نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للمحاضر في جامعة هارفارد ستيفن أم وولت، تحت عنوان "تنظيم الدولة قادر على النجاة"، يناقش فيه مزاعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن تنظيم الدولة قد هزم بالكامل، مشيرا إلى أن طبيعة التنظيم مصممة للبقاء.
ويقول وولت في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "ترامب أعلن في شباط/ فبراير عن هزيمة تنظيم الدولة (100%)، ونسب النصر المزعوم لنفسه، ولسوء الحظ فإن الرئيس والحقيقة يبدو أنهما في كرتين أرضيتين مختلفتين، حيث سارع مستشار الأمن القومي جون بولتون لتصحيح كلام ترامب المتباهي، مخبرا شبكة (إي بي سي) بأن (تهديد التنظيم الدولة لا يزال مستمرا)، وأكدت تقارير وزارة الدفاع أن بقايا تنظيم الدولة أو جماعات نابعة منها ناشطة في عدد من الأماكن بما فيها أفغانستان، وفي الأسبوع الماضي نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) تقريرا مطولا تحدث عن عودة التنظيم مرة أخرى إلى العراق وسوريا".
ويشير الكاتب إلى أن "ترامب كان مخطئا للقول إن تنظيم الدولة قد هزم بالكامل، إلا أن تصميمه على العودة وتعافيه ليسا مثار الدهشة على الإطلاق، وعلى خلاف ذلك، فإن اعتقاد أن التنظيم يمكن هزيمته على المدى المتوسط أو القصير هدف غير واقعي؛ لأن إنهاء التنظيم من المناطق التي سيطر عليها في العراق وسوريا هو هدف واضح، وقامت أمريكا وحلفاؤها المحليون بمهمة جيدة وفاعلة لإخراجه منها، بالإضافة إلى أن تنظيم الدولة لم يكن أبدا في الحساب على الأقل في المنظور الحالي".
ويلفت وولت إلى أن "التاريخ حافل بالأمثلة عن الحركات السياسية والدينية التي تمتعت بشعبية لتواجه نكسات لسبب أو لآخر، إلا أنها استمرت في الوجود لعقود طويلة، مثلا المجموعة المسيحية (شيكرز) التي يتذكرها الناس بنوع الأثاث المنسوب إليها، وكانت (شيكرز) بطرق مختلفة نموذجا أيديولوجيا مختلفا عن تنظيم الدولة، وكان أفرادها يؤمنون بالمساواة والسلام، لكنهم تبنوا مواقف حول عدد من الموضوعات، ففي القرن التاسع عشر كان هناك الآلاف من أتباع (شيكرز) يعيشون في مجتمعات منفصلة حول الولايات المتحدة، وتراجع عدد أفرادها للعشرات بحلول العشرينيات من القرن الماضي؛ وذلك بسبب قوانينهم المشددة حول العزوبية، وهو ما أثر على نمو الحركة واستمرارها، ورغم هذا كله فعن هناك مجتمعا واحدا من (شيكرز) قائم في الولايات المتحدة، أي بعد قرنين من ميلاد الحركة".
وينوه الكاتب إلى أن "هناك مثالا آخر وثيق الصلة، فقد كان ليون تروتسكي لاعبا مهما في الثورة البلشفية، إلا أنه خسر المعركة على السلطة مع جوزيف ستالين، وفر إلى المنفى، حيث اغتيل لاحقا على يد عميل سوفييتي، ولم تكن حياة تروتسكي في المنفى سياسية بالمعنى الحقيقي، إلا أنه احتفظ بولاء آلاف الماركسيين الذين فضلوا رؤيته عن الشيوعية على تلك التي دعا إليها ستالين، ومات تروتسكي إلا أن أفكاره استمرت لعقود طويلة، وكذلك تنظيم الدولة، فرغم أنه أغضب وأرعب وأخاف ملايين الناس حول العالم، ورغم فشله بهزيمة أعدائه، أو إشعال ثورة دائمة في العالم الإسلامي، فإن التنظيم لا يزال يحتفظ بولاء آلاف الناس، ويظل جذابا لعدد جديد من المؤيدين".
ويتساءل وولت عن سبب بقائه رغم وحشيته التي لا تصدق، وفشله في الوفاء بأي من وعوده، ويرى أن الجواب هو أن "تنظيم الدولة هو فكرة أكثر من كونه حركة متماسكة، ناهيك عن (خلافة) قوية، ويمكن لمعارضيه استعادة الأراضي التي سيطر عليها وقتل أو القبض على قادته، إلا أنه طالما ظلت الفكرة على قيد الحياة وقادرة على الإمساك بخيال أتباع جدد فإن الحركة ستظل على البقاء في شكل من الأشكال".
ويؤكد الكاتب أنه "مثل بقية الأيديولوجيات الثورية، فإن رؤية تنظيم الدولة مصممة لتحفظ الحركة من الفشل المحتمل والنكسات، فمثل اللينية والماوية والجاكوبية والأفكار الثورية الأخرى، فإن أيديولوجية تنظيم الدولة تعترف بأن كادرها عدده قليل، وبأن معارضيها أقوى منها، ويحذر التنظيم أتباعه من النكسات المحتملة، ويخبر عناصره بأن عليهم التضحية في معركة طويلة، وكما تنبأ كارك ماركس وفلاديمير بوتين بالنصر النهائي للشيوعية فإن قادة تنظيم الدولة يصرون على حتمية النصر على المدى الطويل طالما تمسك أتباعه بالقضية".
ويقول وولت: "ربما أسهمت ميول تنظيم الدولة المثيرة للانقسام بمساعدته على النجاة، فعندما تواجه حركة سياسية أو راديكالية النكسات تزداد احتمالات الانقسام فيها، وبعد هذا كله فإن هذه الحركات تعتمد على مزاعم قادتها بأنهم وجدوا (الإيمان الحقيقي/ سواء كان دينيا أم علمانيا)، وهذا لا يجعلهم غير متسامحين مع المعارضة، و(بالتالي عرضة للمعارضة الداخلية واتهامات بالخيانة والزندقة) بل تجعلهم عرضة للانقسام طالما لم تتحقق نبوءات التنظيم الكبرى".
ويجد الكاتب أن "الأخبار السعيدة هي أن الخلافات الداخلية تقوض وحدة هذه الحركات، وتبدد الموارد التي تحاول استخدامها لتحقيق التماسك أو هزيمة التحديات الداخلية، وهو ما يجعلهم أقل فعالية لمواجهة التحديات الخارجية، أما الأخبار السيئة فهي أن انقسام الحركات لفصائل وجماعات يعطي حياة للأفكار العامة؛ لأن هزيمة حركة واحدة لا يكفي لنزع الشرعية عن الحركة بشكل كامل، والتوجه ذاته قد يعطي أملا للذين أصيبوا بالخيبة من النتائج التي حققتها الحركة، ويقنعهم بمواصلة المضي تحت قيادة جديدة أو تسمية جديدة".
ويبين وولت أنه "علاوة على هذا فإن تنظيم الدولة لن يختفي؛ لأن المظالم والظروف التي غذت ظهوره لا تزال قائمة، ومنذ البداية بنت معظم الحركات الجهادية بعض الدعم من المعارضة الصريحة للتدخل الخارجي في العالم الإسلامي، ونعني هنا الغرب، وهذا صحيح بالنسبة لحركة طالبان وتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة أيضا، مع أن هناك اختلافات بينها أيضا، ولا تزال القوى الغربية تتدخل في المنطقة فيما يواصل القادة الغربيون، بمن فيهم ترامب، قول وعمل الأشياء التي تؤكد دعاية تنظيم الدولة، وهي أن الغرب في حرب مع الإسلام، وبالتأكيد فإن تنظيم الدولة هو في حرب مع الجميع، بمن فيهم ملايين المسلمين الذين يعدهم زنادقة، وطالما استمر تدخل الدول الغربية فإن تنظيم الدولة وإخوانه سيظلون قادرين على تجنيد أتباع".
ويفيد الكاتب بأن "تنظيم الدولة عبر عن معاداة للحكومات العربية والإسلامية الموجودة، واعتقد قادته أن الإعلان عن الدولة الإسلامية سيشعل انتفاضات ضد الحكومات الفاسدة الكافرة التي تدير اليوم العالم العربي، ولم تتحقق هذه النتيجة ولن تتحقق، إلا أن طريقة أداء الحكومات العربية لم تفعل الكثير لتشكك في أفكار تنظيم الدولة، فالدفاع عن نظام عبد الفتاح السيسي في مصر ومحمد بن سلمان في السعودية ليس سهلا، ويمكنك أن تراهن على قيام تنظيم الدولة لإظهار الطبيعة المتوحشة لهذه الحكومات وعلاقتها مع الغرب، وهذا الوضع لن يحول تنظيم الدولة إلى قوة ثورية ضاربة، واستعادة أراضيه السابقة في العراق وسوريا، لكنه يقدم له الأوكسجين الايديولوجي للبقاء على قيد الحياة".
ويشير وولت إلى أنه "مثل العمليات الإجرامية كلها وأي حركة تنتصر من خلال ذبح الأبرياء وتمول نفسها عبر النشاطات غير الشرعية، فإن تنظيم الدولة ينتعش في المناطق الخارجة عن نطاق الحكومة، فظهر أولا بعد تدمير نظام البعث في العراق وانهيار المؤسسات المحلية، لكنه انتقل الآن إلى مناطق لا تدار بشكل جيد في أفغانستان، فهو مستمر لأن السلطات المحلية لا تزال ضعيفة وفاسدة وعاجزة، والحل الوحيد لهذه المشكلة هو إقامة حكومة شرعية، وإنشاء سلطات محلية، لكنها مهمة طويلة المدى لا تستطيع القوى الخارجية تحقيقها بنفسها".
ويرى الكاتب أنه "لهذه الأسباب كلها فإن الإعلان عن هزيمة تنظيم الدولة مثل إعلان النصر على الشتاء بعد نهاية أول سقوط للثلج، وإعلانات كهذه تتلاعب في الرغبة الوطنية لوضع المشكلات في الكرسي الخلفي، ويحاول الساسة مثل ترامب نسب الفضل لأنفسهم، لكن زعم هزيمة تنظيم الدولة مضلل من عدة طرق:
أولا: يبالغ في خطر التنظيم الذي مثله مرة.
ثانيا: يقلل من مستوى الخطر الذي مثله من خلال الإعلان عن نهايته".
ويختم وولت مقاله بالقول: "من الأفضل الاعتراف بأن تنظيم الدولة لن يهزم بشكل كامل ولن يختفي ولمدة طويلة، ولحسن الحظ فهو لا يمثل خطرا وجوديا، وستظل بقاياه مشكلة تحتاج للانتباه والتعامل معها، مع أن معظم الجهود يجب أن تأتي من الدول التي يعمل فيها التنظيم، وعلينا ألا نتجاهله، بل علينا التعامل مع المشكلات الكبرى اليوم وفي السنوات المقبلة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
MEE: طائرات إسرائيلية ضربت الحشد الشعبي بمخطط سعودي
دراسات جديدة تثبت عودة تنظيم الدولة إلى ساحة سوريا والعراق
التايمز: ما دلالات تعيين البغدادي التركماني قرداش خليفة له؟