أثار حبس كريم طابو السياسي البارز في الجزائر، بعد تصريحات له تهاجم قيادة الجيش، ردود فعل مستنكرة في داخل البلاد وخارجها، اعتبرت أن اعتقاله كان لأسباب سياسية تهدف لإسكات صوته.
ويعد طابو المنحدر من منطقة القبائل، من أكثر السياسيين نشاطا في الحراك الشعبي، حيث استطاع بخطابه استقطاب الكثير من الأنصار والمتابعين، وهو ما أدى إلى تعاطف واسع معه الجمعة، في المظاهرات المعتادة، من خلال رفع هتافات وشعارات عدة طالبت بإطلاق سراحه.
ويشغل طابو حاليا منصب الناطق الرسمي باسم حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي، الذي رفضت السلطات منحه رخصة النشاط، لكنه بنى مشواره السياسي وشهرته في حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي تولى فيه منصب الأمين الأول سنوات الألفين، بعد أن حاز على ثقة رئيس الحزب الراحل حسين آيت أحمد.
تفاصيل القضية
وعند الوقوف على تفاصيل ما حدث، قال عبد الغني بادي محامي الناشط السياسي، إن مُوكله فوجئ يوم الأربعاء الماضي، بأشخاص بالزي المدني أخبروه أنهم من الأمن أمام بيته طلبوا منه الذهاب معهم، وأخبروا عائلته بأن القضية لن تستغرق أكثر من ساعتين وأنه سيعود، إلا أنه اختفى ليوم كامل.
وتبين لاحقا أنه تم تحويله لمحكمة القليعة، حيث عُرض على قاضي التحقيق الذي أمر بإيداعه الحبس المؤقت، بتهمة "إضعاف الروح المعنوية للجيش".
وأبرز بادي في حديثه مع "عربي21"، أن التوقيف الذي تعرض له طابو مخالف للقانون، لأن الأصل أن يوجه له استدعاء، وفي حالة عدم امتثاله يمكن إحضاره من البيت مع إخباره بكل التفاصيل عن الجهة التي يأخذونه إليها.
واستغرب المحامي استعمال هذه الطريقة مع موكله وكأنه هارب من العدالة، في وقت تُوجه للمسؤولين السابقين الذين خضعوا للتحقيق عبر استدعاءات وصلتهم للبيت تنقلوا إثرها بأنفسهم للمحكمة.
وجاء اعتقال طابو وفق المعلومات الأولية، على خلفية تصريحات له تُهاجم رئيس أركان الجيش الحالي الفريق أحمد قايد صالح تعود لشهر أيار/ مايو الماضي، اعتبر فيها أن سياسته هي بمثابة "استعمار جديد".
وتوجد تصريحات أخرى له، يقول فيها إن شباب الجيش سيقومون بحراكهم ويتحررون، وهوما تم تأويله لدى أنصار رئيس أركان الجيش على أنه دعوة لـ"التمرد".
"ذريعة لقمع الحراك"
غير أن هذه التصريحات التي مرّ عليها أربعة أشهر، ما هي إلا "ذريعة"، وفق ما ذهب إليه سعيد صالحي نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، وذلك "من أجل إبعاد طابو، ومحاولة تقسيم الحراك لغاية فرض الانتخابات الرئاسية"، وفق قوله.
ورأى صالحي في تصريح لـ"عربي21"، أن هذا التوقيف يهدف من جانب النظام إلى جرّ الحراك الشعبي لميدان المواجهة والعنف، وذلك من أجل إضعافه وتبرير ممارسة القمع ضده، لكنه يستبعد أن يسقط المتظاهرون في هذا الفخ، بحسب رأيه.
من جانبها، نددت قوى البديل الديمقراطي التي تضم ثمانية أحزاب بسجن طابو، واعتبرت ذلك تنفيذا لخطاب رئيس أركان الجيش الأخير، وقالت: "إننا اليوم أمام رئيس حزب معارض يسجن من أجل مواقفه وأرائه السياسية"، في إشارة إلى زعيمة حزب العمال لويزة حنون المسجونة كذلك من القضاء العسكري منذ أشهر.
ودعت قوى البديل الديمقراطي، إلى اليقظة مما اعتبرتها "الاستفزازت المتواصلة للسلطة القائمة التي لن تتوقف عن استعمال العنف والقمع من أجل فرض رزنامة الانتخابات الرئاسية المرفوضة شعبيا بالقوة في أقرب الآجال".
"طابو أخطأ"
غير أن هناك من يرفض هذا التفسير، ويعتبر أن طابو أخطأ فعلا بتصريحاته المتكررة التي كانت تتطلب تدخل القضاء، لأنها مست بالمؤسسة العسكرية.
وانتقد طابو بشدة، البرلماني السابق، عدة فلاحي، قائلا: "بعد أن فشل في تأسيس حزب سياسي، وجد فرصته في الحراك ليصنع مجدا وبطولة عبر خطاب متطرف، يحاول أن يغري به العامة، وحتى لارتكاب الفحش السياسي، بالتهجم على المؤسسة العسكرية بطريقة لا تليق"، على حد تعبيره.
وأضاف فلاحي في تصريح لـ"عربي21"، أن "طابو لم يكن ذكيا، فلم يختر ألفاظه ومصطلحاته مثل السياسيين المحترفين، بالتالي يمكن القول إنه لم يتعلم من أستاذه حسين آيت أحمد".
لكن مقاربة أخرى يطرحها، بوجمعة غشير الحقوقي السابق، ترى فيما حدث لكريم طابو نتيجة مباشرة لفشل هيئة الحوار والوساطة في تقريب وجهت النظر بين الطروحات السائدة في الجزائر.
وذكر غشير لـ"عربي21"، أن "طابو له خلاف مع توجه القيادة العسكرية، وكل ينظر إلى حلّ الأزمة من زاويته، ونتيجة لغياب الحوار وفشل من أوكلت لهم هذه المهمة، لم يتم التواصل للتقريب بين هذه الأفكار، ما أدى إلى هذا النوع من التصعيد".
غير أن أخطر ما في قضية طابو، أنها أثارت انتباه الخارج للوضع في الجزائر، وهو ما يُخشى أن يتحول مع الوقت إلى تدخل في الشأن الداخلي للبلاد، ترفضه كل الأطياف السياسية، وفق قوله.
تفاعل في الخارج
وأدانت ماريا أرينا رئيسة اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان في البرلمان الأوربي، اعتقال كريم طابو الذي وصفته بالشخصية الشعبية التي تحظى بالاحترام عند المتظاهرين الجزائريين.
ودعت رئيسة الجنة إلى الإفراج الفوري على كريم طابو وكل السجناء السياسيين، وإلى الاستجابة لمطالب الشعب الجزائري المشروعة المعبر عنه منذ 30 أسبوعا من الملايين في الشارع.
وفي تعليقه على ذلك، أوضح زين العابدين غبولي، الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان في البرلمان الأوربي قد كسرت "تابو" كان يسيطر على موقف كثير من الدول الغربية في الآونة الأخيرة بالنسبة لما يحدث في الجزائر، فالتصريحات الأجنبية لحد الآن كانت كلها تصبّ في كون الجزائر مشكلة جزائرية، وحلها جزائري.
وأبرز الباحث الجزائري، أن النظام بتعنته يجر ما يحدث في الجزائر للتدويل سياسيا وفي ذلك خطر على استقرار الجزائر، محذرا من أن "الخطر الأكبر سيكون لوقرّر النظام المرور نحو اعتقالات أخرى لشخصيات أكثر وزنا".
تقرير: اعتقال النشطاء السلميين صفعة لحرية التعبير في الجزائر