لاحظنا كالعادة اهتماما كبيرا بمواقف النهضة يعكس حجمها في المشهد
السياسي ويكشف في الحقيقة عن تباين في القراءة بين رؤيتين: الأولى تعتبر النهضة
جزءا أصيلا من المشهد السياسي وأنها بتراكم الخبرات جديرة بالثقة والرهان عليها
ضامنة لاستقرار التجربة الديمقراطية، وأنّ الغاية من نقدها هي تصويب سياستها، أما
الثانية فهي إقصائية عدمية لم تهضم بعد وجود الإسلاميين وأنها مستعدّة حتى لتقويض
البيت الديمقراطي لإخراجهم منه.
ما
نلاحظه أنّ الخط السياسي للحركة وقدرة قواعدها على التشبّع بعقلية الدولة وثقافة
الحرية والديمقراطية، ما انفكّ يُغذي الرؤية الأولى ويقلّص مساحات التوجّس من وجود
الإسلاميين في الحكم وواجبنا يقتضي أن نواصل العمل في هذا الاتجاه حتى نسحب البساط
من القوى العدمية التي تتستر بعداء النهضة وتشويهها لتخفي أجندتها الحقيقية
المعاداة لهوية الشعب والتخوّف من الديمقراطية في العالم العربي.
إننا نرى في هذه الانتخابات التشريعية مناسبة ليدرك الجميع أنّ
النهضة قوة سياسيّة عقلانيّة دفعت ثمنا باهظا من قاعدتها الشعبية لإنقاذ البيت
الديمقراطي ونحن متمسكون بخطنا لا محيد لنا عنه من أجل تونس للجميع، تونس الحرية
والديمقراطية والانفتاح على العالم، تونس التنمية عبر البرامج والسياسات لا
الشعارات وخداع الجمهور.
إننا
نُقبلُ على يوم انتخابي حساس ومصيري لبلادنا وكلنا ثقة بأنّ الشعب سيُحسن الاختيار
وسيدرك أنه بين خيارات واضحة لا لبس فيها، إما أغلبية سياسية تمكّن من تشكيل
برلمان قويّ يمرّر الإصلاحات ويشكل حكومة نظيفة وطنية متجانسة أو برلمان مشتت
مهدّد بالحل يدفع إلى أزمة مجهولة العواقب، أو برلمان يحكمه الفاسدون، أو برلمان
غاضب يموج بالشعارات التي تؤدي إلى عزلة تونس خارجيا وتحويلها إلى دولة منبوذة.
لقد
حاول البعض أن يؤول تصريحاتنا الأخيرة بأنها دليل على أنّ النهضة تنكّرت للتوافق،
وأنّها تحاول الركوب على موجة قيس سعيد وأنها عادت للثورة بعد ارتمائها في الثورة
المضادة، وأنها بالتالي تناور لاستعادة قواعدها والذهاب لتحالف يضمن لها المشاركة
في السلطة بأي ثمن.
أولا:
نحن معتزون اليوم وغدا بتجربة التوافق التي بنيتها رفقة الراحل الرئيس الباجي قائد
السبسي رحمه الله وكنا معا في مواجهة رفض متبادل من العديد من الأطراف لهذه
التجربة. علاقتنا كانت مبنية على الثقة وحتى أشهرُ الخلاف بيننا حول الميراث
والاستقرار الحكومي انتهت إلى تهدئة قادت إلى التوقيع على دعوة الناخبين
للانتخابات الرئاسية والتشريعية.
لم
نتنكّر للتوافق ولكن قلنا إنّ النهضة مسؤولة على قدر مشاركتها وهي معروفة
وبالأرقام وحتى حين كان متاحا لنا الحصول على نصف الحكومة بل حتى على رئاستها لو
وافقنا على الإطاحة بالشاهد رفضنا لأنّنا نريد شرعية من الصندوق.
ومن
يصرّ على أنّ النهضة كانت تحكم ولها عشرات الوزراء يكفي أن نقول له أنّ النداء
كانت له رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان أي 3 رئاسات وصفر للنهضة و17 واليا
(مقابل 2 للنهضة).
وقد
يحتجّ علينا أبناء النهضة بل يرموننا بالتقصير في الدفاع عن مصالح حزبهم فنقول لهم
إن كنتم تريدون التغيير فصوتوا حتى تكون النهضة هي الأولى في البرلمان وستكون
مشاركتنا في الحكم متناسبة مع نتائجنا في الانتخابات.
ثانيا:
نحن لم نغادر الثورة لنعود إليها لأنّنا الجانب المؤسساتي في الثورة في مقابل
جوانب أخرى منها الحالم ومنها المخيف والذي يريد تقويض الدولة وربّما ما هو أخطر.
الثورة
التونسية في رؤيتنا ثورة تقطعُ مع الماضي وتفتح المستقبل للمصالحة والتنمية
الشاملتين.
الثورة نجحت والحمد لله لأنّنا راهنا على المؤسّسات وعلى تقوية
الدولة ولكن هل تجاوزنا مرحلة الخطر. الإجابة بوضوح هي لا. فنحن نذهب للانتخابات
حيث توزّع جمعيات مسيسة مساعدات على الناخبين وتوظّف وسائل إعلام في الدعاية بل
وتتدخل قناة أجنبيّة للتجييش ضد حزب تونسي. النهضة في قلب الثورة وحين قلنا أننا
لن نحكم مع الفساد قلنا أيضا نحن لن نكون مع أي طرف يقود تونس إلى العزلة الدولية
والى إفساد علاقاتنا الخارجية.
النهضة
هي الخيار الوحيد للانتصار على الفساد الذي سيدمر التجربة وسيقضي على الثورة، نحن
أيدينا ممدودة لكل طرف سياسي لا تتعلق به شبهات فساد وأيضا ليس له برنامج شعاراتي
يسيء لصورتنا في الخارج. ونقول لجمهور الثورة بوضوح أنّ الفساد يراهن على تشتّت
أصوات الثورة وضياعها عوض تجمعها خلف قيس سعيد في قرطاج وحركة النهضة في البرلمان
لينتج سلطة ضعيفة وممزقة وليسرق انتصار سعيد في الدور الأول من الرئاسية إن حلّت
الأطراف الفاسدة في مقدمة قوى البرلمان.
ثالثا:
دعمنا الأستاذ سعيد لأنّه حالة شعبية أظهرت قدرة على تفهم الواقع ونعتقد أنه سيكون
حريصا على احترام الدستور وعلى لعب دور إيجابيّ في علاقة بالحكومة والبرلمان إن
توفر له سند سياسي قوي من حزب مثل النهضة ومن الأطراف السياسية المتجذرة في ثقافة
الديمقراطية والمؤمنة بالثورة من كل العائلات التي قطعت مع الفساد والاستبداد.
خطاب
النهضة واضح لا لبس فيه، ونحن نتّجه إلى الناخب بصدق ليعطينا ثقته وصوته ونقول له
إنّ كلّ صوت لا يذهبُ للنهضة يذهبُ إلى الفساد وأنّ المزايدة على النهضة
بالثورجيّة لن تؤدي إلا إلى عزل تونس عن العالم، وإهداء الحكم للوبيات الفساد.
إنّ
كلّ صوت لا يذهب إلى النهضة سيجعلُ تونس بين أيدي هواة أو فاسدين ولا شكّ في أنّ
الثوريين الحالمين بالتغيير سيستيقظون يوما إن لم يصطفوا وراء النهضة في
التشريعيّة ليروا التشتت يسقط التجربة التونسية ويسلمها لقمة سائغة للفساد وأعداء
الديمقراطية.
نذهبُ
إلى انتخابات مختلفة عن الانتخابات السابقة التي لم تمنحنا حرية الاختيار، إذ لم
يكن وقتها السؤال هل نشارك في الحكم ام لا بل هل نسمح بتقسيم تونس وبث الفتنة بين
شعبها، أما اليوم فالأمر مختلف: إن أعطانا شعبنا تفويضا واضحا فسنحكم وسنشكّل
ائتلافا ملتزما بمقاومة الفقر وتنمية الشباب وتعزيز علاقات تونس ومواصلة البناء
الديمقراطي. وفي غياب ذلك فلن نكون طرفا في حكم يعمق أزمة القيم ويُغذي النقمة على
السياسيين ويؤدي إلى مزيد تفقير البلاد.
التصويت
للنهضة يعني أشياء كثيرة أهمها التغيير في كنف الاستقرار ونحن ملتزمون به ومستعدون
للمحاسبة إن أخلينا به. موعدنا يوم 6 أكتوبر الذي نريده موعدا لانتصار الديمقراطية
والتنمية والتغيير في كنف المسؤولية الوطنية والالتزام بهزم المافيا الزاحفة على
الدولة وعلى المجتمع.
عن صحيفة الشروق التونسية
ديمقراطية تونس في خطر ولا ينبغي لنا السماح بانزلاق آخر نحو السلطوية