قضايا وآراء

مراد خان الثالث.. ومسجد العثماني بمصر

1300x600
مراد خان الثالث؛ سلطان عثماني، ابن السلطان سليم الغازي. ولد عام 953هـ-1546م، وجلس على العرش عام 982هـ-1574م وكان عمره حينئذ 29 عاما. وفي سنة 983هـ-1575م هجم المجريون على الدولة العثمانية، فانتصر عليهم وردهم عنها خاسرين. وفي العام نفسه، استطاع الاستيلاء على بلاد فاس وامتلك منها قلاعا وبلادا كثيرة. وفي العام التالي، وصلت فتوحاته نحو الجزائر وبلاد الغرب فضمها إلى الخلافة العثمانية. وفي سنة 985هـ-1577م حدثت ثورة داخلية في إيران، فتطاير شرارها إلى حدود الدولة العثمانية، فأرسل إليهم رسائل أمرهم فيها بإزالة أسباب الهياج والفساد فأطاعوه.

وعندما هجم جنود مملكة العجم على حدود الدولة العثمانية ردهم عنها خائبين، وأشعل عليهم نار الحرب وهزمهم هزيمة منكرة. ولم يتوقف عند ذلك، بل تتبع أذيالهم حتى مدينة تفليس في جورجيا وأقام بها الولاة التابعين للدولة العثمانية. وفي السنة ذاتها ثار أمير القرم وشق عصا الطاعة لأوامر الدولة فقهره السلطان، وأوقع به وبجنوده الخزي والفشل. ثم حدثت حرب في جهة الروم، فانتصر عليهم الجيش العثماني انتصارا مدويا.

ورُوي أن مراد خان الثالث كان يحب النساء ويُكثر في القصر منهن، حتى قيل إنه أنجب من زوجاته الأربع وجواريه الأربعين؛ 115 ولدا. ولكن وقبل أن يكمل الخمسين من عمره؛ عرض له عارض فُجائي فتوفي على إثره عام 1003هـ -1594م ودفن في المقبرة المخصصة له بجوار جامع آيا صوفيا.

أما مسجد مراد؛ فهو ذلك المسجد الذي بناه السلطان مراد خان الثالث بمصر عام "986هـ -1578م"، وهو يحمل رقم 181 بوزارة الآثار المصرية، ويقع في شارع بورسعيد على ناصية شارع الموسكي. وله مدخلان، وتوجد تحت المسجد ثلاثة دكاكين. 

وبجوار الباب الجنوبي للمسجد؛ يوجد سبيل، تليه من جهة الجنوب قاعدة المئذنة التي أزيلت بناء على قرار لجنة حفظ الآثار العربية التي أوصت فيه بهدمها لخطورتها، بعد ازدياد ميلها عام 1885م. ولحسن الحظ ما زالت الرسومات التي قامت بها اللجنة للمئذنة موجودة، وتُبين أنها بنيت على الطراز العثماني.

وللمسجد أربعة شبابيك، تطل على الطريق، وشباكان كل منهما يطل على مدخل من المدخلين. والمدخلان واجهتهما على هيئة المداخل المصرية المملوكية، ولكن بشكل أبسط. وواجهة المسجد بها ثلاث دخلات؛ الوسطى منها كبيرة، وبها من أسفل شباكان ومن أعلى قمرتان.

يتكون المسجد من الداخل من ثلاثة أروقة موازية لجدار القبلة، والرواق الأوسط منخفض عن الرواقين الشرقي والغربي، ولكن عندما تم ترميم المسجد في ثمانينيات القرن العشرين؛ تم رفع الرواق الأوسط فأصبح المسجد كله في مستوى واحد، وهو ما يخالف الأصل. وأرضية المسجد من البلاط الحجري، وسقفه مغطى بالخشب ويتوسطه منور.

أما المحراب فمن الحجر، وتعلوه قمرية مستديرة، ونقش بصدره: "بسم الله الرحمن الرحيم قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها"، وهو مزخرف في أعلاه بزخارف نباتية، وله عمودان رشيقان من الرخام عليهما حزوز حلزونية، ويعلوه تواشيح من الرخام الملون. 

ومنبر المسجد من الخشب ومزين بحشوات نجمية، وله خوذة بصلية، وأعلى بابه نقش نصه، "إن الله وملائكته يصلون على النبي". أما دكة المبلغ فتوجد بوسط الرواق الغربي بين عموديه، ويُصعد إليها بسلم خشبي ملاصق للجدار.

وقد ورد ذكر المسجد في الخطط التوفيقية لعلي مبارك، بأنه "جامع العجمي، ويعرف أيضا بأنه جامع مراد بك، ذكره المقريزي في عدد الجوامع ولم يترجمه.. به أربعة أعمدة من الرخام وإيوانان، وأرضه مفروشة بالرخام، ومحرابه بالرخام الملون. وبه منبر وله منارة ومطهرة وتحته صهريج وشعائره مقامة، وفيه مكتب عامر لتعليم أطفال المسلمين كتاب الله تعالى" (1).

وللمسجد حجة وقف تحمل الرقم 435 وتاريخ 29 رجب سنة 1268هـ، بوزارة الأوقاف باسم مصطفي جلبي الكشني، ابن المرحوم علي أغا بورلي، وهو ما زال في حالة جيدة، وما تزال الشعائر تقام فيه حتى الآن.
_________
(1) علي مبارك، الخطط التوفيقية، المجلد الخامس، ص47 (جامع العجمي).