التوجهات الدينية (السلفية السياسية) لتعبر عن طبيعة التحولات التي وقعت سوسيولوجيا، والتي تعبر عن خبرة المجتمع وتاريخه".
وسجل: "تبقى الانتخابات الحالية مؤشرا عن هذا المسار التحولي الذي لم ينضج بعد ولم يستقر على تقاليد مرعية في السياسة. غير أنه في الواقع يعبر عن دينامية وفعالية للمجتمع تفوق حركية وفعالية الدولة والنخب".
ومضى يقول "من جهة أخرى، تعبر نتيجة الانتخابات عن مرحلة جديدة من تشكل الحقل السياسي التونسي؛ وهي مرحلة صعبة سمتها الأساسية التشتت، وضعف البنية الحزبية، وتقليدية الممارسة السياسية. وهذا كله يصعب التحالفات ويجعل مؤسسات الدولة رهينة تقلبات الوضع الحزبي المتحول".
واستطرد أنه "في ظل هذه التحولات، وتداخل العوامل الداخلية بالتدخلات الخارجية؛ من الصعب على حزب النهضة أن يصنع تحالفا حكوميا صلبا، وهذا كاف لخلق مزيد من السيولة السياسية، وبالتالي فإن الحكومة أو الحكومات المقبلة ستجد صعوبة بالغة في الاستجابة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التونسية".
وشدد "كما أن التحول المعبر عنه بالعزوف السياسي للشباب خاصة، (حيث لم يشارك في التصويت سوى 5 بالمائة من الشباب) يهدد العملية الانتخابية، ويصيبها بالعجز عن التعبير عن الإرادة العامة، مما يعني أن فشل حزب النهضة في تشكيل الحكومة وتجاوز الابتزاز الذي سيتعرض له الحزب في المشاورات الحزبية، قد يؤدي لانتخابات سابقة لأوانها. غير أن هذا الحل الديمقراطي، قد يعني مزيدا من التشتت السياسي والعزوف الانتخابي معا".
رسالة لإسلاميي المغرب
من جهته تساءل رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني، عبد الرحيم المنار اسليمي، عن "ما هي الدروس المستقاة مغربيا من الانتخابات التشريعية في تونس؟".
وتابع المنار اسليمي في تصريح لـ"عربي21"، "الدرس الأول، نجاة النهضة بصعوبة، فالنهضة فقدت أكثر من خمسين بالمائة من مقاعدها في ظرف أقل من تسع سنوات حيث فقدت 49 مقعدا وتراجعت مابين 2014 و2019 بـ 29 مقعدا".
وتابع: "فالتراجع السريع واضح لأحزاب الإسلام السياسي في تونس، مقابل ذلك شهدت كل الأحزاب التقليدية تراجعات كبيرة حيث يمكن الجزم أن حزب (نداء تونس) يسير نحو الانقراض من المشهد السياسي".
وزاد "نحتاج في المغرب إلى قراءة هذا التراجع الكبير للأحزاب السياسية، حيث يبدو واضحا من الآن أن حزب العدالة والتنمية سيعرف تراجعا كبيرا نتيجة أخطائه في التدبير وسيشمل هذا التراجع باقي خلفائه في الأغلبية الحكومية، وقد تنقرض أحزاب موجودة في أغلبية رئيس الحكومة خلال التشريعيات المقبلة".
وأضاف "الدرس الثاني، معدل المشاركة، حيث أن التونسيين يعرفون في سلوكهم الانتخابي نوعا من المزيج بين التصويت العقابي والانتقامي، فاختيارهم لـ(قلب تونس) الذي بدأ كجمعية وتحول لحزب يقوده شخص في السجن يدل على نوع من الانتقام من كل الأحزاب التقليدية".
وأوضح "كما أن تصويتهم على المستقلين يعد تعبيرا عن نوع من العقاب لكل الأحزاب السياسية، يجب الانتباه أن السلوك الانتخابي المغربي كان انتقاميا في الانتخابات التشريعية السابقة، انتقام استفاد منه العدالة والتنمية ولكن المعادلة ستكون مختلفة في الانتخابات القادمة".
ومضى يقول "الدرس الثالث، معدل المشاركة الانتخابية الذي نزل بسرعة كبيرة في ديمقراطية ناشئة، ولكنه يحمل لنا إشارة سياسية هي نجاة حزب النهضة بصعوبة رغم ضعف المشاركة الانتخابية، فمعادلة اكتساح الأحزاب الإسلامية لانتخابات ضعيفة أو متوسطة المشاركة لم تعد معادلة صحيحة".
واستطرد "الدرس الرابع، لجوء النهضة إلى خطاب ديني دعوي بعد شعورها بالأزمة أثناء الحملة الانتخابية، كما يعني أن شعور الأحزاب الإسلامية بالتراجع سيعيدها إلى نقطة البداية بالعودة إلى توظيف الدين في السياسة، وسيظهر هذا أمامنا خلال الأشهر المقبلة".
وخلص "في جميع الحالات، ورغم اختلاف التجارب، فإن تأثير الانتخابات التونسية سيصلنا، خاصة وأن التجربة السياسية المغربية لما بعد 2011 أرهقها التحالف التصارعي القائم بين حزب العدالة والتنمية وحزب التجمع الوطني للأحرار اللذان يتحملان مسؤولية التدبير الحكومي، ومن الواضح أن الخلل في التدبير سيزداد خلال ما تبقى من الزمن الفاصل عن التشريعيات المقبلة".
نهاية حزب الثورة المضادة
وسجل الباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية، والقيادي في حزب الاستقلال (معارضة) عادل بنحمزة، أن "النتائج غير الرسمية للانتخابات التشريعية التي شهدتها تونس اليوم، مليئة بالدروس والعبر".
وذكر عادل بنحمزة بعض نتائج الانتخابات في تدوينة على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قائلا؛ "تواصل خسارة النهضة انتخابيا، إذ رغم تصدرها للانتخابات فإنها فقدت قرابة نصف مقاعدها، وأن بقاء النهضة في الصدارة لا يعود لقوتها، بل لضعف باقي التيارات السياسية، كما أن هذه النتيجة إذا لم تقرأ في عمقها من طرف قيادات النهضة، فإنها قد تكون نقطة النهاية للرهان على الحضور الانتخابي على حساب الحضور السياسي بعيدا عن الخطابات المائعة وأنصاف المواقف".
وتابع "ثانيا؛ اندحار حزب نداء تونس الذي كان يمثل تعبيرا من تعبيرات امتدادات نظام بنعلي، إذ من المتوقع أن لا يتجاوز مقعدا واحدا، بينما كان يرأس الحكومة قبل انشقاق الشاهد، واتضح أن رحيل الباجي قايد السبسي كان بمثابة رصاصة الرحمة على بنية غارقة في التناقض جاءت بها رياح الثورات المضادة ولا يجمع بينها رابط اللهم شعار محاربة الإسلاميين".
وزاد "ثالثا؛ ضعف المشاركة التي تؤشر على أزمة عميقة تعرفها التجربة الديمقراطية في تونس، وأن العامل الاقتصادي يلعب دورا حاسما في تمثل المواطن التونسي لثورة الياسمين، لكنها مع ذلك تمثل قدرة التونسيين على الرهان على الديمقراطية لتدبير الخلافات وهو ما يجعل التجربة التونسية حالة خاصة في تجارب الربيع الديمقراطي الذي عرفته المنطقة، وأن هذه التجربة تقوم دليلا على أن الديمقراطية أفضل طريق بالنسبة للأنظمة والشعوب".
وكانت "حركة النهضة" التونسية، قد أعلنت مساء الأحد، تقدمها في نتائج فرز الأصوات بالانتخابات التشريعية التي جرت اليوم، وفقا للمعطيات الأولية. وأكدت مؤسسة سيغما كونساي لسبر الآراء على إعلان "النهضة"، قائلة إن النتائج الأولية، تشير إلى تصدرها الانتخابات التشريعية بـ 17.5 بالمائة تلاها "قلب تونس" بـ 15.6 بالمئة، وعبير موسي 6.8%، وائتلاف الكرامة 6.1%، حزب التيار الديمقراطي 5.1%.
هكذا كان منفذا تونس الحدوديان مع ليبيا مادة للانتخابات بتونس
وفق مؤسسات سبر الآراء.. هكذا تتوزع مقاعد البرلمان بتونس
هكذا يبدو المشهد في تونس قبل يوم من الانتخابات التشريعية