(س) هل تمهد حكومة السيسي لأزمة المياه المقبلة بمصر؟
(ج) يزور وزير الري المصري إثيوبيا للتنسيق للمؤتمر التساعي المنتظر عقده في أديس أبابا يومي 15 و16 أيلول/ سبتمبر، حيث ستحضر من كل دولة ثلاثة وفود (الري، المخابرات، الخارجية). ومن المنتظر أن يكون هذا هو المؤتمر التاسع عشر الذي يناقش قضية ملء بحيرة سد النهضة، وكيف ستتأثر الدولة المصرية بهذا الملء.
وعليه فيوما 15 و16 أيلول/ سبتمبر الحالي سوف يحددان المستقبل المائي للدولة المصرية؛ التي تنازلت عن مطلبها السابق بالإصرار على ملء بحيرة سد النهضة على مدار 15 عاما، ثم تنازلت لـ11 عاما، ثم حاليا إلى سبع سنوات، بينما تصر إثيوبيا على موقفها الثابت منذ عام 2014، وهو حتمية ملء بحيرة سد النهضة في ثلاث سنوات.
وعليه، فيبدو أن وزير الري الذي شارك في قرابة 10 جلسات مع الوفد الإثيوبي؛ قد تأكد له أن جولة المفاوضات القادمة ليست إلا تحصيل حاصل وشو إعلامي، ليظهر للشعب المصري أنه وحكومة السيسي قد بذلا قصارى ما في وسعهما لتقليل الضرر الواقع على الدولة المصرية. إلا أن تعنت الدولة الإثيوبية سوف يسبب ضررا بليغا للدولة المصرية، ولقد ظهر هذا الأمر بشكل غير مباشر عبر تصريحات الإعلامي عمرو أديب قبل أيام؛ بأن إثيوبيا تصر على ملء بحيرة السد في ثلاث سنوات.
التصريح اليوم بموقف إثيوبيا صاحبة الثلاث سنوات كان مختفيا بشكل متعمد في الإعلام المصري، ولم يصرح يوما للشعب المصري بعمق تلك المشكلة، حيث تعود الإعلام التهوين بمشكلة سد النهضة وقدرة السيسي على حل تلك المشكلة. إلا أنه اليوم، ومع تأكيد ملامح الفشل وظهورها كقرص الشمس في كبد السماء، لم يعد هناك مفر غير الاعتراف بموقف إثيوبيا المتعنت، وبلع كافة الأكاذيب التي رددها الإعلام المصري على مدار أكثر من خمس سنوات بقدرة السيسي البارعة في حل مشكلة سد النهضة. وعليه، فوزير الري اليوم يجهز الضمير الجمعي للأمة المصرية لتقبّل فشل السيسي ونظامه تدريجيا، حتى إعلان نتيجة جولة المفاوضات مساء يوم 16 أيلول/ سبتمبر، والتي يكاد وزير الري أن يراها حتى قبل انعقادها.
(س) هل توجد استراتيجية بمصر لإدارة الموارد المائية والتعامل مع الأزمة؟
(ج) بالتأكيد، وزارة الري لديها عدة سيناريوهات لمواجهة العجز الناتج عن حجز مياه النيل الأزرق أمام سد النهضة. ولكن السؤال الأهم: هل تلك السيناريوهات ناجحة أم فاشلة؟ فاحتياجات الدولة المصرية لعام 2020 تعادل على الأقل 80 مليار متر مكعب من المياه، بينما إجمالي الموارد المائية للدولة المصرية من مياه (نهر النيل، مياه جوفية، مياه سيول) جميعها لا تزيد عن 59 مليار متر مكعب، أي أقل بقرابة 21 مليارا عن حجم الاحتياجات، مما يستدعي معالجة مياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي لسد تلك الفجوة المائية. ويضاف إليها قرابة 34 مليار متر مكعب مياه افتراضية، في شكل سلع ومنتجات زراعية وحيوانية يتم استيرادها سنويا.
وعليه، فجميع سيناريوهات وزارة الري تم تخطيطها على أساس وجود حجم مائي يعادل 59 مليار متر مكعب، ولم تأخذ في الاعتبار سرقة إثيوبيا لقرابة 35 مليار متر مكعب من حصة مصر، في حالة ملء سد النهضة على مدار ثلاث سنوات، وذلك من خلال حجز 74 مليار متر مكعب (حجم بحيرة سد النهضة+ 10 مليار متر مكعب فواقد سنويا X3 = 104 مليار متر مكعب). وعليه، فانخفاض حجم المياه بالدولة المصرية من 59 مليار متر مكعب إلى 24 مليار متر مكعب؛ هو أمر لا يمكن معه نجاح أي استراتيجية لوزارة الري التي يفترض قدرتها على توفير 80 مليار متر مكعب، هي احتياجات الدولة المصرية لعام 2020.
(س) هل ينجح ترشيد استخدامات المياه في حل الأزمة؟
أعلن وزير الري الشهر الماضي عن استراتيجية وزارة الري في ترشيد استهلاك المياه عن طريق ما يعرف بخطة الـ "4ت" (ترشيد، تنقية، تنمية، تهيئة)، حيث رمى بكل مشاكل وزارة الري على المواطن المصري لأنه يغسل عربته بالماء، أيضا يرش ماء أمام المحل، وغيرها من الأمور التي صارت "ممنوعة" على المواطن المصري منذ سنوات عدة. ولكن المهم في الأمر أن وزارة الري تريد أن تقنع الضمير الجمعي للشعب المصري بأنه هو سبب المشكلة، وليس فشل السيسي وعصابته.
فيمكن لطالب في الصف السادس الابتدائي أن يحلل أرقام استخدامات المياه في الدولة المصرية، ليكتشف بكل سهولة أنه ليس "غسيل السيارات" هو السبب في مشكلة المياه، ولا رش بعض من المياه أمام المحل هو السبب، بل السبب الأساسي في مشكلة المياه في مصر اليوم وقبل استكمال بناء سد النهضة؛ هو التسريب الدائم من شبكة مياه المدن"، والذي يقدر بقرابة 40 في المئة من إجمالي ما يُضخ في الشبكة سنويا.
بمعنى أدق، فإن ما تنتجه محطات معالجة المياه بمصر تعادل قرابة 10 مليار متر مكعب يتسرب منها أربعة مليار متر مكعب سنويا، وهذا أكثر بكثير مما يستهلكه المواطن في غسيل سيارته مرة كل شهر. ثانيا، أن استهلاك القطاع الزراعي يعادل 85 في المئة من إجمالي الاستهلاك المحلي للدولة المصرية، وهذا أكبر بقرابة 850 في المئة عن ما يخصص لمياه الاستهلاك السكني. فهذا هو القطاع الذي يجب أن نركز عليه من خلال استخدام طريق ري أفضل من الطرق الحالية، بحيث نخفض المقنن المائي للفدان الواحد من ستة آلاف متر مكعب سنويا لقرابة ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف متر مكعب. هذا هو القطاع الذي لو رشدنا فيه بإخلاص من خلال تبني سياسية ري متقدمة؛ سيكون العائد أكبر بكثير مما يمكن توفيره من حصة الاستهلاك المنزلي للمياه.
(ج) كان من المفترض على الدولة المصرية الاستفادة من كل مليم دخل للبلاد من منح خليجية تعادل 60 مليار دولار، بالإضافة لقروض خارجية تزيد عن 75 مليار دولار خلال السنوات الـست الماضية في مجال الاستثمار الزراعي وتحسين وسائل الري، حتى لا تقف الدولة المصرية اليوم منكسرة الرأس أمام التحالف الإثيوبي- الصهيوني الهادف لتفتيت الدولة المصرية عن طريق إفقارها، من خلال قطع المياه عنها وإضرارها لصرف مبالغ ضخمة لاستيراد الغذاء، في وقت تقل فيه الفاعليات الاقتصادية الداخلية والإقليمية، مما يجعل الحياة غاية في الصعوبة للأجيال القادمة.
ولهذا الهدف، سلم السيسي وعصابته الدولة المصرية للإرادة الإثيوبية ومن خلفها الكيان الصهيوني، تسليم مفتاح، من خلال تنازله عن حصة الدولة المصرية في النيل عبر توقيعه اتفاقية مبادئ سد النهضة شهر آذار/ مارس 2015، فقط ليشتري بها "شرعية كاذبة"، حتى ولو كان الثمن هو مستقبل الدولة المصرية.
وسلام..
هل الجيش المصري خير أجناد الأرض؟!!
هل يستطيع محمد علي أن يقود ثورة جديدة في مصر؟
مصر ومفاوضات سد النهضة.. البكاء على اللبن المسكوب