ليست مصادفة أن تأتي المتاعب تتوالى على أبرز ثلاث سلطويات في العالم. ترامب رمز السلطوية الصاعدة في الولايات المتحدة، وبوريس جونسون في أوروبا، وثالثهما السيسي في مصر. فالأول يواجه فضيحة من العيار الثقيل قد تنتهي بالعزل، والثاني قد يضطر للاستقالة بعد أن خسر رهانه على الشعبوية اليمينية لمواجهة الوضع السياسي المعقد للخروج من الاتحاد الأوروبي. أما السيسي فقد ظهر له من تحت الأرض مقاول يكشف جزءا من فساده ويحرك الشارع بكاميرا هاتف محمول بشكل غير مسبوق خلال السنوات الست الماضية.
طريقة طفولية في مواجهة مشاكل معقدة
لقد حاولت السلطويات الثلاثة أن تحل المشاكل المعقدة بطريقة طفولية مثل فضيحة ترامب وحديثه مع الرئيس الأوكراني الجديد، أو مثل تعليق البرلمان في دولة برلمانية وهي بريطانيا وأخيرا مواجهة اتهامات فساد من داخل المؤسسة العسكرية المصرية بإثباتها علنا والتبجح بأن بناء القصور سيتسمر في بلد تزداد فيه معدلات الفقر بطريقة مرعبة.
إن الغزل الدائم بين ترامب وجونسون من جهة وبين السيسي وترامب من جهة أخرى لا يتعلق بالمصالح القومية المعتادة للدول ولكن يتعلق بتمدد هذا الخطاب السيء الذي ظن أنه يمكن أن يقدم بديلا عن المشاكل السياسية التقليدية وعن الوجوه السياسية المألوفة. هذا الغزل، الذي تطور إلى دعم سياسي وإعلامي واضح وربما فج في أحيان كثيرة، كان يبشر بتحالف سياسي واسع النطاق تكون ضحيته كل قيم الحرية والديمقراطية التي تبلورت عقب الحرب العالمية الثانية في العالم. وكانت كل مؤشرات صعود النازية والشوفينية تعود مرة أخرى من ناحية لغة الخطاب والتحريض ولم يبق سوى الأفعال ولكن الله سلم.
إن الغزل الدائم بين ترامب وجونسون من جهة وبين السيسي وترامب من جهة أخرى لا يتعلق بالمصالح القومية المعتادة للدول ولكن يتعلق بتمدد هذا الخطاب السيء الذي ظن أنه يمكن أن يقدم بديلا عن المشاكل السياسية التقليدية وعن الوجوه السياسية المألوفة.
خريف متشابه
وإذا كانت هناك قواسم مشتركة في آلية صعود هذه السلطويات والتنسيق فيما بينها، فإن خريفها يشهد عدة تشابهات ليس من بينها التآمر الداخلي أو الخارجي عليها. ببساطة، لقد اصطدموا جميعا بجدار الشعوب. وكانوا من التهافت لدرجة ألا يدل على هشاشتهم سوى "دابة الأرض تأكل منسأته" ليتبين الناس أنهم أوهن من خيوط العنكبوت.
لقد كررنا أكثر من مرة أن هؤلاء جميعا لا يملكون برامج وسياسيات بقدر ما يملكون صراخا وعداوات. وربما تشبيههم بالحقب النازية أو الفاشية مع الفارق فيه ظلم للنازيين والفاشيين الذين كانوا يملكون خطابا أيديولوجيا واضحا وبرامج سياسية واقتصادية وشنوا حروبا وغزوا أمما. أما هؤلاء فهم أقل وأتفه من ذلك بكثير.
كما أتى السيسي وجونسون وترامب للسلطة بطرق غير تقليدية، فغالبا سيرحلون عنها، غير مأسوف عليهم، بطرق غير تقليدية أيضا. الفكرة الرئيسية هو التعاضد المجتمعي في مواجهة هذه الموجة السيئة في السياسة. ففكرة التعاون الحزبي غير المسبوقة هي التي أثمرت قانون عدم الخروج بدون اتفاق في زمن قياسي في مجلس العموم، ثم حكم المحكمة العليا الذي أعد البرلمان البريطاني. وفكرة عدم محاولة الاستثمار الحزبي الضيق لدعوات محمد علي هي التي أثمرت مثل هذا الحراك.
الأمر نفسه ينطبق على المقاومة المدنية وحتى الشخصية لسياسات ترامب التي عرته أمام شعبه وحتى موظفي إدارته ليكشف موظف صغير عن أكبر فضيحه ربما في تاريخ الولايات المتحدة.
نظرة تأملية في أطراف معادلة الثورة المصرية
بعد حراك 20 سبتمبر.. المشهد والسيسي إلى أين؟