نشر موقع "فورين بوليسي" مقالا لمدير برنامج اللاعبين غير الدوليين في مناخات هشة في مركز السياسة الدولية، الباحث حسن حسن، يتحدث فيه عن طموحات الإمارات العربية المتحدة.
ويشير الباحث في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، والذي جاء تحت عنوان "الإماراتيون قضموا أكثر مما يستطيعون مضغه"، إلى ما يراه تحولا في السياسة الإماراتية التي طمحت لإعادة تشكيل السياسة في العالم العربي.
ويشير حسن إلى أن الإمارات بدأت قبل ستة أعوام بتأكيد نفسها بصفتها لاعبا سياسيا وعسكريا في الشرق الأوسط، ومنحها الانقلاب ضد الإخوان المسلمين في مصر عام 2013 الفرصة لممارسة دور حازم في تشكيل الأحداث في المنطقة، وهي فرصة اقتنصتها وبسرور".
ويستدرك الباحث بأن "هذه الفرصة الحازمة ارتطمت بالجدار هذا الصيف، ففي تموز/ يوليو أعلنت أنها ستسحب قواتها من اليمن، الذي تشارك فيه السعودية يشن حرب فيه منذ عام 2015 ضد المتمردين الحوثيين، وبررت أبو ظبي القرار بأنها تريد التركيز على الاستقرار ومكافحة الإرهاب".
ويفيد حسن بأن "الإماراتيين بدأوا بعد ذلك بإرسال رسائل تصالح لإيران، وفي بياناتها لم تتهم الحكومة الإماراتية إيران علانية بتنفيذ التفجيرات التي تعرضت لها ناقلات نفط في ميناء إماراتي، رغم البيانات الواضحة في تحميل إيران المسؤولية من الولايات المتحدة والسعودية، ثم عقدت الإمارات لقاء نادرا مع المسؤولين الإيرانيين لبحث ترسيم مناطق الصيد في الخليج، وحدث هذا كله في وقت كانت فيه الولايات المتحدة تمارس أقصى ضغط على إيران، وتدعو الحلفاء لعمل الشيء ذاته".
ويبين الكاتب أن "هذه الأولويات التي ركزت عليها الإمارات لم تتوافق مع تلك التي تركز عليها حليفتها السعودية، ولم تقدم الإمارات توضيحا للتغير المفاجئ في سياستها، الذي قد يكون نابعا من تقييم لاستراتيجيتها على مدى السنوات الست الماضية، فسياسة الحزم الإماراتية أدت إلى تراجع موقفها السياسي وتشويه سمعتها في الولايات المتحدة، وفي وقت لم تكن فيه أمام الإمارات قدرة على تطبيق الاستراتيجية التي رسمتها وبالطريقة التي تخيلت أنها تستطيع تطبيقها".
ويرى حسن أن "التحول في السياسة له علاقة، على ما يبدو، بتصويت مجلس الشيوخ، هذا الربيع، الذي دعا إلى إنهاء المشاركة الأمريكية في اليمن، وتم تمرير القرار بواقع 54 صوتا ضد 46 صوتا، رغم معارضة البيت الأبيض، وتعززت الرؤية من خلال نكسات تعرضت لها الإمارات في المنطقة".
ويقول الباحث إن "أي شخص حتى من لديه فهم عادي، يعلم أن الإمارات لم تكن لتتعامل مع قرار الكونغرس إلا بجدية؛ لأنها تريد البقاء ضمن الدول المرضي عنها في واشنطن، فواحد من الأسباب الذي قررت من أجله الإمارات التخلي عن دعم المعارضة السورية في خريف عام 2016، كان القانون الذي مرره الكونغرس الذي يسمح للمواطنين الأمريكيين بتقديم دعاوى قضائية ضد حكومات أجنبية وأفراد بتهم الإرهاب، أو ما عرف بقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا)".
وينقل حسن عن مسؤول إماراتي بارز له علاقة بالقرار، قوله إن الخوف كان هو احتمال توريط الإمارات في المحاكم الأمريكية بتهمة ارتكاب حلفائها جرائم.
ويجد الكاتب أن "الإمارات عادة ما تأخذ الإمارات في عين الاعتبار الرأي العام الأمريكي، والنقد النابع من مؤسسات الدولة الأمريكية، وما منعها من تغيير موقفها مبكرا هو تحالفها مع السعودية، وبحسب مسؤولين بارزين ومصادر قريبة منهم، فإن أبو ظبي ظلت تعتقد أنها قادرة على تجاوز العاصفة المتعلقة بحرب اليمن والتصرفات الضالة للسعودية، بما فيها قتل الصحافي في (واشنطن بوست) جمال خاشقجي في 2 تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي في قنصلية السعودية في إسطنبول".
ويلفت حسن إلى أن "الإمارات كانت مترددة في التخلي عن السعوديين خشية أن تقوم الرياض بمتابعة مصالحها بطريقة لا تحبها الإمارات، بما في ذلك رأب الصدع مع تركيا وقطر، وكان هذا هو أسوأ سيناريو دبلوماسي من منظور الإمارات".
وينوه الباحث إلى أنه "في السياق ذاته، فإن الإماراتيين يعتقدون أن تحالفهم مع السعوديين منذ عام 2015 ضد الإخوان المسلمين ودول مثل تركيا وقطر هو أهم إنجاز استراتيجي حققوه في السنوات الماضية، ولم تتبن الإمارات سياسة السعودية تجاه سوريا، وكانت أول داعمة للمعارضة السورية تعيد علاقاتها الدبلوماسية مع نظام بشار الأسد، رغم دعم الرياض للسياسة الأمريكية، والتشديد على النظام السوري، ومنعه من السيطرة على شرق سوريا".
ويجد حسن أنه "بعيدا عن هذه التباينات، فإن البلدين حافظا على علاقة قريبة، وعملا معا من أجل إعادة رسم الخريطة السياسية والعسكرية للمنطقة، وتجنب إظهار أي خلاف بينهما، وتحاول الإمارات اليوم ترميم سمعتها في واشنطن والعواصم الغربية، من خلال تصوير نفسها على أنها دولة صغيرة ترغب في السلام والاستقرار من خلال القوة الناعمة والتعاون الاقتصادي، وتعارض في الوقت ذاته الحروب في الشرق الأوسط".
ويستدرك الكاتب بأن "هذا الخطاب أو الرواية يتناقضان مع أفعالها خلال السنوات الست الماضية، حيث حاول الإماراتيون وفشلوا في وقف تأثيرات الربيع العربي وبأي وسيلة ممكنة، ومن هنا فإن التغير في السياسة ليس محاولة لترميم السمعة، لكنه نابع من الفشل الذي جلبته على نفسها".
ويقول حسن: "يبدو أن هناك حالة إحباط لدى الإماراتيين بعدم قدرتهم على تكرار نجاحهم في مصر، الذي أطاحوا فيه بأول رئيس منتخب، وما تبع ذلك من تراجع دور الإسلاميين في المنطقة بعد الربيع العربي، ومنذ ذلك الوقت لم يحقق الإماراتيون إلا نجاحات محدودة، خاصة في اليمن وتونس وليبيا، ففي نيسان/ أبريل شن الجنرال خليفة حفتر هجوما ضد الحكومة المعترف بها دوليا، وكان هجومه مقامرة دعمتها الإمارات لطرد الإسلاميين من العاصمة، وتأكيد سلطة ديكتاتورية في ليبيا كلها، وارتدت المقامرة عكسا، وتحولت على مدى الأشهر الماضية إلى مهزلة".
وينوه الباحث إلى أنه "في اليمن حاول السعوديون إقناع الإماراتيين بالعمل مع حزب الإصلاح الإسلامي، فقادت الجهود إلى دفع الحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد للاجتماع بقادتها في الرياض، وهو الذي كرس حياته لسحق الإخوان المسلمين في كل مكان، بل أصبح حلفاء الإمارات، مثل مصر والسعودية، عبئا، فعبد الفتاح السيسي أصبح بعد الانقلاب يعتمد على التمويل الخليجي دون أن يقدم المقابل، ورفض المشاركة في حرب اليمن، أو التوقيع على التحالف الذي أطلق عليه بالناتو العربي، الذي كانت ستقوده السعودية أو الإمارات".
ويشير حسن إلى أنه "في المقابل فإن الحاكم الفعلي للسعودية محمد بن سلمان أصبح عبئا بعدما فشل في تسويق نفسه للغرب على أنه مصلح، وشوه سمعة من ارتبط به بعد مقتل خاشقجي، ومن خلال دعم الرئيس دونالد ترامب للإماراتيين والسعوديين فإنهم أصبحوا أنصارا له في لعبة السياسة للولايات المتحدة".
ويعتقد الكاتب أن "التحول الجديد في الموقف الإماراتي قد لا ينهي بالضرورة دعمها للجماعات الوكيلة في المنطقة، لكنه قد يغير من ديناميات العلاقة مع السعودية، فقد اعتقدت الدولتان أنهما تستطيعان إنشاء نظام جديد نابع من صورتهما الاستبدادية، إلا أن هذا الحلم قد انتهى على ما يبدو، ويحاول الطرفان التغلب على خلافاتهما الآن، مع أن هذا لم يعد ممكنا في اليمن".
ويختم حسن مقاله بالقول إن "الانسحاب الإماراتي ربما أجبر السعودية على تبني سياسات أكثر قسوة مخالفة للمصالح الإماراتية، ومع أن اليمن جمع الدولتين معا إلا أنه قد يكون العامل الذي سيفرقهما الآن".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
لوبلوغ: روسيا تعزز من نفوذها بجنوب اليمن.. ما هدفها؟
هندرسون: هل تنهي أزمة اليمن علاقة ابن سلمان وابن زايد؟
فورين بوليسي: هل بدأ التحالف السعودي في اليمن بالانهيار؟