تسعى السلطة الفلسطينية إلى التحرر من اتفاق (بروتوكول) باريس الاقتصادي بعد مرور نحو 25 عاما على توقيعه مع الاحتلال الإسرائيلي، إذ تعتبره الكابح الرئيسي للتنمية، والبوابة الرئيسية للأزمات التي يمر بها الاقتصاد الفلسطيني.
وقررت الحكومة الفلسطينية رسميا، تقديم ملف القضايا المالية والاقتصادية العالقة مع الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك اتفاق باريس الاقتصادي، إلى المحكمة الدولية الدائمة للتحكيم والتي تتخذ من لاهاي مقرا لها.
واتهم وزير المالية شكري بشارة "إسرائيل" بـ"التحايل" في تطبيق "بروتوكول باريس"، وقال إنها تفرض إجراءات بشكل أحادي، ما جعل الاحتلال "مشروعا مربحا بامتياز".
وأشار إلى أنه في عام 1994 "كان حجم الاقتصاد الإسرائيلي 76 مليار دولار وارتفع في 2017 إلى 369 مليار دولار"، مضيفا: "نعتقد أن جزءا مهما من هذا النمو لا يقل عن الثلث، نتيجة منظومة بروتوكول باريس".
ورفض الاحتلال الإسرائيلي مرارا إلغاء الاتفاق أو حتى تعديله، بعد مطالبات فلسطينية بذلك، ولعل الأرقام التي ذكرها بشارة حول استغلال "إسرائيل" لهذا الاتفاق يفسر سبب الرفض المتكرر لإلغائه، حيث لفت بشارة في بيانات بالأرقام، أن إجمالي ما اقتطعته إسرائيل من عائدات المقاصة (وهي ضرائب فلسطينية على الواردات من إسرائيل والخارج، تجبيها بالنيابة عن السلطة الوطنية) تجاوزت في 12.5 مليار شيكل (الدولار يساوي 3.5 شيقلات) في السنوات الخمس الأخيرة فقط.
وقال، إن هذا يعطي فكرة عن مقدار الأموال التي اقتطعتها إسرائيل من المقاصة الفلسطينية على مدى 25 عاما.
وأكد أن الاعتماد بنسبة 60% من الدخل على مصدر ليس بأيدينا (المقاصة التي تجبيها إسرائيل من البضائع الفلسطينية) يعد أمرا "مدمرا للاقتصاد الفلسطيني، وهو بمثابة سكين على رقبتنا بشكل دائم".
احتلال اقتصادي
وأكد بشارة أن الملف الذي سيقدم إلى محكمة التحكيم الدولي في «لاهاي» سيشمل «برتوكول باريس» كمظلة لكل القضايا الأخرى، وتتضمن مخصصات عوائل الشهداء والجرحى والأسرى، التي بدأت إسرائيل باقتطاع مبالغ موازية لها، وتقدر بحوالي 144 مليون دولار سنويا.
اقرأ أيضا: بذكراها.. ماذا فعلت "اتفاقية باريس" بالاقتصاد الفلسطيني؟
الخبير الاقتصادي أحمد مصبح قال، إن أكبر مشكلة تكمن في تفاصيل اتفاق باريس الاقتصادي، تتمثل في عدم وجود سقف زمني له، إذ لم يحدد بفترة زمنية، ما يعني أنه اتفاق "دائم"، لم يعط الفلسطينيين فرصة لتقييمه، أو التعديل عليه فيما بعد.
وأضاف مصبح في حديث لـ"عربي21" أن "تفصيلات الخلل والعوار في بنود الاتفاق كثيرة، وتعطي هيمنة مطلقة وكاملة على الاقتصاد الفلسطيني"، مشيرا إلى أن السلطة الفلسطينية بموجبه "ممنوعة من إصدار عملة، أو إنشاء بنك مركزي، كما تم تحديد السلع المستوردة ونوعيتها، وقيمة الضرائب على هذه السلع، فضلا عن إلزام الفلسطينيين باستيراد سلع من السوق الإسرائيلية، ما يعني أن السلطة الفلسطينية كانت قد وقعت على اتفاقية احتلال اقتصادي، أعطت إسرائيل سيطرة كاملة على الاقتصاد الفلسطيني".
ولفت إلى أن الاحتلال يعتبر السوق الفلسطيني سوقا حيا، وموردا رئيسا لاقتصاده، وقال: "لو تتبعنا حجم ما يباع ويستهلك في الأراضي الفلسطينية من بضائع ومستهلكات إسرائيلية، نجد أنه (السوق الفلسطيني) أكبر سوق استهلاكي للاحتلال، ما يعني أنه لن يتخلى عنه".
مساع غير جادة
وحول نجاح المساعي الفلسطينية لإلغاء الاتفاق قال: "لا أعتقد أن المساعي جادة، وربما هي من قبيل الاستهلاك الإعلامي، لأنه بعد مرور 25 عاما على هذه الاتفاقية دون تقييم، أو وجود ضغوط لإنهائها، يعني أنها مستمرة وأصبحت واقعا، كونها غير محددة بزمن".
وتابع قائلا: "السلطة ليست قوية لتمارس الضغط على الاحتلال أو الأطراف الراعية بهدف إنهاء الاتفاق، فالإنقسام وغياب الحاضنة العربية، وتغير الكثير من المعطيات، يشي بفشل مساعي تغيير هذا الاتفاق".
المحلل السياسي أوس أبو عطا، قال، إن اتفاق باريس تخطاه الزمن، وتخطته إجراءات "إسرائيل" الأحادية ولا بد من تغييره، وكان يفترض أن يستعاض عنه باتفاق آخر أكثر عدالة وتكافؤاً وتوازنًا لتنظيم العلاقة بين فلسطين والاحتلال.
وقال أبو عطا في مقال له اطلعت عليه "عربي21"، إن اتفاق باريس قد أنجب اقتصاداً فلسطينياً أكثر اعتماداً على المساعدات في ظل العجز المتزايد للموازنة والميزان التجاري، وضعف القطاع الخاص على الاستثمار، فمن السذاجة الافتراض بأن "إسرائيل" ستسمح للاقتصاد الفلسطيني أن ينمو ويتطور بشكل طبيعي، فالاقتصاد من وجهة نظر "إسرائيل" هو أحد ساحات المواجهة، وعلى هذا الأساس تتعامل معه.
وشدد على أن "اتفاق باريس" كبّد الاقتصاد الفلسطيني خسائر مالية تتجاوز المليار دولار سنويًا، وهذا يعود إلى عدم التزام "إسرائيل" بالبنود التي تضمنها الاتفاق كحجز أموال المقاصة لعدة أشهر، مما يعني عملياً أن السلطة تفقد 70% من مواردها، بالإضافة لتحكم "إسرائيل" بسياسات الاستيراد والتصدير، بما يحقق لها مكاسب تجارية على حساب الفلسطينيين.
عملة وطنية
وأوضح أن اتفاقية باريس، كبلت تأسيس بنك مركزي، ليتولى مهمة إدارة السياسة النقدية والمالية للسلطة، وذلك بسبب اشتراطات "إسرائيل" الالتزام بعملة الشيكل كعملة أساسية للتداول في السوق المحلية، فعملية إصدار عملة وطنية مشروط بموافقة "إسرائيل"، ما يعني حرمان سلطة النقد من استخدام معظم أدوات السياسة النقدية الضرورية لتوجيه الاقتصاد، وعليهِ تستفيد "إسرائيل" جراء ذلك من وجود سوق إضافي، تستطيع من خلاله التحكم في نسب السيولة، وأسعار الصرف بحجم الاقتصاد الفلسطيني، الذي يعادل ثمانية مليارات دولار.
اقرأ أيضا: عمال فلسطين.. قهر وبطالة بغزة وإذلال على المعابر بالضفة
ولفت إلى أن 90% من الصادرات و 80% من الواردات مع "الجانب الإسرائيلي"، مما عمق عجز الموازنة والميزان التجاري. بل استطاعت "إسرائيل" بالحصار والعدوان أن تجعل المساعدات تركز على الإغاثة والاحتياجات وليس على التنمية ومقاومة الهيمنة، واستجاب البنك الدولي والمانحين لذلك حيث تم توجيه الاقتصاد ليصبح تابعا معتمدا على المساعدات الاغاثية، أو تمويل عجز الموازنة بعيدا عن أي توجهات تنموية.
يشار إلى أن حكومة الاحتلال شرعت منذ شهر فبراير/ شباط الماضي، في تطبيق قرارها القاضي بخصم جزء من أموال الضرائب التي تجبيها لصالح السلطة الفلسطينية، من البضائع التي تمر للمناطق الفلسطينية عبر موانئها، حسب الاتفاق الاقتصادي، بزعم أنها تدفع لعوائل الشهداء والأسرى، وهو ما أدخل الحكومة الفلسطينية في أزمة مالية كبيرة، لم تستطع بموجبها دفع أجور موظفيها كاملة.
هل حقق حزب الله أهدافه من عمليته الأخيرة ضد الاحتلال؟
إبعاد عن المنازل.. هكذا يعاقب الاحتلال المقدسيين (شاهد)
استمرار معاناة أسيرين يفتح ملف الإهمال الطبي بسجون الاحتلال